لماذا يدعو المسلمون على كل الأصعدة ليل نهار فيتضاعف عليهم الظلم والمذلة والتنكيل من حكامهم، ولا يستجيب الله بهلاك الظالمين وإخراج المظلومين من بينهم سالمين، وكأن إرادة الله تسير وفق هوى المستبدين؟
هل أصبح لزاماً على المسلمين أن ينتظروا من القدر أن يخرجهم من كبوتهم، بينما هم في جهلهم وفقرهم وسكونهم وتناحرهم وخلافاتهم وخياناتهم بعضهم البعض؟
هل هو قدر على الأمة الإسلامية ما تمر به اليوم من حالة انحطاط حضاري غير مسبوقة، رغم كثرة المساجد، وملايين الحجاج كل عام، والقتل بالآلاف باسم الجهاد في سبيل الله، ولا تتقدم الأمة قيد أنملة على أي مستوى، بل تزداد هبوطاً؟
هل من القدر أن تكدس الأمة السلاح، ولا توجهه إلا لصدور بعضها البعض، ثم تدعو كل الأطراف المتناحرة بالنصر، وتدعي أنها الأحق به؟
هل من القدر أن يضع الغرب قوانيناً تتوافق وروح الإسلام، وأخلاق الإسلام ومقاصده، فيتقدم ونتخلف، ونحن نتلو آيات الله وبها تلك القوانين السماوية في صلواتنا على مدار الساعة؟
هل هو ابتلاء لاختبار صبر الأمة وقوة تحملها؟ أم بلاء وعقاب على تخاذلها وتخليها عن مهمتها؟
هل هو قدر مفروض؟ أم اختيار بإرادة مع سبق الإصرار والجهل؟
-السنن الحاكمة والعدالة الإلهية المطلقة:
في فترات الضعف والانبطاح يتعلل البعض بقدرية المصائب، فتجده مستسلماً خانعاً مستكيناً، لا يفعل أكثر من تحريك لسانه بالدعاء والابتهال منتظراً أن تمطره السماء فرجاً، وهو يردد أن الله قادر أن يرفع عنه البلاء، وأن أمره بين كن فيكون، متناسياً أن الله القادر هو سبحانه من أمر بالسعي، وبذل الأسباب، والحركة في الأرض والبحث فيها، والإعداد والتخطيط بعلم ومعرفة، لا يذكر فقط إلا أن الله القادر سوف ينصره من حيث لا يدري.
في فترات الضعف والانبطاح يتعلل البعض بقدرية المصائب، فتجده مستسلماً خانعاً مستكيناً، لا يفعل أكثر من تحريك لسانه بالدعاء والابتهال، وهو يردد أن الله قادر أن يرفع عنه البلاء، وأن أمره بين كن فيكون، متناسياً أن الله القادر هو سبحانه من أمر بالسعي، وبذل الأسباب
والحقيقة أننا لو أعدنا النظر فيما يدور اليوم للأمة المسلمة لوجدناه العدل المطلق لرب هذا الكون، فقد وضع سبحانه سنناً وقوانين للكون تفرض نوعاً من العدالة؛ لتحقيق التوازن، وتضمن الحياة المستقيمة بين المخلوقات، خاصة الإنسان، فمن يعمل ويجتهد ويبذل الجهد يجد النتيجة متوافقة مع ما قدّم، حتى لو كان كافراً، وتلك هي مقتضيات الربوبية التي حكم بها الله سبحانه ملكه.
ويجب على الأمة أن تفرق بين قدرية الابتلاء وبين عقاب التخاذل وترك الأسباب ، قدرية الابتلاء لا تصيب الأمة عامة بالتخلف والهزيمة، ولا تؤثر على هوية الأمة، ولا تتسبب في تسلط حاكم ظالم مستبد عليها، ولا توقعها في شراك السقوط الحضاري، إنما كل تلك المصائب هي نتائج لأخطاء الطريق، وقد تعهّد الله عز وجل بنصرة الفئة القليلة المثابرة الصابرة الثابتة على الحق على الأغلبية، شرط أن تقيم تلك الفئة القليلة أمر الله مكتملاً، وتحقق الشرط الأساسي لنصرة رب العالمين، وهو الإعداد بكل الاستطاعة، قال تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال،الآية:60]، فالإعداد بكل الوسائل المتاحة شرط استحقاق النصر والتمكين.
ويقول رب العزة: {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم، وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضي لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئاً}[النور، الآية:56]، فالعمل مرتبط بالإيمان ولصيقه وشرط تحققه.
والفروق الجوهرية بين الابتلاء القدري والمصيبة الناتجة عن التخلي:
-أن الابتلاء يكون بالسراء والضراء، أما العقاب فيكون بالضر فقط.
-الابتلاء يصيب جزء من الدنيا، أما العقاب فيصيب الدين والأخلاق ويفسد الدنيا والآخرة معاً.
-الابتلاء يخص أفراداً بعينهم لرفع شأنهم، أما البلاء والعقاب فيعم الأمة جميعها، فيهبط بها لذيل الأمم.
ومن هنا نخلص إلى أن ما تمر بها الأمة الاسلامية اليوم ما هو إلا نتاج خذلان الدين والتماس العزة في غيره، والتخلي عن مصادر القوة الحقيقية، واستسلامها وتنازلها عن مقتضيات الريادة التي خصّها الله بها، وجعلها تكليفاً لا تشريفاً.
