تحدثنا في المقال الأول من هذه السلسة التربوية عن السرقة وأسباب تفشّيها بين الأطفال، وبيّنا أنه لا مكان للتجمّل أو نكران الواقع، فالأمر حقيقي، والشكوى منه كثرت وتعددت صورها، واليوم نتحدث عن سبل الوقاية من هذه الآفة؛ سعياً منا في منعها، ثم نصف الدواء كاملاً في المقال القادم.
إن طرق الوقاية متعددة الأدوار بين البيت والمدرسة والمجتمع والدولة بصفة عامة، لذلك فالوقاية تكون من الآتي:
أولاً- حسن الإنفاق:
وهذا البند هو من أعظم سبل الوقاية، فالدافع للسرقة في معظمه يكون لطلب الحاجات والحصول على ما حرم منها الطفل ، وعليه فإن دور الأب -مع الإحاطة- هو الإنفاق، بل من عوامل التفضيل الرباني للزوج أصلاً هو الإنفاق: {الرجال قوّامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم} [النساء، الآية:34]، والأولى بالإنفاق هي الأسرة، وفي القلب هم الأطفال الذين ترى أعينهم شيئاً جميلاً ويتمنون الحصول عليه، ولما حرموا نتيجة البخل الأسري يكون المآل ما نسمع ونرى، فالوقاية هنا مصروف خاص بالطفل يشعره بذاته ويعالج آفاته النفسية.
ثانياً- الغرس والتعليم:
إن دور الأب والأم في ترسيخ المعاني والصفات القيمة في حياة أبنائهم فرض لا مناص منه، وواجب حتمي الحدوث، ولا مجال للتهرب أو التعلل بالعمل والوقت الضيق، فما تتعلل منه اليوم ربما بسبب يكون وبالاً على الطفل، وعندها لن ينفع الندم، لذلك فالأب النافع الواعي هو الذي يغرس في أطفاله كل قيمة جليلة، وسمت حميد، ويحذرهم من الصفات السيئة، وأن اليد التي تمتد لتأخذ ما ليس لها هي يد يبغضها الله ورسوله والمجتمع، وهكذا يكون الطفل صالحاً مصلحاً، وقف عند الصواب والخطأ بفعل التوجيه التربوي الناجح من ذلك الأب الواعي الحريص على ثمرته ورعيته.
الأب النافع الواعي هو الذي يغرس في أطفاله كل قيمة جليلة، وسمت حميد، ويحذرهم من الصفات السيئة
ثالثاً- الانضباط المالي:
إن اليد لا تفكر في السرقة والأخذ من تلقاء نفسها، فالأمر يستقر في العقل مرات ومرات مع رؤية بعض الأشياء الثمينة مهملة على الأريكة، أو المكتبة، أو بجوار الشاشات، أو بقايا المصروفات متروكة، وهذا شيء عادي، فالبيت كله واحد، والأمان موجود، لكن الحذر هنا ليس عيباً، وعليه فمن الضروري عدم وضع أموال أو مشغولات ذهبية -إن وجدت- أمام الأطفال ، فالأمر يبدأ باللهو والضحك، ثم يتحول لإخفاء ونكران بمعرفة المكان، مصحوب بالبكاء، وهو سلاح فتّاك تضعف أمامه كل أم.
رابعاً- القدوة العفيفة:
إن ضرب الأمثال عبر قصص الأطفال مهم جداً، وبراعة اختيار قصة تعمل على علاج هذه الآفة من قبل الأم أو الأب هو من البراعة التربوية، وترجمة لحالة أسرة واعية حريصة على الأبناء، وعليه فضرب المثل بالأخ الأكبر أو أحد أقاربه وقص مواقف تعبر عن الأمانة في مثل هذه الأمور، وعدم إخفائها، أو مد يده لأشياء غيره، كل هذا مهم، فالأطفال عادة يحبون القصص، ولا ضير أيضاً أن يخبر الأب قصة عنه وهو صغير، ومواقف تعرّض لها تعمل على عفة النفس والأمانة، والمحافظة على حاجة الغير والآخرين.
خامساً- المصارحة والوضوح:
إن من أهم المشكلات التي تطيل عمر هذه الظواهر هو عدم المواجهة إلا بعد مسافات من الأزمات ، فيحدث الأمر مرة واثنتين، ويخشى الآباء التحدث خشية أن يزعجوا نفسية الطفل، وهذا خطأ، فالأمر كلما كان مبكراً كان العلاج أسرع، فهو مرض إذا عجلت بالدواء كان الداء محاصراً، ثم مندثراً، وإذا أهملت تمكن من الجسد وأنهكه وأعجزه، لذلك فالطبيعي أن يصارح الآباء أبناءهم في إطار الأسرة الواحدة التي يسودها المصارحة والحب والألفة، ولا مكان للتجمل أو الكذب، كذلك هناك مجال للثواب والعقاب، فليس كل عقاب عقدة نفسية، وليس كل ثواب إفراط في التدليل.ختاماً
هذه هي علامات وسبل الوقاية التي رأينا أنها مهمة وعميقة وعملية، وكل أسرة في حاجة إليها، وقد آثرنا أن نعطي كل واحدة حقها؛ لأن الأمر جدّ خطير، حتى نكون قد أخذنا بكافة الأسباب، وبيّنا الأسباب وطرق الوقاية ثم العلاج، وهذا في المقال القادم والله المستعان.