بالرغم من حداثة السن وقلة الخبرة السياسية الدولية للسيدة "جاسيندا أردرين" رئيسة وزراء نيوزلندا إلا أنها لعبت دوراً إنسانياً من الطراز الأول تجاه المجزرة البشعة التي حدثت ولأول مرة في تاريخ نيوزلندا يوم الجمعة الموافق 15 مارس 2019م والتي راح ضحيتها 51 مسلماً مما جعل شعب نيوزيلندا ودوره المتحضر تجاه المجزرة في بؤرة التحليلات السياسية العالمية وبهذا استحقت هذه السيدة وشعبها أن يرفع لهم كل شرفاء العالم قبعة الاحترام.
للأسف هناك من يحترفون تشويه كل ما هو جميل وشيطنة كل من يرفع للقيم الإنسانية راية حتى ولو كان غير مسلم.
من الملاحظ بعد هذا الدور الإنساني المتميز الذي قامت به رئيسة وزراء نيوزيلندا وشعبها تجاه المسلمين انبرت بعض الأقلام لتنقب عن مسالبها، وبدأت بعض المنابر الإعلامية تفتش في حياة هذه السيدة وتنشر لها صوراً وهي تشارك في مسيرة للمثليين بقصد تشويه الدور الإيجابي الذي قامت به.
إن ما يفعله هؤلاء يبين أنه قد عز عليهم ما فعلته والذي بالفعل أحرج كثيرين من الانبطاحين وخطف منهم الأضواء بل وسحب البساط من تحت أقدامهم المرتعشة، أو كأن المسلمين في نيوزيلندا سينصبونها قائدة لهم، أو كأنها بما فعلته قد أصبحت قاب قوسين أو أدنى من الدخول في الإسلام ومن ورائها شعبها وأنهم يسيئهم ذلك فكان لابد من الإسراع بشيطنتها.
إننا لكي لا نقع في حبال هؤلاء ولا نجاريهم فيما يقومون به من تشويه وشيطنة لابد أن نفهم نقطتين هامتين بخصوص من يتعاملون في مجال السياسة:-
أولاً: هناك من يعتبر السياسة فن الممكن أي استخدام المتاح والمشروع من الوسائل والأساليب لتحقيق الغايات النبيلة المرسومة والأهداف السوية المحددة سلفاً ما لم يصطدم ذلك مع شرع ولا عرف صحيح فتكون سياسة بناءة تعمل على الرقي والتقدم المادي والمعنوي والازدهار الحضاري.
ثانياً : هناك من يعتبر السياسة لعبة قذرة وأن من يدخل مضمارها لابد وأن يؤمن بأن "الغاية تبرر الوسيلة" وبالتالي يقبل كل الوسائل أخلاقية كانت أو غير أخلاقية مادامت ممكنة وما دامت ستحقق الغاية المطلوبة مهما كانت هذه الغاية.
من هنا يأتي الاختلاف الجوهري بين السياسة الإسلامية والسياسة العلمانية.
إن السياسة العلمانية تقر الواقع كما هو فتراها تقبل الأضداد وتتملق الشعوب وتأخذ الناس على علاتهم أو على ما تهواه نفوسهم وتعاملهم بهذا الأساس باسم الحرية الشخصية والتمدن والتحضر وما إلى ذلك من مصطلحات مُعلبة ومعدة سلفاً لتلعب على كل الأحبال فتراها لا تقوِّم مُعوج ولا تهذب شاذ ولا ترشد ضال ولا تعارض مُلحد.
إننا لكي نفهم كل هذه الأبعاد جيداً وحتى لا ننجرف وراء كل ناعق ولا نقع في شرك كل مخادع لابد أن نركز على أربع نقاط أساسية.
1- كل سياسي متميز يريد أن يثبت أقدامه على الأرض التي يقف عليها ويريد أن تتسع دائرة مؤيديه حتى ولو خارج نطاق بلده ويدعم موقف مناصريه حتى ولو خارج نطاق بلده أيضاً.
2- كل دولة من دول العالم لها ثقافتها الخاصة ومعتقداتها فالسلوك الذي انبهرنا به من رئيسة وزراء نيوزيلندا يُعتبر طبيعياً وتلقائياً في ثقافة هذا البلد الذي يحترم التعدد ولا يُقصي المخالف ويدعم أصحاب الحقوق.
لقد رأينا الملاكم الاسترالي " أنطوني ماندن" يدعم المسلمين حيث قام بالصلاة معهم رغم اختلاف الديانة كما رأيناه يزور المصابين المسلمين في المستشفى.
ورأينا "سوني فاتو" زعيم أكبر عصابة في نيوزيلندا وهي عصابة "مونجريل موب" وهو يتعهد بحراسة المساجد هو وأفراد عصابته أثناء تأدية المسلمين صلاة الجمعة.
ورأينا العديد من الأمور والأحداث وردود الأفعال التي حازت على احترام كل شرفاء العالم.
3- هناك ثلاثة أنواع من السياسة يعتنقها ويسير عليها كل سياسي متميز وهي:
فن الممكن في الزمن الممكن.
فن المستحيل في الزمن المستحيل.
فن الممكن في الزمن المستحيل أو فن المستحيل في الزمن الممكن.
إن خير شاهد على ذلك هي علاقة مصر بالقضية الفلسطينية وقادة حماس وما يتطرق إليها من مد وجزر وشد وجذب وتضييق وتعاون وحصار وهدنة ... الخ. والحديث في ذلك يطول.
4- الخلق الإنساني يختلف حسب ديانة الفرد ومعتقداته فهناك أخلاق إنسانية يشترك فيها كل البشر بغض النظر عن الديانة والمعتقدات (رحمة- تكافل- محبة- نصرة... الخ) فهناك من كفار قريش مثلاً من أدخل النبي صلى الله عليه وسلم في جواره ونصره ودافع عنه رغم أنه مات على الشرك وهو (المطعم بن عدي).
وهناك أخلاق إسلامية تشمل كل الأخلاقيات الإنسانية بالإضافة إلى ما وصى به الإسلام.
- فإذا رأينا سلوكاً طيباً من أي إنسان حتى ولو كان غير مسلم فهذه فطرة الله التي فطر الناس عليها فعلينا أن نزكيه ونمدحه دون تهويل ولا تهوين.
- وإذا رأينا تقصيراً من مسلم فلا نظلم الإسلام بل نعتبر الشخص المسلم نفسه هو المقصر، كذلك دون تهويل ولا تهوين.