تعد نظرة أي مجتمع لقيمة الإنسان من أهم أحد محددات ثقافة المجتمع وأبرز ملامح هويته الثقافية والتي تنطلق منها أفكار المجتمع وسلوكياته وتصرفاته تجاه الإنسان كمكون للمجتمع أو كمكون للمجتمعات الأخرى من حولنا.
العدسة المجتمعية والإنسان
دعونا في البداية نحرر مفهوم (النظرة) وهنا نقصد مجموعة الآراء والأفكار سواء كانت الثابتة منها (العقائد) أو المتحركة والمتغيرة، فوفق تلك الآراء والأفكار والمعتقدات نستطيع أن نتعرف على هوية المجتمعات وثقافتها.
فإذا ما كانت تلك الآراء والأفكار تنصب على تعظيم شأن ومكانة وقيمة الإنسان في الحياة فإن كل ما يتبع تلك الأفكار والآراء من قوانين وقواعد وحدود وسلوكيات وتصرفات تعلي من تلك النظرة التي تعظم من شأن البشرية والإنسانية، أما وإن كانت النظرة للإنسان نظرة دونية فسوف تكون تلك التبعات ثقيلة مخزية لقيمة الإنسان، فتكون القوانين مجحفة والقواعد مختلة والحدود منتهكة والسلوكيات متعدية على قيمة الإنسان والإنسانية أجمعين.
الإسلام والنظرة للإنسانية والبشرية
إن الإسلام قد أعلى من قيمة الإنسان بل وقد اعتبر المحافظة على حياته من أولويات الضرورة والمقاصد، واهتم بمكانته كمكون أساس للحياة، ومن أساس الهوية الإسلامية والثقافة والفكر الإسلامي، فهيا بنا نتعرض إلى بعض تلك المحددات لقيمة الإنسان في الهوية الإسلامية:
الإنسان نفخة من روح الله الذي أسجد له الكائنات:
قال تعالى: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} [الحجر:29].
فهذا هو الإنسان نفخة من روح الله عز وجل الذي أسجد له الملائكة والكائنات سجود تحية وتكرمة لا سجود عبادة.
والذي أخرج من أجله إبليس عندما رفض أمر الله بالسجود لسيدنا آدم (أبو البشرية) وقد غفر لسيدنا آدم غلطته وتاب عليه ولم تكن لإبليس نفس الفرصة والمكرمة التي أعطاها لسيدنا آدم.
الإنسان خليفة الله في الأرض:
قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة:30] فالله قد كلف آدم وذريته بخلافته في أرضه وتعميرها وعبادته وفق ما أمر، وهذا التكليف تحميل للأمانة وتشريف للبشرية في نفس الوقت، وتعظيم لقدر الإنسان، وهذا التعظيم من عظم الأمانة التي يحملها في عنقه.
تشريف الإنسان بالعلم والبيان:
قال تعالى: {عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق:5].
قال تعالى: {خَلَقَ الْإِنسَانَ، عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} [الرحمن:3-4]
وتلك القيمة التي أضافها الله لمكانة الإنسان وهي العلم وحسن البيان، فالعلم والوعي قيمة وتشريف من الله للإنسان، وسبب لعلو منزلته وقدره عند عز وجل.
تكريم الإنسان وتسخير كل ما في الكون له:
قال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} [الإسراء:70].
وقال تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الجاثية:13]
وقال أيضاً: {وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ} [إبراهيم:33]
وإن تكريم الإنسان وتفضيله على باقي الكائنات التي خلقها المولى عز وجل، وذكر ذلك في القرآن الكريم لكفيل أن يوضح مكانة الإنسان في الإسلام وعلو منزلته، فآيات الله في خلقه كلها قد سخرها الله للإنسان فأي مكانة تلك التي يحظى بها الإنسان لدى خالقه.
إن تكريم الإنسان وتفضيله على باقي الكائنات التي خلقها المولى عز وجل، وذكر ذلك في القرآن الكريم لكفيل أن يوضح مكانة الإنسان في الإسلام وعلو منزلته
الحفاظ على الإنسان وتجريم قتله ولعن قاتله:
قال تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ} [المائدة:32].
وقال تعالى: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء:93]
وإن من عظيم تقدير الإنسان وإعلاء قيمته ومكانته في الإسلام الحفاظ على حياته ونفسه من الأخطار والتهلكة ، بالإضافة إلى توعد الله لمن يزهق روح الإنسان دون حق بالخلود في جهنم والغضب عليه واللعنة والعذاب العظيم.
التكليف وفق الطاقة والقدرة:
قال تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} [البقرة:286]
وقال تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا} [الطلاق:7].
وحتى أن تكليف الله للإنسان يكون وفق سعة النفس وطاقتها وما لديها من قدرة على التحمل والاستيعاب لهذا التكليف، ليبين لنا القيمة العظيمة للإنسان في القرآن الكريم والذي هو الدستور الإلهي للبشرية أجمعين.