هل الأديان قامت على الأخلاق أم العكس؟

الرئيسية » بأقلامكم » هل الأديان قامت على الأخلاق أم العكس؟
large_loving-muslims-begins-with-honesty-9x8ifhrf

طالعت منشورا فلسفيا يتحدث عن أن (الأديان والأيدولوجيات قامت على الأخلاق، وأن الأخلاق سبقتها وأسست لها)، وهذا الأمر في وجهة نظري ليس دقيقا، ويؤسس لمعنى غير صائب.

فعندما هبط آدم عليه السلام إلى الأرض كان محملا بالدين ابتداء (أي الاستسلام لأوامر الله) ضمن طبيعة الوظيفة التي أوكلت إليه، والتي أوضحها الله في كتابه (وإذ قال ربك للملائكة: إني جاعل في الأرض خليفة)، ثم فسرها لنا بقوله تعالى (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)، وفسّرها أيضا في قوله تعالى (هو الذي أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها)، أي أن غاية وجود الإنسان على هذه الأرض : أن يعبد ربه ويقيم حياته في دنياه وفق أوامره.

وما أشار له الله في كتابه العزيز حول إرسال الرسل واضح وجلي (ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت، فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة، فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين).

فالأصل هو أن البشرية متدينة بطبعها وتبحث عن ربها (وهو ما ورد كثيرا على ألسنة علماء علم الإجتماع)، ودور الأنبياء والمرسلين - عليهم السلام- كان لتعريفهم بربهم الحق، ولاحظ إحدى نقاشاتهم التي سجلها القرآن (قالت رسلهم أفي الله شك فاطر السماوات والأرض، يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجلٍ مسمى)، وقد أخبرنا الله باستقرار الإيمان في الذهنية البشرية (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم: ألست بربكم؟؟ قالوا: بلى شهدنا، أن تقولوا: إنا كنا عن هذا لغافلين).

وما مظاهر تأليه غير الله من شمس وكواكب وأساطير مختلفة -بوجهة نظري- إلا دلالة حقيقية على تدين البشرية -ابتداء- وبحثها عن رب يعبد وطاقة كبرى تستمد، وهذا ما سماه القرآن بـ(فطرت الله التي فطر الناس عليها)، وفعل الأنبياء والمرسلين تأكيد على ذلك (قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحق؟؟ قل: الله يهدي للحق، أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدّي إلا أن يهدى، فما لكم كيف تحكمون).

والأخلاق والسلوكيات ما هي إلا انعكاس حقيقي للتدين المفترض -أي التطبيق العملي لأوامر الدين- ضمن تصور الحياة على أنها (وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب، وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون).

ما يظهره الغرب المتوحش من أخلاق مصلحية حاول فلاسفتهم التأكيد عليها إنما نبعت من تصورهم المتهالك للحياة (ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر)، وعندها لم يستطيعوا نشر هذه الأخلاق إلا ضمن منظومة من القوانين الرادعة والمروضة للنفس البشرية فقط، والتي كل ما استطاع أن يتهرب منها الإنسان ظهر على حقيقته الوحشة، وهذا ما يظهر جليا في أعداد الجرائم والمخدرات والشذوذ.

بينما أكد الدين (وهو الإسلام) على أن التصور الحاكم لهذه الأخلاق إنما هو تقوى الله، وهو الذي لا تستطيع الانفكاك عن رقابته، في السر والعلن، وكلما كنت قريبا منه تدينا كلما تحليت بالأخلاق التي يأمر بها.

أما أن نرى بعض المتدينين مظهريا (بلحية أو حجاب أو حتى أداء للشعائر كعادات اجتماعية) قد ساءت أخلاقهم وتعاملهم مع الآخرين بسبب ابتعادهم أصلا عن التدين الحقيقي (في الفهم والسلوك والمعايير) ثم نرجع ذلك لعدم قدرة الدين على ضبط ذلك، فهذا قمة اللامنطقية والطرح الأجوف.

فالدين أصل في البشرية، نزل معها نزولها الأول، وتعاهدته السماء بالرعاية والوحي، وصدق الله (كان الناس أمة واحدة، فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه، وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم، فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم).

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
مدير علاقات عامة في إحدى المؤسسات التعليمية في الأردن، ناشط اجتماعي، وإعلامي، مهتم بالشؤون التربوية.

شاهد أيضاً

بين عقيدة الإسلام و”عقيدة الواقعية

للإسلام تفسيرٌ للواقع وتعاملٌ معه بناءً على علم الله به ومشيئته فيه، كما يثبتهما الوحي. …