نظام مونتيسوري التعليمي .. هكذا يصنع الجيلُ المبدع

الرئيسية » بصائر تربوية » نظام مونتيسوري التعليمي .. هكذا يصنع الجيلُ المبدع
teachinig23

لم يعد هنالك من يناقش ضرورة مواكبة العالم التكنولوجي والانفتاح في كل شيء، بفضل الابتكارات المتلاحقة، التطور المستمر، والتقنية المكتسحة، وغيرها من أسباب تعدد الفرص المتاحة، والاتساع المطّرد لمساحات الاتصال، والتغيرات التي شملت كل مناحي الحياة.

وقد طال التغير أنظمة التعليم، شأنه شأن غيره من العمليات الأساسية المرافقة لحيوات البشر مثل الأكل والشرب وغيرهما، وبنى التغير في العملية التعليمية أساساته على الأخطاء التي تعاني منها العملية التربوية والتعليمية سابقاً، وعلى أيدي خبراء تربويين.

إلا أن نظاماً تعليمياً استهدف العملية التربوية منذ قرن، بنى ورسّخ أساساته على مشكلة تذمر الأطفال من الدراسة وهروبهم إلى اللعب، والتحجج بأن بعض أجزاء المنهج لا تروق لهم أو يستعصي عليهم فهمها ويعرف هذا النظام بنظام مونتيسوري التعليمي.

بنى التغير في العملية التعليمية أساساته على الأخطاء التي تعاني منها العملية التربوية والتعليمية سابقاً، وعلى أيدي خبراء تربويين

هل سمعت بنظام مونتيسوري التعليمي؟

باتت الأنظمة التعليمية بعده تهدف لتوظيف المحفز الذاتي المستمد من طبيعة الطفولة، وصولا لاكتشاف القدرات الفردية والإبداع الذاتي والابتكار في العملية التعليمية والتربوية، وبذلك تعمل على اختصار الطريق أمام الفرد ليسلك الدرب التعليمية التي تناسبه تحت رعاية وإرشاد المربين.

يخلط البعض بين نظام مونتيسوري والتعليم البيتي، ولكنهما مختلفان والاختلاف الرئيس يتمثل في: يعتمد نظام مونتيسوري التعليمي على اللعب والمتعة والمرح في التعلم، وبناءً على هذا الأساس تبنى جميع مناهجه وأنشطته التعليمية في فصول وبيئة مخصصة وضمن فلسفة مدروسة .

نظام مونتيسوري التعليمي يؤسس لشعلة رغبة بالتعلم المستمر ويحفزها على الدوام بإطلاق عنان التفكير الحر، والتشجيع على الابتكار بناءً على رغبة ذاتية مطلقة تأتي من عمق إرادة الطفل، ولن يكون مرغماً عليها للحصول على تقييم أو ضرورة يستلزمها الترفيع لمستوى لاحق.

وقد ابتكرت الدكتورة (ماريا مونتيسوري – المعلمة والمربية المشهورة والتي رشحت لعدة جوائز عالمية لقاء إسهاماتها في مجال تطوير آليات التربية والتعليم) ابتكرت هذا النظام آخذة بمبدأ أن: كل طفل يحمل بداخله ملامح شخصيته المستقبلية ، ولذلك عملت على اقتراح نظام تعليمي يستهدف كامل النواحي العقلية، الروحية، الجسدية، النفسية، والحركية... للمساعدة في تطوير قدرات الأطفال، وتنمية تفكيرهم النقدي وإكسابهم المهارات الحياتية والإدارية اللازمة.

كيف يعمل نظام مونتيسوري التعليمي؟

يؤسس هذا النظام لعملية تربوية تقوم على ثلاثة أسس وهي:

1. الأهل المعَدّون لتعليم أبنائهم.
2. البيئة المهيّأة للعملية التعليمية.
3. المسؤولية التي لا تخلو من الحرية.

