لا يكاد يمر يوم الجمعة في قطاع غزة دون أن يطلق الاحتلال الصهيوني رصاصه على المشاركين في مسيرة العودة، ظنًا منه أن الرصاص سيرهب المشاركين ويمنعهم من العودة لمسيرة العودة، حتى وصل عدد الجرحى إلى حوالي 30 ألفًا، بحسب إحصائية نشرتها وزارة الصحة في الخامس من مارس الجاري، حيث ذكرت الوزارة، أن 256 شهيدًا ارتقوا إضافة إلى إصابة 29382 بجروح مُختلفة، منهم 3025 طفلا، و1008 سيدة، وكانت درجة الخطورة كالتالي: 530 إصابة خطيرة، 6597 إصابة متوسطة، 8401 طفيفة، وصُنفت الإصابات التي خلفها جنود الاحتلال، بـ6580 رصاص حي، 819 معدني مغلف بالمطاط، 2292 حالة اختناق بالغاز، 1918 شظايا مُختلفة، 1330 انفجار قنابل غاز، 2589 إصابات أخرى، وحسب مكان الإصابة في الجسد، قالت الوزارة إن 1443 أصيبوا بالرأس والرقبة، و704 أصيبوا بالصدر والظهر، و608 أصيبوا بالبطن والحوض، و2136 أصيبوا في الأطراف العلوية، و7512 أصيبوا في الأطراف السفلية، و3125 كانت إصابتهم في أماكن مُتعددة من الجسد، وحول حالت البتر، وأكدت الوزارة أن 114 إصابة تعرضت للبتر منهم 25 طفلًا، منهم 100 حالة بُترت أطرافهم السفلية، وحالتان بُترت أطرافهما العلوية، و12 حالة بتر في أصابع اليد.
لكن ومع ارتفاع عدد الجرحى إلا أن الجريح وما إن يتحسن وضعه الصحي يبدأ بالعودة للمشاركة في مسيرة العودة، هنا يقفز السؤال المحير ما السر في ذلك؟
تقول الفطرة البشرية بأن حب الوطن مغروس في قلب كل إنسان مهما كان وطنه صغيرًا أو كبيرًا، غنيًا أو فقيرًا، فالإنسان ينظر لوطنه على أنه قطعة منه فيدافع عنه بكل قوة ويحاول ترجمة هذا الحب إلى سلوك، ثم إن هذه الفطرة ليست بشرية فقط، بل إن الطيور والحيوانات تفعل نفس الشيء تجاه أعشاشها فنراها تدافع عن نفسها وعن بيتها أمام الذي يريد بها سوءًا.
يأخذني الإعجاب، حينما أذهب لمسيرة العودة، وأرى الجرحى يشاركون فيها رغم أنهم مصابون وبعضهم لم يمضِ على إصابته إلا أسبوع وهو بحاجة لعناية وراحة أكثر، ومنهم من بُترت احدى قدميه ولا يزال يشارك باستمرار.
من يدقق في أعمار الذين يتقدمون الصفوف يجدهم شباب في عمر الزهور، وكأني أرى بهم ما كان ينشده الشاعر نزار قباني حين قال: نريد جيلًا يفلح الآفاق، وينكش التاريخ في جذوره، وينكش الفكر من الأعماق، نريد جيلًا قادمًا مختلف الملامح، لا يغفر الأخطاء.. لا يسامح، لا ينحني.. لا يعرف النفاق، نريد جيلًا، رائدًا، عملاقا.
إن القوة التي تتغلغل في نفوس الشعب الذي يعيش تحت الاحتلال قادرة على تحقيق الهدف المنشود رغم صعوبة الطريق ورغم أنه مليء بالأشواك، ومعبد بالدم والتضحيات.
وإننا إذ نعيش في ظلال يوم الجريح الفلسطيني فإن من الفخر والاعتزاز أن ننحني إجلالًا وإكبارًا لكل جريح سال دمه في ميدان المعركة مع الاحتلال، وعانى وما زال يعاني فقدان أحد أطرافه في سبيل حرية العباد والبلاد، لذلك نرى الكثير من الجهات والفصائل تقدم العون والمساعدة بكل أنواعها للجرحى، حتى ولو زيارة اطمئنان، وهذا أحدث الأنشطة التي تنفذها حركة الأحرار الفلسطينية هذه الأيام.
إن ثوار مسيرة العودة وهم يطفئون الشمعة الأولى من عمر هذا الحدث النضالي المشرف يصممون على المضي قدمًا تجاه الهدف حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا.