كيف يمكن تخطي الأزمات المالية في بيوتنا

الرئيسية » بصائر تربوية » كيف يمكن تخطي الأزمات المالية في بيوتنا
money-loan

تحديات مالية خطيرة تواجه الأسرة العربية في ظلّ حالة ركود اقتصادي عربي، تقع ضحيتها كثير من الزيجات -خاصة الحديثة منها- لتصل نسبة الطلاق ونسبة العنوسة لصورة غير مسبوقة من قبل في أي من الأقطار العربية، ولتكون مصر مثلاً الأولى عالمياً في معدلات الطلاق عام (2018).

وباستقصاء أسباب تلك الظاهرة، وجد أنها تنتهي في معظمها لسوء الاختيار من البداية، فالنبي صلى الله عليه وسلم وضع حدوداً للاختيار في الزواج، فقال عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه البخاري (4802) ومسلم (1466)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَلِجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ).

والحديث الشريف يحث على الظفر بذات الدين، وإلا فالخراب والفقر، والدين عصمة للمرء من الوقوع في المخالفات المالية كالقروض الربوية، واقتناء ما لا حاجة بالإنسان إليه، وهو يعلم أنه مسؤول عن كل نعمة لديه، من أين اشتراها وماذا عمل بها؟ والدين يغرس القناعة في قلب صاحبه، فهو لا يتطلع لغير ما يملك، ويكتفي بما لديه، إلا إذا كان صاحب حق، فهو يسعى للذود عن حقه ولو كان الثمن حياته.

فأساس المشكلات الكبرى التي ساهمت في زيادة نسب الطلاق في العالم العربي –خاصة- هو غياب الدين، والتي تؤدي بدورها لسوء إدارة الشظف الاقتصادي، بدلاً من اللجوء للمخدرات لهروب الزوج من مشكلاته المتراكمة.

والزوجان في بداية حياتهما قد يفتقدان إلى الخبرة اللازمة لإدارة الأسرة، فيقعان في مصيدة الاستدانة والتقسيط وشراء أجهزة لا حاجة لهما بها، لتكون الحصيلة ديون يعجزان معاً عن سدادها، فيكون المخرج الوحيد لكليهما هو الطلاق وهدم الأسرة التي لم تكد تبدأ، وهناك عدة وسائل لو اتبعها المجتمع لإنقاذ تلك الأسر والخروج من تلك الهوية، لاستطعنا تجفيف منابع المشكلة الاقتصادية منذ البداية قدر الإمكان، وأذكر تفاصيلها في السطور التالية حسب أهمية كل وسيلة:

أولاً- التربية الدينية وغرس مفهوم القناعة والرضا بالقليل

والقناعة قيمة إسلامية كبيرة وخلق إسلامي عظيم، إذا اتسم المسلم بها برئت نفسه من الجشع والطمع والحسد والحقد، وهدأت نفسه واستراح باله ، ورضي بما وهبه الله له، دون النظر لبقية خلقه من حوله.

فالقناعة في المصطلح: هي الرضا بما أعطاه الله، وكتبه وقسمه.

وهي: استغناء بالموجود، وترك للتشوف إلى المفقود.

وهي: استغناء بالحلال الطيب عن الحرام الخبيث. إلى غير ذلك من المعاني التي تريح القلب والروح والنفس، والقناعة لا تعني الفقر، فكم من غني يكتب له أجر القناعة! وكم من غني لا يقنع ولا يرضى، يعيش مريض القلب ويموت غير راض، وكم من فقير يعيش بنفس الحال! فالقناعة أن ترضى بما وهبه الله لك بعد الأخذ بالأسباب كاملة.

والمسلم ليست الدنيا غايته، فهي دوماً في يده وليست في قلبه، هي وسيلة وليست غاية، يكفيه منها ما يقيم أوده، وما يساعده على طاعته، واستكمال مهمته في الحياة وهي إصلاح الدنيا بالدين، فعَنْ سَلَمَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِحْصَنٍ الْخَطْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ -وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ– قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا). (أخرجه الترمذي وابن ماجه وحسنه الألباني).

المسلم ليست الدنيا غايته، فهي دوماً في يده وليست في قلبه، هي وسيلة وليست غاية، يكفيه منها ما يقيم أوده، وما يساعده على طاعته، واستكمال مهمته في الحياة وهي إصلاح الدنيا بالدين

والمؤمن لديه يقين أن رزقه مقدّر من الله عز وجل، فلا أحد يستطيع منعه، ولا الحرام يزيده،فهو المؤمن بقول الله تعالى: ﴿مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ﴾ [فاطر، آية:35]، ويقول في موضع آخر: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ [هود، آية:6].

