في الجزء الأول من هذا الموضوع تم استعراض خمسة عشر درساً تعلمتهم من هذه السورة المباركة التي لا ينضب معينها ولا يتوقف عطاؤها، وفي هذا الجزء أستكمل بفضل الله تعالى المزيد من الدروس التي رزقني الله إياها عسى أن تكون زاداً لنا في طريقنا إلى الله تعالى.
16- تعلمت ألا أحمل المسئولية والأمانة إلا لمن يستحقها ولمن لديه المؤهلات والإمكانيات التي تعينه على تحمل تبعاتها وعلى أدائها كما ينبغي.
17- تعلمت أنه مهما تشابهت المظاهر فلا يعلم ما تكنه الصدور إلا الله تعالى، فيوسف عليه السلام يجري ليهرب وامرأة العزيز تجري لتمسك به، هذا يهرب من الفاحشة وهذه تصر على الفاحشة.
18- تعلمت أن المرأة إذا تمكن الحب من قلبها لا تنساه ولا تتمنى السوء لمن أحبته، فامرأة العزيز قد امتلأ قلبها بحب يوسف ولذلك تعجلت بإملاء العقوبة واختارت له السجن أو العقاب الأليم ولم تختر قتله.
19- تعلمت أنه بالرغم من أهمية العلم الدنيوي ولكن تبقى الميزة والكفة الراجحة لما يفتح الله تعالى به على العبد فترجح كفة القلب على كفة العقل وتحصيل الكمال في كليهما من أصل الدين.
20- تعلمت أن السجن يحوي بين جدرانه الكثير من المظلومين والمستضعفين الذين يلجأ الظالم إلى تغييبهم لكي لا يذيع صيتهم أو لكي لا يذكِّرون الظالم بما بدر منه من سوء. وهؤلاء إذا ظلمهم العباد فإن ناصرهم هو رب العباد.
21- تعلمت أن مجتمع النساء حينها كان يعج بالفاحشة فلم تعب النسوة على امرأة العزيز أنها أرادت أن تأتي الفاحشة بل عابوا عليها أنها أرادت أن تأتي الفاحشة مع (فتاها - خادمها).
22- تعلمت أن الصراع بين الحق والباطل بدأ مع بدء الخليقة ولن ينتهي إلا بانتهاء الخليقة، تتغير الأشخاص والأدوار والوسائل ولكن حقيقة الصراع واحدة. وأن الحق لا ينتهي بهلاك صاحبه ولا الباطل ينتهي بهلاك صاحبه فوراء كل صاحب حق من يحمل لواءه ووراء كل صاحب باطل من يحمل لواءه وأن هذه هي سنة الله تعالى في خلقه.
23- تعلمت أن قدر الله غالب لا محالة وأن جنود الله تعالى لا يعلمها إلا هو فلولا "الحلم" الذي رآه عزيز مصر ما خرج يوسف من السجن.
24- تعلمت أن حنان الأبوة جارف عميق فلم ينس يعقوب عليه السلام ابنه الصغير ولم يفقد ثقته بربه بل وجد ريح يوسف قبل أن يصله القميص.
25- تعلمت أن العدل بين الأبناء واجب شرعي وإن زادت العاطفة في القلب فلابد وأن نخفيها ولا نترجمها لسلوك ظاهر حتى لا نوغر الصدور ونولِّد الأحقاد، ولقد جعل الله تعالى ما حدث بين يوسف وإخوته درساً عملياً للآباء إلى يوم القيامة.
26- تعلمت ألا أشكو همي وحزني إلا إلى الله تعالى فهو وحده القادر على سماع النجوى وكشف البلوى أما البشر فمنهم من يشمت ومنهم من يغتاب ومنهم من يزيدك هماً على همك.
27- تعلمت أن المُحب لا ينسى والجوى لا ينتهي والموصول بالله تعالى لا ييأس ولا ينقطع رجاؤه.
28- تعلمت أن للفراق لوعة تهد الجسد هداً وللقاء فرحة تعيد للجسد نضارته وشبابه.
29- تعلمت أن عطايا القلب أثمن من عطايا اليد وبها يتمايز الناس ويتفاضلون.
30- تعلمت أن ما هو سبب حزنك اليوم قد يكون هو نفسه -بقدرة الله تعالى- سبب سعادتك في الغد.
31- تعلمت أن لغة الخطابُ قد تتغيُّر بتغير المصالحِ وتغير الأحوال.
32- تعلمت أن الذنب ينغص على فاعله حياته مهما طالت السنين ولذلك نجد أن أخوة يوسف عليه السلام قالوا ﴿سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ﴾ لأنهم لم ينسوا فعلتهم التي فعلوها مع يوسف عليه السلام من قبل وأنه ليس من السهل أن يقنعوا أباهم بالتفريط في ابنه الآخر.
33- تعلمت أن جرح فقدان الأبناء لا يندمل مهما طال الزمان، فهذا نبي الله يعقوب عليه السلام يقول: ﴿قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ...﴾ [يوسف: 64].
34- تعلمت أن ألم عقوق الأبناء للآباء لا يُنسى بسهولة، فعندما طلب أبناء يعقوب عليه السلام منه أن يستغفر لهم ﴿قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيَ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ فربما أجل الاستغفار لحين تمام الصفح وشفاء ما في صدره نحوهم وربما لاختيار الوقت المناسب والمكان المناسب لاستجابة الدعاء.
35- تعلمت أن الداعية ما عليه سوى الاجتهاد والأخذ بأسباب هداية المدعوين إنما الهداية فهي بيد الله تعالى وحده حيث خوطب النبي صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى: ﴿وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ﴾ [يوسف: 103].
• هذا ما تعلمته من سورة يوسف بما فتح الله تعالى عليَّ به وبما لدي من فهم قاصر وجهد متواضع وكلي يقين أن هذا هو غيض من فيض أسرار هذه السورة الكريمة.