ما تمر بها الأمة الاسلامية اليوم ما هو إلا نتاج خذلان الدين والتماس العزة في غيره، والتخلي عن مصادر القوة الحقيقية، واستسلامها وتنازلها عن مقتضيات الريادة التي خصّها الله بها، وجعلها تكليفاً لا تشريفاً
-هل إلى سبيل من خروج؟
لم تنهض تلك الأمة، بل لم تكن أمة متكاملة الأركان إلا بالإسلام جملة، وليس جزء منه بالاختيار أو الهوى، وهوت الأمة كذلك حين تخلّت عن مشروعها، فالعودة لا سبيل لها إلا بما سار عليه أوائلها، ومن أوائل تلك الخطوات:
أولاً- إعداد الفرد المسلم القادر على مواجهة التحديات:
لقد بدأ النبي صلى الله عليه وسلم في بناء قواعد دولته بإعداد الفرد القادر على مواجهة الابتلاءات ثابتاً كالجبال، فهذا "خباب بن الأرت" يذهب للنبي صلى الله عليه وسلم بينما هو في ظل الكعبة شاكياً شدة التعذيب من مشركي مكة، مطالباً إياه عليه الصلاة والسلام أن يدعو الله لهم ويستنصره، فيغضب النبي صلى الله عليه وسلم ويقول لخباب رضي الله عنه: (إن فيمن كان قبلكم، كان يمشط بأمشاط الحديد ما بين جلده وعظمه على أن يترك دينه فلا يفعل)، ثم يقسم له النبي صلى الله عليه وسلم على إتمام الدين ونصرة الله لهم، لكنهم يستعجلون، العجلة عن ماذا؟ العجلة عن استكمال أدوات النصر، باستكمال إعداد الفرد القادر على صنع هذا النصر، فالفرد هو أساس أي مجتمع، وهو أساس أي حضارة، وهو أساس أي بناء، فإن استطعنا إعداده وتربيته فقد خطونا أولى الخطوات الصحيحة للخروج من المحنة.
الفرد هو أساس أي مجتمع، وهو أساس أي حضارة، وهو أساس أي بناء، فإن استطعنا إعداده وتربيته فقد خطونا أولى الخطوات الصحيحة للخروج من المحنة
ثانياً- إعداد قيادة مناسبة تليق بخطورة المرحلة:
إن صلاح الصف من صلاح القيادة، وإذا صلح الرأس، صلح الجسد ، فلا تنظيم لحركة، ولا توحيد لكلمة، ولا إظهار لقوة، إلا بقائد رباني يقوم بكل ذلك، يجمع الصفوف ويوحّد حركتها، وقد ثبت تاريخياً أن القائد القوي الأمين يستطيع بفكره وجهاده وإخلاصه دفع الصفوف وتوجيهها، وبث الحماسة في القلوب، وأنه مهما بلغت قوة الجند فلا قيمة لها دون قائد واعٍ يحركها ويوجهها ، وإعداد القائد هو مسؤولية المربين والقائمين على عملية التغيير، فيجب عليهم الانتقاء من بين الشباب الفذّ، والتركيز عليهم، وإعدادهم في فترات زمنية محددة تتناسب وسرعة الأحداث والظروف المحيطة بالأمة.ثالثاً- الوعي:
فمعركتنا اليوم هي معركة الوعي والتوعية الأصيلة على كافة المستويات الفكرية والعقيدية والتاريخية والسياسية، إن شباب المسلمين اليوم لا يهتمون إلا بسفاسف الأمور، ولا يدركون ما يحيط بهم من تآمر، ولا يفطنون لعظم دورهم المنوط بهم، فالوعي بتلك القضايا من الأهمية بمكان؛ للخروج من الكبوة الفكرية والسطحية الحضارية التي وقعنا بها.
رابعاً- السعي لتوحيد كلمة المسلمين:
والمسلمون الذين اقتربوا من المليارين يمثلون أكبر قوة عددية في العالم، لا تجمعهم قضية رغم وحدة العقيدة ووحدة التاريخ ووحدة المصير ، ومن العجيب أنك تجد العالم يتوجه بقوة لتكوين التحالفات والتكتلات رغم اختلاف اللغة والعقيدة، بل القطر الواحد المختلف عقيدياً، فبلد -كالصين مثلاً- به أكثر من ألف عقيدة، وبه أكثر من مليار شخص، يبحثون عن عوامل الوحدة والتماسك لفرض هيمنة تتناسب مع حجمهم على العالم، في الوقت الذي يتقاتل فيه أبناء العقيدة الواحدة، وأبناء القطر الواحد، وحين التهمت الخلافات المسلمين فيما بينهم، استطاع العدو أن يلتهمهم من خارجهم، فلا سبيل لاستعادة القوة إلا بوحدة إسلامية كبيرة، ولا سبيل لتلك الوحدة إلا بمعارك مشتركة، وقضايا بعمق حضارتهم ومقاصد دينهم، ولن يقوم بكل هذا إلا قائد رباني، يقيضه الله لتلك الأمة ليجمعها، وللحديث عن تغيير المفاهيم وتصحيحها بقية.