يختلف تصرف أحدنا عن الآخر حيال معاناة شخص ما، البعض يشعر بألمه ويستوعب حزنه، آخرون يشعرون بالقلق ويرتبكون فلا يتقنون التصرف، ولكن آخرين يهربون طلباً لرفاهيتهم الخاصة، أو بهدف مواصلة حياتهم بهدوء بعيداً عن التوتر الذي ينشأ في تلك اللحظات.
الفئة من الناس الذين يشعرون بالقلق الذي يدفعهم للمساعدة وليس الهروب، أو يتقمّصون – على الأقل – شعور الشخص المتألم، يسمّيهمُ العلم (المتعاطفون) استكملوا جوانب التعاطف: بالإحساس، المعرفة، ثم الدافع لتقديم معونة، بدافع الإنسانية/ أو الرحمة، والحقيقة، نحن "يمكننا أن نكون أقوياء بالمعرفة، ولكننا لن نصبح بشراً إلا بالرحمة " كما يقول طاغور / الروائي الفيلسوف.
وبنظرة سريعة راسخة لدى القارئ الكريم بالتأكيد، يتبين أن التعاملات في الإسلام وكثير من العبادات والأركان قائمة على مبدأ الرحمة/ التعاطف... كالصدقات، بر الوالدين، وكذلك واجبات الأخوّة وحقوق الجيرة في الإسلام، الرفق بالضعفاء، صلة الرحم، وكفالة الأيتام أيضاً، وغيرها الكثير مما لا حصر له، لكن لا بد من التذكير دوماً بحقيقة أن الإسلام هو مبتدأ كل جميل في حياة البشر .
التعاطف ضروري لاستمرار الإنسانية:
تقول الطبيبة النفسية - الباحثة هيلين ريس/ مؤلفة كتاب (تأثير التعاطف): إن التعاطف مع الآخرين، والشعور بهم، وتحقيق رفاهية العيش لهم يجعل الوصول للأهداف أسهل، ويحقق فاعلية العمل، وصولاً إلى ازدهار المجتمع بأكمله.
التعاطف يغذّي الأمل الأزليّ للإنسانية، بتشكيل مجتمع أكثر مدنيّةً، ونشر خطاب أكثر احتراماً، وبناء عالم أكثر إنسانية، ذلك الأمل قائم على فهم الآخرين .إن التعاطف مع الآخرين، والشعور بهم، وتحقيق رفاهية العيش لهم يجعل الوصول للأهداف أسهل، ويحقق ازدهار المجتمع بأكمله
من شأن التعاطف تحسين التفاعلات البشرية عموماً، برغم أن المفهوم السائد عنه أنه يقتصر على تحسين الرعاية الصحية، واهتمام الأطباء بفهم حالة المريض، والحقيقة أن التعاطف في التفاعلات الإنسانية يشبه إضافة موسيقى إلى كلمات جميلة – حسب رأي ريس.
ما هو التعاطف الذي نطمح للوصول إليه؟
يخلط الناس بين التعاطف (الشعور مع شخص ما بما يمر به) وبين العطف (الشعور بالأسف لأجل ما يمر به شخص ما) وللأسف فإن الباحثين زادوا هذا الالتباس وضاعفوه ببعض التعريفات المعقدة لمفهوم التعاطف.
وقد قدمت هيلين ريس في كتابها شرحاً يفكك ذلك التشابك ويبيّن الأبعاد المختلفة لمفهوم التعاطف، يقوم على جوانب ثلاثة: عاطفي، معرفي، ودافع داخلي.
تقول الباحثة: "إن التعاطف يفسّر بالقدرة على إدراك مشاعر الآخرين، والاعتراف بمشاعرنا الخاصة حيال الأمر ، وسوف تكون ردة الفعل هي الاستجابة المنطقية (التي تسمى التعاطف) والتي تنشأ بعد تخيّل ما يشعره الآخرون وهم تحت ظروفهم الخاصة، والذي يتبعه الاهتمام بتحسين حالتهم وتحقيق الرفاه لهم".
وعلمياً، يعتمد التعاطف على أجزاء محددة من الدماغ وظيفتها الفطرية هي تمكين التواصل العاطفي مع الآخرين، وخلق الدافع للاهتمام، وكأن مسارات الألم في النظام العصبي بداخل الدماغ تضيئ وتشعرك بالألم والأذى بالكم الذي يكفي ليحركك فتساعد.
