إن سورة يوسف هي من دلائل نبوة النبي محمد ﷺ فهي من أخبار الغيب السابقة التي أعلمه الله تعالى بها وحياً بكل تفاصيلها لتكون دلالة على صدق نبوته ﷺ للناس إلى يوم القيامة.
عن ابن عباس رضي الله عنه: " أن طائفة من اليهود حين سمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلو هذه السورة أسلموا لموافقتها ما عندهم".
قال خالد بن معدان: سورة يوسف وسورة مريم يتفكه بهما أهل الجنة في الجنة.
قال ابن عطاء: لا يسمع سورة يوسف محزون إلا استراح إليها.
لقد سُميت قصة يوسف عليه السلام بـ "أحسن القصص" وهناك تفسيرات عديدة لذلك:-
• قيل: لأن قصة يوسف تنفرد من بين قصص القرآن باحتوائها على عالم كامل من العِبَر والحِكَم.
• وقيل: لأن يوسف تجاوز عن إخوته وصبر عليهم وعفا عنهم.
• وقيل: لأن فيها ذِكر الأنبياء والصالحين، والعفة والغواية، وسير الملوك والممالك، والرجال والنساء، وحيل النساء ومكرهن، وفيها ذكر التوحيد والفقه، وتعبير الرؤيا وتفسيرها، فهي سورة غنية بالمشاهد والانفعالات.
• وقيل: إنها سُمِّيَت أحسن القصص لأن مآل من كانوا فيها جميعاً كان إلى السعادة.
تعلمت من سورة يوسف
إن سورة يوسف بها معين لا ينضب ولا يسبر قاعه من الدروس والعبر والعظات وسأذكر هنا بعض ما فتح الله عليَّ به وما سأذكره ما هو إلا غيض من فيض أسرار هذه السورة.
1- تعلمت أن ما جاء به الأنبياء إنما نزل من مِشكاة واحدة ويُعزز بعضه بعضاً، فقصة نبي الله يوسف عليه السلام كانت دليلاً على صدق نبوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
2- تعلمت أن النفس البشرية تحتاج من وقت لآخر إلى الترويح الذي يخفف عنها تعب الحياة وكدرها لتعود صافية نقية متجددة لجولة أخرى من جولات الحياة ولذلك طلب الصحابة رضوان الله عليهم من النبي صلى الله عليه وسلم أن يقص عليهم.
3- تعلمت أن المُخطئ كثيراً ما يلجأ إلى تبرير سوء فعله ليهرب من تأنيب الضمير ولذلك عاب أخوة يوسف على أبيهم حبه ليوسف قائلين ﴿ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ﴾ ثم زادوا ﴿إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ﴾.
4- تعلمت أن البكاء وحده لا يكون مبرراً للتعاطف والرحمة والمسامحة فالظالم أسهل ما عليه أن يُطلق دموعه مدراراً.
5- تعلمت أن هناك من الناس من يُجيدون التلون والتصنع وتغيير الأقنعة وإظهار عكس ما يُضمرونه بداخلهم.
6- تعلمت ﺃﻥ هناك من بين ﺍﻟﻨﺎﺱ من ﻳﻜﺮﻫﻮﻧﻨﺎ ﻟﻤﺰﺍﻳﺎﻧﺎ ﻭﻟﻴﺲ ﻟﻌﻴﻮﺑﻨﺎ غيرة منهم وحسداً.
7- تعلمت أننا لا نستطيع دائماً حماية من نحب، ولكننا نعرف من يحفظ من نحب فندعوه سبحانه أن يحفظهم ويسدد خطاهم وأن يقيل عثراتهم وأن يجنبهم كيد الكائدين ومكر الماكرين.
8- تعلمت أننا من الممكن أن نسلم من الخطر الجلل ونؤتى من مأمن بل ممن نتقوى بهم.
9- تعلمت أن الشر له درجات متفاوتة وأن هناك من أهل الشر المجرمين وأكابر المجرمين كما بدا من حال إخوة يوسف.
10- تعلمت ألا أبوح بما يحزنني لمن هو ليس أهل لذلك فأكون بذلك قد أهديته السلاح الذي يقضي عليَّ به.
11- تعلمت أنه مهما تفنن المجرم في إخفاء جريمته فلابد من أن يفوته ما يفضح أمره ويهتك ستره.
12- تعلمت أن الشيء الواحد قد يحمل في طياته متناقضات عديدة وأن العبرة تكون في طريقة استعماله.
13- تعلمت أن الزمان يتقلب والدنيا لا أمان لها فقد يُصبح المرء عزيزاً في أهله ويُمسي سلعة تباع وتشترى بأبخس الأثمان.
14- تعلمت وضع اللفظ المناسب في المكان المناسب حيث قال تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً...﴾ فكل لفظ (امرأته) في القرآن الكريم دل على عدم التوافق وعدم التكافؤ بين الرجل وامرأته. قال تعالى: ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ* وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ [التحريم: 10-11] بخلاف لفظ (زوجه) حيث قال تعالى: ﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ﴾ [الأنبياء: 90].
15- تعلمت أن كل عسى في القرآن الكريم مُوجبة لما بعدها. قال تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا..﴾ وبالفعل كان يوسف عليه السلام نافعاً لهم بل لمصر كلها، وقال تعالى: ﴿قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً...﴾ وبالفعل رد الله تعالى إلى يعقوب عليه السلام ولديه.