أقدم للجزء الثاني من هذا الموضوع بحديث عن نبي الله يوسف عليه السلام.
عن أبي موسى الأشعري عبدالله بن قيس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أَعجِزتُم أن تكونوا مثلَ عجوزِ بني إسرائيلَ؟ فقال أصحابُه: يا رسولَ اللهِ وما عجوزُ بني إسرائيلَ؟ قال: إنَّ موسى لما سار ببني إسرائيلَ من مصرَ، ضَلُّوا الطريقَ، فقال: ما هذا؟ فقال علماؤهم نحن نُحَدِّثُك: إنَّ يوسفَ لما حضره الموتُ أخذ علينا مَوثِقًا من اللهِ أن لا نخرُجَ من مصرَ حتى ننقِل عظامَه معنا، قال: فمن يعلمْ موضعَ قبرَه؟ قالوا ما ندري أين قبرُ يوسفَ إلا عجوزًا من بني إسرائيلَ، فبعث إليها، فأتَتْه، فقال دُلُّوني على قبرِ يوسفَ، قالت لا والله لا أفعلُ حتى تُعطِيَني حُكمي، قال: وما حُكمُكِ؟ قالت أكونُ معك في الجنَّةِ، فكره أن يُعطِيَها ذلك، فأوحى اللهُ إليه أن أَعطِها حُكمَها، فانطلقَتْ بهم إلى بُحَيرةٍ، موضعَ مُستَنْقَعِ ماءٍ، فقالت: انضِبوا هذا الماءَ، فأَنضبوا، قالت احفِروا واستخرِجوا عظامَ يوسفَ، فلما أقلُّوها إلى الأرضِ، إذ الطريقُ مثلُ ضوءِ النَّهارِ " (صححه الألباني في السلسلة الصحيحة وقال: إسناده صحيح على شرط مسلم).
قال الشيخ الألباني رحمه الله: كنت استشكلت قديماً قوله في هذا الحديث " عظام يوسف " لأنه يتعارض بظاهره مع الحديث الصحيح : "إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء" حتى وقفت على حديث ابن عمر رضي الله عنهما: "أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بدن، قال له تميم الداري: ألا أتخذ لك منبراً يا رسول الله يجمع أو يحمل عظامك؟ قال: بلى. فاتخذ له منبراً مرقاتين" (أخرجه أبو داود بإسناد جيد على شرط مسلم) فعلمت منه أنهم كانوا يطلقون "العظام"، ويريدون البدن كله، من باب إطلاق الجزء وإرادة الكل، كقوله تعالى: {وقرآن الفجر} أي: صلاة الفجر. فزال الإشكال والحمد لله، فكتبت هذا لبيانه" أ.هـ.
نأتي إلى استكمال ما تعلمته من حياة نبي الله يوسف عليه السلام
16- تعلمت أن المؤمن لا يُصطفى ولا يُمَكَّن له حتى يُبتلى وأن ابتلائه يكون على قدر دينه.
17- تعلمت أن الحق هو ما شهد به الأعداء حيث شهد عزيز مصر لنبي الله يوسف عليه السلام، وشهد له رفقاء السجن، وشهدت له النسوة، وشهدت له امرأة العزيز.
18- تعلمت أن أعرض خبراتي وإمكانياتي وأبادر بالمساعدة وأن أكون إيجابياً وأن يتساوى عندي تلبية طلبي مع رفضه لأن ما أطلبه هو من باب التكليف لا التشريف فإن قُبِلَ أطلب العون عليه من الله تعالى وإن رُفِضَ أحمد الله الذي عافاني من مشقته.
19- تعلمت تغليب العقل على العاطفة وتغليب الشرع على العقل وأنه بالصبر واليقين يكون التمكين.
20- تعلمت أن الأخذ بالأسباب لا يمنع من وقوع قدر الله تعالى، ولكننا أمرنا أن نأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، وأن نتوكل على الله وكأن الأسباب لا شيء فكلاهما كجناحي الطائر وهو لا يَسْلَم إلا بوجودهما وصحتهما.
21- تعلمت ألا أحتكم إلا إلى شرع الله ولا أعترف بقول "الغاية تبرر الوسيلة" فالوصول للغايات المشروعة لا يكون إلا بوسائل مشروعة.
22- تعلمت أنه على كل قيادي أو صاحب مكانة أو سلطان أن يرفع شعار (لا عقوبة إلا لمن يستحق العقوبة)، وأن يحتكم للقاعدة الشرعية التي تؤكد على أنه ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ (الأنعام: 164).
23- تعلمت أن المظلوم منصور لا محالة مهما طال به الزمان طالما عمل بمقتضيات الصبر وحسن الظن بالله تعالى وفوض أمره لله تعالى وحده.
24- تعلمت أن الله تعالى إذا أراد أمرًا، هَيّأ له أسبابه، وأزال عواقبه، وقدر أوقاته، وأتمّهُ.
25- تعلمت أن تأويل الرؤيا لا يتحقق على التو ولكن قد يتحقق بعد سنوات طويلة.
26- تعلمت أن التجاهل والتعالي على سفاسف الأمور من شيم الكرام.
27- تعلمت أن الهدوء والتريث والكتمان أقصر الطرق لتحقيق المُراد.
28- تعلمت ألا أسيء استعمال السلطة ولا المكانة والمنصب فالقدوات يترفعون عن الانتقام وتصفيه الحسابات.
29- تعلمت أن أراعي مشاعر من أمامي حتى ولو كانوا قد أساءوا إليَّ فما كان الرفق في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه.
30- تعلمت أن البريء هادئ الطبع ساكن الفؤاد لا يكذب ولا يحلف ولا يُبرر.
31- تعلمت وجوب البساطة في الخطاب ولين الجانب وخفض الجناح وخاصة مع الأهل والأرحام وكل تقي كريم يستحق مني ذلك.
32- تعلمت أن بعض الناس قد يكرهوننا لمزايا وليس لعيوب، فمزايانا تذكرهم بعيوبهم ونقصهم.
33- تعلمت أن الطعنة قد تأتيني ممن يقاسمني رغيفي ولا يشترط أن تأتيني من غريب أو من عدو.
34- تعلمت أن المؤمن لا يعامل الناس بأخلاقهم ولكن بأخلاقه وورعه وتقواه.
35- تعلمت أن قيمة المؤمن الحقيقية هي منزلته عند ربه وليست منزلته عند البشر.