لا زال الحديث مستمراً عن الظواهر التربوية التي تحدث للأطفال، والإصابات التي تأتيهم، سواء في النمو أو بعض السلوكيات الخاطئة التي تهدد استقرار الطفل والأسرة معاً، ولا يخفى على متابع كمية الأمراض والمظاهر التي تحدث للأطفال في سن الطفولة، والتي قد يمتد آثارها لأمد بعيد لو أهملت الحالة بلا وعي أو علاج، واليوم نتحدث عن داء انتشر بشكل مرعب في الأطفال، ولا زالت طرق الشفاء منه والتخلص تراوح مكانها، نظراً لتعدد أنواعه وحالاته، والأخطر غياب الوعي الكامل بهذا الداء، وهو داء التوحد.
بدايةً، #التوحد هو نوع من الإعاقات المتعلقة بنمو الطفل، يتمّ اكتشافها في السنوات الثلاثة الأولى منذ الولادة، وهو نتاج مشاكل في الجهاز العصبي للطفل، بتعطل المخ عن القيام بدوره بشكل كبير، وعن الأسباب، فبشكل واضح وصريح لا زال العلم تائهاً حتى هذه اللحظة في الأسباب المؤكدة والقطعية لهذا الأمر، لكن يقيناً، هناك أسباب أخرى قد تكون فرعية لكنها مؤثرة، مثل:
التوحد هو نوع من الإعاقات المتعلقة بنمو الطفل، يتمّ اكتشافها في السنوات الثلاثة الأولى منذ الولادة، وهو نتاج مشاكل في الجهاز العصبي للطفل، بتعطل المخ عن القيام بدوره بشكل كبير
1- تنوع تركيب الجزء الخاص بالمخ.
2- حدوث أمراض فيروسية للأم في فترة الحمل.
ورغم قلة عدد الأسباب الفرعية إلا أنها شديدة الخطورة في تحويل مسار الطفل من العادي إلى المتوحد، خصوصاً مع كثرة الأمراض التي تحدث في فترة الحمل، وما تسمى الأمراض "الجينية".
3- العامل النفسي: من الجدير أن نذكر ونكرر أن العامل النفسي عموماً -لأي شخص، وليس الطفل فقط- ممكن أن ينقله من حالة صحية سليمة لانتكاسة صحية ، وهذا نتعرض له جميعاً في حياتنا، وعليه فإن الحالة النفسية وارد جداً أن يكون ذلك الأمر، والأخطر أن يكون بين الطفل المتوحد ووالديه حالة نفسية سيئة، فتنعكس على الجميع، وفي الأساس الطفل المصاب.
4- الوالدان: وقد يكون الوالدان من أصحاب المهن العالية والذكاء الشديد، لكن في نفس اللحظة غير منخرطين اجتماعياً، ولديهم عزلة واضحة، وحياتهم من العمل للبيت، ولا مجال للاهتمام بالتربية، فليس لديهم وقت لتربية أطفالهم، ويتركون المهام لأحد الأقارب، أو مديرة للبيت تعتني بفلذات الأكباد، وهذه كارثة.
أشكال التوحد:
والتوحد ليس شكلاً واحداً، بل أنواع متعددة، فمنه "الأكلينكي" ويتمثل في:
1- التوحد الكامل، وهو مقطوع التواصل تماماً مع الآخرين (أسرة ومجتمعاً)، وينعدم الحوار لدى صاحبه بأية وسيلة، إشارة كانت أو غيرها، والمكوث طويلاً بلا حركة، فضلاً عن تباطئ اللغة بشكل شديد.
2- متلازمة "أسبرجر"، وهذه فئة مصابة بالتوحد لكن ليس بالتوحد الكامل، فهم على مايرام في الشق الذهني واللغوي، لكن وفي نفس الوقت لديهم مشكلة في التواصل والحوار بشكل جمل وعبارات تختلف من شخص لآخر، لكنهم إجمالاً يستطيعون التعبير عن أنفسهم بشكل مفهوم وواضح.
3- مشكلات الفتور العامة، وفيها يطرأ على المصاب صفات توحدية، فيبدو أحياناً طبيعياً، وأحياناً أخرى يبدو شخصاً غير طبيعي التصرفات والسلوك، فضلاً عن عدم فهم كلماته ونظراته وأفعاله.
والسؤال الآن: كيف أعرف أن ابني عنده توحد؟ ما هي الأعراض التي تطفو على السطح ويستطيع الوالدان الربط بينها وبين التوحد؟
أولاً- أزمة التواصل:
فيحدث أن يكون الكلام والنطق واللغة عموماً ليس بها أي تقدم يذكر، بل أيضاً انعدام التواصل النظري، أو حتى اليدوي بإلاشارة، مقارنة بالأطفال في الظروف العادية والطبيعية، وعليه فعلى الأم أن تسرع للمختص البارع في مجال الطب النفسي، أو الأخصائي المعني بالتوحّد والتخاطب.
ثانياً- النشاط:
الأطفال عموماً يلعبون ويمرحون ولا ينتهون عن التقليد والحركات، لكن الطفل المتوحد ليس ككل الأطفال، فهو لديه بطء في هذه الحركات، فلا يلعب أو حتى يحاول أن يلعب، حتى لو أتى له الوالد بغرفة من الألعاب والملاهي.
الطفل المتوحد ليس ككل الأطفال، فهو لديه بطء في هذه الحركات، فلا يلعب أو حتى يحاول أن يلعب، حتى لو أتى له الوالد بغرفة من الألعاب والملاهي
ثالثاً- الشعور والسلوك:
إن تقييم التوحد وإصابة الطفل به سهل لدى أي متخصص، فالطفل المتوحد كثيراً ما يظهر عنده ضعف التواصل بشتى أنواعه (بصري، سمعي، إشارات)، وهكذا فضلاً عن استمتاعه بالانطواء والعزلة، فلا يحب الاحتكاك بأحد، ولا يرحب به أصلاً، بل ينفر من القبلات والأحضان، ويشعر الآخرين أنه أصم، يحيا في مجتمع آخر لايريد أن يعرفه أحد، وبلا شك، كل هذا أوجاع تصيب الطفل، وأعراض شديدة لايجب الصمت عليها.