لو سألت أي إنسانٍ عن أبجديات وعناصر السعادة التي يسعى لتحقيقها وامتلاكها، فمن المؤكد أن الاجابات ستكون مختلفة وفقا لاختلاف الأمزجة والرؤى، لكن لا أظن أن أحدًا ينكر أن امتلاك البيت هو عامل مهم من عوامل تحقيق السعادة.
فالبيت هو من أهم أبجديات الحياة السعيدة، حيث يأوي الانسان إليه حين يجن الظلام، يحميه من برد الشتاء وحرارة الصيف، وفيه يمارس ما لذ وطاب له من طقوس حياته بعيداً عن ضوضاء الحياة، يعيش مع نفسه وأسرته، ويستقبل فيه ضيوفه، وما حديث الرسول عليه الصلاة والسلام (من أصبح منكم آمناً في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بأسرها) إلا دليلٌ قويٌ على أن البيت هو عامل مهم من عوامل السعادة، لذا ترى الانسان يدخر من ماله حتى يبني بيتاً له ويكوّن أسرة، وقد يستهلك ذلك منه المال الكثير والوقت الكثير حتى ينعم برؤية بيت جميل يكمل فيه حياته.
لكن تصور وأنت تستعد للسكن في بيتك الجديد، أو اقتربت من ذلك، وإذ بأمرٍ يأتيك من قضاءٍ ظالمٍ بضرورة هدم بيتك بحجج لا أساس لها من الصحة، أقلها حقارة "أنك تبني بدون حصول على رخصة بناء "، ويتم منحك خيارين أحلاهما مر وهو (إما أن نهدم بيتك بأدواتنا وتدفع أنت تكلفة الهدم، أو تهدم بيتك بنفسك وترتاح أنت من دفع تكاليف الهدم)، فماذا عساك أن تفعل؟
هنا يقفز السؤال من العقل أو ما تبقى في الانسان من عقل، أيحدث هنا وأين وكيف ولماذا ومن يفعله؟
من أراد إجابة الأسئلة السابقة فليوجه وجهه شطر فلسطين خاصة في الضفة والقدس، حيث يسعى الاحتلال الصهيوني دوماً إلى خلق حالة من التوتر في نفوس الشعب الفلسطيني فيمنعه من ممارسه حقه على أرضه ويمنعه من التمتع بما لذ طاب من خيرات بلاده متسلحاً بالقوة العسكرية، ومستنداً على نوم العالم في سرير القوى الظالمة التي تساند الاحتلال.
فبحسب التقارير الصادرة عن الجهات المختصة، فإنه منذ العام 2006 وحتى 31/1/2019 هدم الاحتلال ما لا يقل عن 1,405 وحدة سكنية تابعة لفلسطينيين في الضفة الغربية، لا يشمل القدس الشرقية، حيث فقد ما لا يقل عن6,213فلسطينياً من ضمنهم 3,138 قاصرا بيوتهم جراء الهدم.
وفي التجمعات غير المعترف بها من قبَل الاحتلال، ومعظمها يتهدّد سكّانَها خطر الترحيل، يواصل الاحتلال هدم منازل السكّان مرّة تِلوَ المرّة، فمنذ العام 2006 وحتى 31/1/2019 هدم الاحتلال في هذه التجمّعات أكثر من مرّة منازل سكن فيها 1,020 فلسطينيّا بينهم 489 قاصرا.
علاوة على ذلك، منذ بداية عام 2016 حتى 31/1/2019، هدمت الإدارة المدنية لسلطات الاحتلال في الضفة دون القدس 636 مبنىً، بما في ذلك جدران وآبار مياه وشوارع ومخازن وأبنية زراعية ومصالح تجارية ومبانٍ عامّة وغيرها.
إن المتأمل في أفعال الهدم التي يمارسها الاحتلال بحق اهل الارض الاصليين يتضح له أنها ليست عشوائية، وليس بحجة عدم امتلاك صاحب البيت رخصة بناء، بل هي سياسة حكومية ممنهجة، فالهدم أكبر من عملية إزالة حجارة عن الأرض، بل هو عملية تهدف إلى تغيير معالم الجغرافية، وخلق وقائع جديدة على الأرض تعقد الحياة للمواطن الفلسطيني.
سيبقى الهدم مستمراً طالما أن العرب الرسميين يرون في قاتل الأطفال حمامة سلام، ويبقى علينا الإجابة عن أن تهدم بيتك بيديك يعني أن ستموت قبل أن تموت.