وتعد لنظام مونتيسوري مناهج خاصة تمزج بين اللعب، المتعة، المرح وبين التعليم، التربية، والتطوير، في إطار تحكمه مبادئ مهمة تربوياً وتعليمياً، مثل: (المزج بين العقلانية والعملية، حرية الاختيار والحركة، نبذ التقليد الأعمى...).

تعد لنظام مونتيسوري مناهج خاصة تمزج بين اللعب، المتعة، المرح وبين التعليم، التربية، والتطوير، في إطار تحكمه مبادئ مهمة تربوياً وتعليمياً

ويتجلى دور المعلم هنا في التشجيع، الإمداد بالمعلومة المطلوبة، وقيادة عملية التعلم الذاتي التي يمارسها الطفل في بيئة مزودة بأدوات تعليمية يتفاعل معها الطفل بحواسه، وإمكانية تحكم في المستوى المناسب للفئة العمرية.

كما أن مونتيسوري يستهدف أساساً الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة وقد ذكرت الدكتورة ماريا في كتابها: منهج مونتيسوري: "أن نجاح الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة وقدرتهم على مناقشة الأطفال العاديين، يرجع إلى أنهم تعلموا بطريقة مختلفة ". وقد أثبت منهج مونتيسوري نجاحه في تعليم الأطفال الأسوياء كما أظهر نتائج إيجابية للغاية في تعليم الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة أو (المعاقين)

لماذا نجح نظام مونتيسوري في التعليم؟

يعمل نظام مونتيسوري التعليمي ضمن فلسفة تعليمية فعالة، داعمة، موجهة لطبيعة الطفولة، تراعي النمو النفسي للطفل، وتركز على حرية الطفل واستقلاله في اختيار الأنشطة  والوسائل من بين المناهج المتاحة لفئته العمرية، كما تقسّم العملية التعليمية والمتعلمين إلى فئات عمرية وتخلط بينها في بعض الفترات مراعاة للتحول المستمر في حالة الطفل الجسدية والعقلية.

ويتمتع هذا النظام التعليمي بمميزات جعلته يتفوق عالميا ويعتمد في عدة دول تعتني بالتعليم بشدة وتركز عليه كأهم احتياج للفرد والمجتمع والحضارة، وبعض هذه المزايا:

- البيئة الآمنة والهادئة التي تضمن التركيز والتنظيم.
- التعلم الذاتي من خلال التفاعل الجسدي للطفل مع البيئة وتكوين صور ذهنية تخصه.
- الاحترام الذي يعد عمود أساس في نظام مونتيسوري التعليمي.
- التكرار للأنشطة والتصرفات والمكتسبات المثمرة حتى تصبح أسلوب حياة لكامل الأسرة.
- الاهتمام بالقدرات المميزة وتقبل الاختلافات والفروقات الفردية بين الأطفال.
- التشجيع على المشاركة المجتمعية التي يؤسس لها النظام في نفس الطفل كخطوة أولى.

ولعل أهم محور في فلسفة مونتيسوري التعليمية هو اعتماد الرغبة والقدرة في الأوان الملائم، أي أن الطفل سيتعلم ما يجب تعلمه في أوانه تماماً .

كما أن مونتيسوري عادة ما تقدم لذوي الاحتياجات الخاصة أنشطة أقل من مستوى الأنشطة التي تقدمها للأطفال الأسوياء؛ مراعاة لخصائص التطور العقلي لديهم وميولهم واستعدادهم النفسي، وفق قدر كاف من الحرية وفي الفترات التي يشعر فيها الطفل بالاستعداد لتلقي المعلومة وممارسة النشاط.

ويعتمد نظام مونتيسوري التعليمي على عشرات الأنشطة البيتية والدراسية التي توظف في العملية التعليمية والتربوية، والتي توائم ما ينشده الآباء في أبنائهم ، وذلك ما يمنح النظام ميزة إضافية، فالطفل يتعلم ويتطور في إطار الصفات والأخلاق التي يودان بشدة أن يتحلى بها.

