ويكأن شهر رجب هو منادٍ ينادي بأنه قد جاء رمضان فاستعدوا أيها المؤمنون. وحقاً يستعد المؤمنون، يستعدون للصيام والقيام وتلاوة القرآن والصدقة وصلة الرحم، وذلك من تمام الإيمان، والتجهز لرمضان، والاستعداد والتشمير له، من تمام الاتباع للنبي محمد صلى الله عليه وسلم.
وحال المسلم في رمضان لا ينبغي أن يكون كحاله في غيره، وكذلك كان حال النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان، وفي العشر الأواخر منه خاصة، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله) (رواه البخاري).
وفي فضل صيامه قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً، غُفر له ما تقدم من ذنبه) (متفق عليه).
وفي فضل قيامه قال صلى الله عليه وسلم: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه) (متفق عليه).
وفي فضل قيام ليلة القدر فيه قال صلى الله عليه وسلم: (من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً، غُفر له ما تقدم من ذنبه) (متفق عليه).
وعن فضل العمل الصالح عموماً في رمضان، قال صلى الله عليه وسلم: (أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم، شهر مبارك، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، جعل الله صيامه فريضة، وقيام ليله تطوعا، من تقرب فيه بخصلة من الخير، كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى فيه سبعين فريضة فيما سواه) (رواه ابن خزيمة وإسناده ضعيف).
وغير ذلك كثير جاء في فضل رمضان على غيره من الشهور وفضل العبادة فيه على غيرها من العبادات في غيره.
لكن، ودائما ما نقول: إن رب رمضان هو رب العام كله، وإن المؤمن الحقيقي هو الذي يعبد ربه طوال العام، ثم يزيد من هذه العبادة في رمضان، وليس إيمانا أن يعبد المؤمن ربه في رمضان، ثم يبقى طوال العام وكأن لا رب له.
إن رب رمضان هو رب العام كله، وإن المؤمن الحقيقي هو الذي يعبد ربه طوال العام، ثم يزيد من هذه العبادة في رمضان، وليس إيمانا أن يعبد المؤمن ربه في رمضان، ثم يبقى طوال العام وكأن لا رب له
لا بد أن يقف الواحد منا أمام نفسه على أبواب رمضان ليسألها هذه الأسئلة الآتية:
- كم يوما صمته لله منذ رمضان الماضي تطوعاً ونافلة؟
الصوم لم يجعله الله عز وجل لرمضان فقط، بل فرضه الله في رمضان، وسنّه طوال العام.
كان النبي صلى الله عليه وسلم يحث الناس على صيام الإثنين والخميس من كل أسبوع، ويقول (إنهما يومان تعرض فيهما الأعمال على الله، فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم) (رواه أحمد والترمذي).
وفي صحيح البخاري من حديث عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه: (وَصُمْ مِنَ الشَّهْرِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنَّ الحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، وَذَلِكَ مِثْلُ صِيَامِ الدَّهْرِ).
وفي صحيح البخاري عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أحب الصيام إلى الله صيام داود، كان يصوم يومًا ويفطر يومًا).
- كم ليلة قمتها لله منذ رمضان الماضي تطوعاً ونافلة؟
وقيام الليل لم يجعله الله لليالي رمضان وحدها، بل سنّه الله لليالي رمضان ولكل الليالي.
وورد الحث على فعله في العديد من الأحاديث، فعن عبد الله بن قيس قال: قالت لي عائشة رضي الله عنها: (لا تدع قيام الليل، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يدعه، وكان إذا مرض أو كسل، صلى قاعدا) (حديث صحيح رواه أبو داود).
وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عليكم بقيام الليل، فإنه دأب الصالحين قبلكم، وهو قربة لكم إلى ربكم، ومكفرة للسيئات، ومنهاة عن الإثم) (رواه الترمذي وابن خزيمة وهو صحيح لغيره).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل) (رواه مسلم).
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا عبد الله لا تكن مثل فلان كان يقوم الليل فترك قيام الليل) (رواه البخاري).
-كم مرة ختمت القرآن منذ رمضان الماضي؟
وقراءة القرآن لم يجعلها الله لرمضان وحده، بل جعلها لعام الإنسان كله، ثوابا وبركة ورحمة لقارئه والعامل به.
في صحيح مسلم عن أبي أمامة الباهلي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه).
وفي البخاري: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة، ريحها طيب وطعمها طيب. ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة، لا ريح لها وطعمها حلو. ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن مثل الريحانة، ريحها طيب وطعمها مر، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة، ليس لها ريح وطعمها مر).
وفي حديث آخر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اقرؤوا القرآن واعملوا به، ولا تجفوا عنه، ولا تغلوا فيه، ولا تأكلوا به، ولا تستكثروا به) (رواه أحمد وأبو يعلى وصححه الألباني).
- وكم مرة تصدقت منذ رمضان الماضي؟
والصدقة واجبة في رمضان كصدقة فطر، وسنّة للمسلم طوال عامه.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب -ولا يقبل الله إلا الطيب- وإن الله يتقبلها بيمينه، ثم يربيها لصاحبه كما يربي أحدكم فَلوَّه حتى تكون مثل الجبل). (رواه البخاري).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقا خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً) (رواه البخاري).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله: أنفق يا ابن آدم أنفق عليك) (رواه البخاري).
شهر رمضان شهر عظيم، ولا بد للمسلم أن يتجهز له، فيعبد الله فيه كأكثر ما تكون العبادة، فهذه سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
لكن الخلل، في أن تكون العبادة لرمضان وحده، فيمضي على الواحد منا عام طويل منذ رمضان الماضي، لم يصم فيه يوماً واحداً، ولم يقم فيه ليلة واحدة، ولم يختم فيه القرآن ختمة واحدة، ولم يتصدق لله فيه مرة واحدة.
أي مسلم هذا الذي لا يعبد ربه إلا في رمضان؟!
وبرغم ذلك، ومهما كان تقصير الواحد منا طوال عامه، إلا أن الذي يجب عليه الآن، أن يتجهز لرمضان ويستعد له، عسى أن تدركه نفحة من نفحات رمضان فلا يشقى بعدها أبدا، وعليه أن يجعل رمضان القادم بداية لحال دائم له مع الله طوال عامه ، يصلي فيه بالليل ويصوم فيه بالنهار ويقرأ فيه القرآن ويتصدق فيه، حتى يكون من عبّاد الله على الوجه الذي يحبه الله ويرضاه.