كيف نسعى لأستاذية العالم ونحن عاجزون عن لم شملنا الداخلي؟!

الرئيسية » خواطر تربوية » كيف نسعى لأستاذية العالم ونحن عاجزون عن لم شملنا الداخلي؟!
muslims-brotherhood19

بداية، ليست تلك هي رسالتي الأولى لقادتنا وأساتذتنا وإخواننا وأبنائنا في جماعة الإخوان المسلمين، تلك الجماعة المباركة التي استطاعت في حقبة زمنية كثيرة الفتن والمنعطفات أن تتجاوز الكثير من المحن والشدائد وحروب عالمية على كوادر الجماعة منذ تأسيسها، ومنذ أعلنت مبدأ الشمول الإسلامي الذي تعتقده في فكرتها التي تبشر الناس بها، ليست تلك رسالتي الأولى لرجال أحسبهم شرفاء، وأحسبهم مخلصين، وأحسبهم لا يعرفون سوى نظافة اليد وطهارة القلب، رجال إن اختلفوا فلله، وإن اتحدوا فبالله، وإن تحركوا وتحدثوا فعن الله، فقد خاطبتهم من قبل، وطالبتهم بالتوحد، ونبذ الفرقة، ونبذ الخلاف، فما أحوج أمتنا اليوم لتوحيد الكلمة وإن اختلفت الوسائل.

وتلك هي رسالتي الثانية إليكم إخواني الذين أجلّهم وأقدّرهم وأحترمهم، أرجوكم فيها أن تقرؤوا تلك السطور بهدوء وفهم وتجرد وإخلاص وأخوة ومحبة ومودة، وتذكروا أننا بهذا الحب وتلك الألفة نتعبد لله، ونتعاهد أن نلتقي تحت ظل عرشه يوم لا ظلَّ إلا ظلُّه، وأن تتفكروا بها فرادى، مستحضراً كل منكم صحبة عشرات من السنوات عملنا فيها معاً بلا أجر دنيوي إلا مرضاة رب العالمين، جمعتنا الزنزانة، وجمعتنا المحن، وجمعتنا الأفراح حين تذوقنا طعم الحرية التي دفعنا ثمنها من دماء أبنائنا، جمعتنا جرعات الغاز الخانق يوم رابعة، وامتلأت صدورنا برائحة دماء إخوان لنا تقدموا وسبقونا لرحمة ربنا، تذكروا أننا نتفق على الثوابت، وما تفرقنا إلا للاختلاف على الوسائل، فكلانا ربما يكون على صواب، وكلانا ربما يكون على خطأ، فيمضي الصواب ويمضي الخطأ بأجر أو أجرين، وتبقى الأخوة، ويبقى الهدف، وتبقى سنوات العمل المشترك، يوم أن كان يشبع أحدنا إذا شبع الآخر، ويئن أحدنا ألماً إذا تعب الآخر، ليتكم قادتي تسمعون وتقرؤون بقلوبكم البيضاء لا بأعينكم التي يغشاها الغضب.

تذكروا أننا نتفق على الثوابت، وما تفرقنا إلا للاختلاف على الوسائل، فكلانا ربما يكون على صواب، وكلانا ربما يكون على خطأ، فيمضي الصواب ويمضي الخطأ بأجر أو أجرين، وتبقى الأخوة، ويبقى الهدف

-ماذا تريد أطراف الخلاف:

منذ ثلاث سنوات -أو يزيد قليلاً- دبّ الخلاف في صفوف الإخوان المسلمين في مصر؛ بسبب الاختلاف على وسيلة الخلاص من الانقلاب العسكري، بينما تقبع القيادة العامة للجماعة في المعتقلات، ومنهم فضيلة المرشد العام الدكتور "محمد بديع" والمهندس "خيرت الشاطر"، أو بالأحرى، دبّ الخلاف بين القيادات خارج البلاد على كيفية إدارة المشهد الثوري، بينما القيادات في السجون لم تختلف، ولم تتنح، ولم تتراجع أو تسلم، ولم تتنازل في مقابل حرياتها، أو الإفراج عن البعض منها.

ولست هنا في خضم ترجيح كفة طرف من الأطراف، ولست كذلك في سبيل التقليل من شأن أحدهم أو ذكر اسم آخر، فهذا لا يعنيني، إنما فقط أذكركم بنقاط فكروا فيها فرادى.

-هل اختلف الطرفان على أن الإسلام نظام شامل يتناول مظاهر الحياة جميعاً؟

-هل اختلفتم على أن الفهم والإخلاص والعمل والتجرد والأخوة وغيرها من أركان هي أركان بيعتنا التي بايعنا عليها؟

-هل اختلفتم أن التربية هي الوسيلة الأهم للوصول للفرد المسلم، فالأسرة المسلمة، فالمجتمع المسلم، فالدولة فالخلافة فأستاذية العالم؟

-هل اختلفتم أن الأمة مستضعفة، وهانت على نفسها فهانت على الآخر، وأنها في حاجة لفصيل مخلص، يستطيع الخروج بها من مأزقها، يعرف حدود دينه، يعمل به، ويتحرك له، ويبذل الغالي والنفيس في سبيل نصرته؟

-هل تتفقون على أهمية القيادة الواحدة، والكلمة الموحدة، والإعداد الجيد للخلاص من حالة التشرذم التي تحياها أمتنا؟