ومن المهم أن نذكر أن هذا النظام مطبق فعلياً منذ أكثر من 100 عام، إلا أنه مع التطور أصبح العمود الفقري للطرق التعليمية الكثيرة المنتشرة حالياً فقد أثبت جدارة منقطعة النظير ولا تزال بنفس المستوى، بفارق استخدامها أدوات العصر الحالي كالحواسيب والأجهزة اللوحية.

كيف حافظ نظام مونتيسوري التعليمي على جدارته؟

نظام مونتيسوري التعليمي قابل للتطويع ولذلك استمر، وتطور وواكب التقنيات والتكنولوجيا وتغير الظروف والأفكار، إلا أنه حافظ على جدارته بسبب تركيزه على خصائص الطبيعة الإنسانية ، فاهتم منذ ظهر بـ:

1. صناعة وتحقيق أهداف صغيرة في فترات محددة.
2. تقوية المهارات اللغوية والاهتمام بها أولاً.
3. النظام الذي يبدأ تعلمه والتدرب عليه في السن المناسبة.
4. التركيز على السلوك الاجتماعي السوي.
5. صقل الحواس منذ الولادة وحتى سن الرابعة.
6. الحد من العقبات وتهيئة البيئة قدر الإمكان أول الأمر ثم تعليم التعامل مع العقبات.

وتتجلى أهمية دراسة نظام مونتيسوري ومزاياه العديدة في الاستفادة من فلسفته التربوية وقيمه وأهدافه ثم توظيفها في العملية التربوية والتعليمية وجني نتائج أفضل.

تتجلى أهمية دراسة نظام مونتيسوري في الاستفادة من فلسفته التربوية وقيمه وأهدافه لتوظيفها في العملية التربوية والتعليمية وجني نتائج أفضل

هل يشترط نظام مونتيسوري وجود مؤسسة تعليمية يتلقى الطفل بها ذلك كله؟

يتوقف الأمر على جدية وجود العناصر الثلاثة التي أشرنا إليها سابقاً وهي البيئة المهيأة، والوالدان المعدان والمسؤولية التي تحكم الالتزام، فإذا توفرت هذه العناصر فإن النظام يمكن تطبيقه بتوفير منهج مناسب ومتابعة العملية التعليمية بدقة وصبر ونضج.
وقد باتت مؤسسات متخصصة تقدم دورات تأهيلية للمربين، كما تتوفر عشرات الكتب عن هذا النظام وتؤسس له وتساعد في الاستمرار.

وقد أصبح بإمكان أية أسرة توظيف نظام التعلم باللعب والمتعة، في تربية أطفالها وتعليمهم قبل سن المدرسة الرسمية؛ والإسهام في خلق أسلوب حياة ينظم حياة الأبناء ويساعد في تأثيث مستقبلهم .

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتبة فلسطينية من قطاع غزة، تحمل شهادة البكالوريوس في علوم المكتبات والمعلومات، وعدة شهادات معتمدة في اللغات والإعلام والتكنولوجيا. عملت مع عدة قنوات فضائية: الأقصى، القدس، الأونروا، الكتاب. وتعمل حالياً في مقابلة وتحرير المخطوطات، كتابة القصص والسيناريو، و التدريب على فنون الكتابة الإبداعية. كاتبة بشكل دائم لمجلة الشباب - قُطاع غزة، وموقع بصائر الإلكتروني. وعضو هيئة تحرير المجلة الرسمية لوزارة الثقافة بغزة - مجلة مدارات، وعضو المجلس الشوري الشبابي في الوزارة. صدر لها كتابان أدبيان: (وطن تدفأ بالقصيد - شعر) و (في ثنية ضفيرة - حكائيات ورسائل).

شاهد أيضاً

“بروباجندا” الشذوذ الجنسي في أفلام الأطفال، إلى أين؟!

كثيرًا ما نسمع مصطلح "بروباجاندا" بدون أن نمعن التفكير في معناه، أو كيف نتعرض له …