لم تكن جدتي يومًا ما حنبلية، بل لم تدرس العلم الشرعي، وأزيدك من الشعر بيتًا إنها كانت أميةً لا تقرأ ولا تكتب، نعم يا صديقي، لقد كانت ممن نسميهم نحن ب(العوام)، إذًا فما القصة؟!
لقد نشأتُ يا عزيزي في أسرة مما يُطلَق عليها اسم "أسرة ملتزمة"، التحى أبي وانتقبت أمي وأنا ابن عشر سنوات تقريبًا، تربيتُ على الخطاب السلفي المعهود في مصر منذ عام ٢٠٠٨ تقريبًا، تربيتُ ونشأتُ أسمعهم يقولون أن النقاب فرض، واللحية واجبة، والإسبال كبيرة من الكبائر، والنامصة والمتنمصة ملعونتان مطرودتان من رحمة أرحم الراحمين، نشأتُ على قول أحدهم لو ألّفتُ في الاعتقاد لكتبت أن النقاب فرض، نعم لا تتعجب مما تقرأه، لقد قال أحدهم هذا، وفي خِضم هذه الأحداث، وبعد أن قامت ثورة الخامس والعشرون من يناير وبدأتُ أطلق على نفسي لقب "طالب علم شرعي" واندمجتُ أكثر في أوساط _السلفيين_، ولكن كثيرًا ما كنت أسمع جدتي تدعو بعاميتها "إلهي ربنا ينجحك بحق جاه النبي"، وكلّما سمعتها تدعو هذه الدعوة تذكّرت قول أحد مشايخي _وقتها_ أن التوسل حرام بل كبيرة من الكبائر، ولكن لم أكن أبدًا ممن يحب انتقاد أهلي في البيت، بالرغم من معاصرتي لحالات كثيرة من شباب تأثروا بتلك المدرسة، وكانوا قد خرجوا من بيوت "عادية" وأسر "عادية" لأبوين "عاديين"، ولما عادوا أولئك الشباب نقموا على أهيلهم معيشتهم، بل وبدّعوهم أحيانًا، ووصل الحال ببعض الشباب أن يُفَسّق أباه لأنه حليق!!
أو يُكفّر أمه لزيارتها الحسين!!
مرّت الأيام والسنوات، وإذ بي أسمع لأحد المشايخ أن هناك مدرستان لتَعلّم الفقة هما "المدرسة المذهبية، والمدرسة اللا مذهبية"، فأخذت أبحث عن التمذهب والمذهبية حتى منّ ربُ العزة عليَّ وبدأت أدرس الفقة على مذهب السادة الحنابلة _رضوان الله عليهم _، ثم تعلّمت من مشايخنا الحنابلة أن التوسل بجاه سيدنا رسول الله _صلّ الله عليه وسلم _ حُكمه مستحب على المذهب، فتذكّرت تلك الدعوات التي كنت أسمعها من جدتي _رحمها الله_، ثم فكّرت ماذا لو كنت مثل هؤلاء الذين بدّعوا أهليهم وفسقّوهم بسبب مسألة خلافية، لكن شيخه لم ينقل له هذا الخلاف إما (جهلًا أو تضليلًا)، وحمدتُ ربي أن عصمني من هذا.
إنني أهمس في آذان إخواني وأخواتي: لا تُنكروا على الناس أفعالهم مالم ينعقد الإجماع على تحريم فعلهم هذا، وإلا ففي الأمر سَعَة يا حبيب، ولا تُضيقي واسعًا يا أختاه، فاختلاف العلماء رحمة من رب العالمين، وصدق القائل: "من زاد عِلمه، قلّ نقده".
وختامًا ... اللهم إني أتوسل إليك بجاه سيدنا رسول الله أن ترحم جدتي وتلحقني بها في جنات النعيم وصلّ اللهم وسلّم وزد وبارك على سيدنا محمد.