-هل تتفقون أن الشباب يجب أن يتعلموا القيادة، ويتمرسوا عليها تحت رعاية قادتهم أصحاب التاريخ الناصع والجهاد الطويل؟ وهل تتفقون على أهمية احترام الكبير واحتواء الصغير؟

-هل تتفقون أن طاقتنا معطلة وأن خلافنا قوّى عدونا ومكَّنه منا؟

-هل تتفقون جميعاً أيها الأحباب أننا بلا أخوتنا قد ضعفنا، وفقدنا أهم ما يميزنا عن غيرنا؟

-هل تتفقون أن تبعات التشرذم والخلاف قد انعكست على كل أعمالنا الدعوية والتربوية، وتسببت في إطالة فترة مكوث إخواننا في المعتقلات؟ حتى إعلامنا تأثّر وتأخّر خطوات كثيرة عن تأدية رسالته العظيمة، وسدّ تلك الثغرة الخطيرة؟ هل تدركون حجم مصابنا نتيجة فراقنا وتفرقنا؟

أترك لكم الجواب، لضمائركم، وتربيتكم، وأخوتكم، وحبكم، وما علمتموه لنا، وما غرستموه فينا.

إخواننا، قادتنا، أحبتنا، هذا نداء الله لكم ولنا: {إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون} [الحجرات:10].

{واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً} [آل عمران: 103].

فلم التنازع؟ وعلام؟ وفيم؟ والهدف واحد، والوسائل نختلف عليها ونتفق، والكرسي لا يدوم، ولا نسعى إليه ولا يعنينا، إنما يعنينا الإنسان وكسب القلوب ، ومن يسعَ إليها لا يليق بها، فيم التنازع والتصارع ونحن لسنا طلاب دنيا، ولا نتكسب من دعوتنا إلا ما نقدمه لها مخلصين لله وحده لا لدنيا ولا لمغنم عاجل.

-العالم في حاجة لوحدتنا:

إن دعوة الإخوان المسلمين التي أسسها الشهيد -بإذن الله- "حسن البنا" هي دعوة عالمية منذ اللحظة الأولى، ولم تكن يوماً محلية، أو معنية بشأن محلي محدود ، والمتأمل في وضع العالم اليوم يجد ما يدعو للهلع، فالعالم بلا مبالغة في طريقه لتدمير نفسه ذاتياً بتلك الحضارة المادية العرجاء، التي لا تعرف ديناً ولا أخلاقاً، ولا ضميراً إنسانياً يتعايش به الناس، عالم حكمه العنصرية والتعالي والتجبر وسحق الضعفاء والظلم.

فحاجة العالم اليوم للإسلام كي يبقى هي أكثر من أي وقت مضى، وبما أن الإسلام لا يعرف إلا عن طريق المسلمين، والحق لا يعرف إلا برجاله، فالإسلام في حاجة لوجودنا بقوة، وتقديم ديننا في أفضل صورة، صورة ليست ممزقة أو مهترئة أو مستضعفة، فالإسلام عزيز قوي عادل ودود، فأين نحن كصفٍ يمثل الإسلام منه؟ أين أفعالنا التي تتحدث عنه ونحن عاجزين عن أن نجمع شتات صفوفنا؟ كيف نسعى لأستاذية العالم بما يحويه من عقائد مختلفة وأخلاقيات متعددة وثقافات مناوئة ونحن عاجزون عن لم الشمل الداخلي لنا، لذلك فليست بلادنا وحدها في حاجة لوحدتنا، وليس مجتمعنا أو جماعتنا أو شبابنا، إنما العالم كله في حاجة لأن تكون رؤيتنا قوية وموحدة لننقذ أنفسنا وننقذ العالم من دمار حقيقي يتهدده نتيجة أفعاله الوحشية في حق الإنسانية.

أين نحن كصفٍ يمثل الإسلام منه؟ أين أفعالنا التي تتحدث عنه ونحن عاجزين عن أن نجمع شتات صفوفنا؟ كيف نسعى لأستاذية العالم بما يحويه من عقائد مختلفة وأخلاقيات متعددة وثقافات مناوئة ونحن عاجزون عن لم الشمل الداخلي لنا

إن العالم في ورطة لن يحلّها سوى الإسلام، والمسلمون متشرذمون ولا يوجد فصيل هو الأقرب لروح الدين وشموله سوى الإخوان المسلمين، ولذلك فإن الحرب عليهم عالمية، وقد وجب عليهم أن يكونوا على مستوى الحدث وخطورته وجديته.

فهل تجد كلماتي صدى في صدوركم؟ هل أجد مستمعاً ينبذ الفرقة فيمزق صحيفة الخلاف، ويلقي بها إلى غير رجعة، ليتكم إخواني تفعلون.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتبة مصرية، مهتمة بالشأن الإسلامي العام، حاصلة على بكالوريوس إعلام من جامعة القاهرة، وكاتبة في العديد من الصحف والمواقع الإلكترونية، لها العديد من المؤلفات المنشورة، مثل: المنهاج في الدروس المسجدية للنساء، معالم على طريق التمكين الحضاري، وأبجديات الثورة الحضارية وغيرها.

شاهد أيضاً

مسؤولية التعلم ولو في غياب “شخص” معلم

ربما من أوائل ما يتبادر إلى الذهن عند الحديث عن العلاقة بين المعلم والمتعلم، قصيدة …