والمؤمن يدرك أن الدنيا مطية للآخرة، فهي محدودة بعدد من السنوات، أما الحياة الحقيقية فعند الله عز وجل في الآخرة، فمهما بلغ الإنسان من ملك وجاه ومال فكله إلى زوال، إما أن يتركه ملكه، أو يترك هو ملكه ويرحل بالموت، فلمَ الهم؟ ولم الحزن؟ ولم الحقد؟ والمؤمن يعلم أنه في حالة اختبار، فإما أن يكون المال اختباراً، أو يكون الفقر اختباراً، وهو على يقين بأن الله سبحانه اختار له الأقرب إلى نفسه، أو ما تنصلح به نفسه، فيرضى ويقنع بعطاء الله على أي شكل.

والنبي صلى الله عليه كان القدوة والأسوة الحسنة لكل المسلمين، فقد خيّر بين الغنى والفقر، فاختار الفقر قائلاً: (أجوع يوماً فأصبر، وأشبع يوما فأشكر).

ثانياً- الاستدانة

والاستدانة آفة تقع فيها معظم النساء، فتجدها تحثّ زوجها أن يستدين؛ ليغطي متطلباتها غير المعتادة، ومنها الكثير من الطلبات التي يمكن الاستغناء عنها، بل ويجب الاستغناء عنها، فتطلب إحداهن تغيير ديكور الشقة على سبيل المثال، أو تغيير الأثاث، أو شراء الملابس الغالية الثمن في الوقت الذي تستطيع فيه شراء مثل هذه الملابس بسعر أقل بكثير؛ لتوفير الفارق في الأسعار، أما إحداهن فنجدها تقضي حياتها المعيشية اليومية بالدَين، فهي منذ الصباح تشتري الوجبات اليومية من المحلات بالدين على أن تسدد في نهاية الشهر، وحين يأتي وقت السداد لا تجد راتباً يكفي له، فتتراكم الديون شهراً بعد شهر، لنصل لنتائج غير مرجوة، نراها كل يوم تتكرر كنسخ كربونية.

ويجب على الزوجة الواعية أن توطن نفسها أن لا تقتني إلا حين تملك ثمن ما تريد اقتناءه، ولا تقتني حتى تحتاج فعلاً إلى الاقتناء، حتى لو كانت تملك الثمن، وكل ما يمكن الاستغناء عنه، فلتفعل طالما يمكن للحياة أن تسير، وكم من الأشياء في بيوتنا يمكن أن تستمر الحياة بدونها، ويدخل في نطاق الاستدانة، الشراء بالتقسيط، فكل سلعة تباع بالتقسيط يضيف عليها التاجر أضعافاً على سعرها الحقيقي، فلا تلجأ الزوجة لتلك الطريقة في الشراء إلا إذا كان الأمر متعلقاً بحياة أحد، أو مستقبله بشكل قهري، كالتعليم وما إلى ذلك من أمور.

يجب على الزوجة الواعية أن توطن نفسها أن لا تقتني إلا حين تملك ثمن ما تريد اقتناءه، ولا تقتني حتى تحتاج فعلاً إلى الاقتناء، حتى لو كانت تملك الثمن

ثالثاً- قيمة الادخار الأسري

وقيمة الادخار من القيم العالية في الإسلام، والتي يجب أن نربي عليها أبناءنا وبناتنا؛ كي يستطيعوا تدبير أمورهم الحياتية، ومواجهة ما قد يطرأ فيها بشكل سلس ، فعلى سبيل المثال: قد يتعرض فجأة أحد أفراد الأسرة للمرض مثلاً، أو تحدث ضائقة نتيجة حادث ما، كل تلك الأمور يجب أن تكون حاضرة في التخطيط الأسري على المستوى القريب والبعيد، فتقتطع جزءاً ولو ضئيلاً بشكل مستديم للادخار، حتى إذا حدثت تلك الأزمات المفاجأة تكون الأسرة جاهزة ولو بجزء منها جيد لمواجهتها.

ونعود مرة أخرى إلى حسن الاختيار؛ لنختم بها حديثنا في هذا الخضم، لتختار الفتاة صاحب الدين الذي يتقي الله فيها، وليتخير الشاب ذات الدين التي تحفظ عرضه حاضراً أو غائباً، وتصبر معه وتتحمل مشقّة الطريق، وتحسن تربية أبنائه.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتبة مصرية، مهتمة بالشأن الإسلامي العام، حاصلة على بكالوريوس إعلام من جامعة القاهرة، وكاتبة في العديد من الصحف والمواقع الإلكترونية، لها العديد من المؤلفات المنشورة، مثل: المنهاج في الدروس المسجدية للنساء، معالم على طريق التمكين الحضاري، وأبجديات الثورة الحضارية وغيرها.

شاهد أيضاً

بين فرحتي الصائم

لا شك أن المؤمن الواعي المدرك لرسالته سواء كان كاتبًا أو مهندسًا أو صاحب عمل …