يعتمد التعاطف على أجزاء محددة من الدماغ وظيفتها الفطرية هي تمكين التواصل العاطفي مع الآخرين، وخلق الدافع للاهتمام
وبالرغم من هذا كله فإن الإشارات العاطفية لا تكفي، إذ أن الإشارات العاطفية التي يصدرها الجهاز العصبي لدى شخص يشبهنا تختلف عنها لدى شخص لا يشبهنا، وهنا يتدخل الجانب المعرفي يبني ردة الفعل على إدراك وجوب الفصل بين الفضول تجاه الشخص المتألم، وردة الفعل غير المدروسة، تبعاً لإدراك اختلاف المشاعر.
وتصف الباحثة ذلك الجانب، فتقول: "يتعين علينا النظر إلى الوضع من عدة زوايا: نفسية، جسدية، اجتماعية، وروحية".
والجانب الثالث للتعاطف يحركه القلق تجاه الشخص المتألم غالباً، ما يدفعنا إلى رعايته والاهتمام به، بينما يتأثر القلق والدافع للتعاطف بعدة عوامل أهمها نسبة التشابه بين الشخصين، الحالة الاجتماعية، وسلوك الشخص المتألم الذي قد يراه الآخر مستحقاً للألم ؛ لأنه سبب مباشر له، وكلما اختلفت هذه العوامل يتغير احتمال ملاحظة وجود المعاناة من الأصل.
التعاطف مهارة يمكن تعلمها:
مصدر التعاطف مع الناس أو الشعور بمشاعرهم ليس عضلة تقوى بتمرينها، وإيقاف ردة الفعل المعاكسة، إلا أنه ممكن تعلّمه بتقوية مهارة إدراك مشاعر الآخرين.
وقد طوّرت الباحثة برنامجا لتقمّص المشاعر يحسّن من قدرة الأطباء على قراءة العواطف وقياس مستوى الإرهاق، ورضى المريض، يطبّق البرنامج بسبع خطوات تقيس كل منها جانباً من مكوّنات المحتوى العاطفي للشخص المتألم. واستخدمت اختصاراً لها مصطلح (EMPATHY) يشير كل حرف من حروف المصطلح إلى خطوة من الخطوات السبع:
1. (E=Eye) اتصال العين
2. (M=Muscles) العضلات في تعابير الوجه
3. (P=Posture) وضعية الجسد
4. (A=Affect) التأثر أو الانفعالات
5. (T=Tone) نبرة الصوت
6. (H=Hearing) الإصغاء
7. (Y=Your response) استجابة المتلقي
التعاطف في حياتنا اليومية:
تشير الباحثة ريس إلى أن الجميع بإمكانهم قراءة مشاعر من حولهم، حتى الأطفال الصغار يقرؤون مشاعر الآخرين وتتشكل لديهم رغبة لمساعدة من يمر بمِحنة، ويمكن للوالدين منذ الصغر تنمية هذا الشعور النبيل، وبناء تلك المهارة من خلال نمذجة ذلك الدور ومنحهم الفرصة الكاملة لممارسة التعاطف.
ومع النمو العمريّ يجب أن يتولى الأبوان والمعلمون المَهَمّات التكميلية بالتوازي، كزيادة شعور الطفل بقيمة الذات من خلال معاملته بدفء واحترام، وإشراكه في التعلم بذاته، وتعليمه تقنيات التعاطف المباشر بالأدب، والمحاكاة وتجنّب القسوة في التأديب.
الجميع بإمكانهم قراءة مشاعر من حولهم، حتى الأطفال الصغار يقرؤون مشاعر الآخرين وتتشكل لديهم رغبة لمساعدة من يمر بمِحنة
وفق خريطة اكتساب مهارة التعاطف يمكن تقوية الجوانب الأربعة التي تبني الأساس السليم لدى الإنسان لقراءة ما يشعر به الآخر، وكيف يمكن التعاطف معه وبأي طريقة، وهي:
1. التفكير: ما الذي يفكر به الشخص المتألم، وما الذي يشير إليه ذلك؟
2. الإحساس: ما هي الانفعالات الرئيسية التي يشملها هذا الشعور؟
3. الكلام: أي الكلمات يتلفظ بها الشخص المتألم أكثر ويركز عليها؟
4. الفعل: أي سلوك لديه يلفت انتباهك؟
معلومات الموضوع
مراجع ومصادر
- مترجم بتصرف: https://greatergood.berkeley.edu/article/item/why_the_world_needs_an_empathy_revolution