كيف تصنع النجاح من الإنجازات الصغيرة

الرئيسية » بصائر تربوية » كيف تصنع النجاح من الإنجازات الصغيرة
Team creative work

لقد آن الأوان لإعطاء المقولة الدارجة عن رحلة الألف ميل معنى آخر يمنحها قيمة أكبر في هذا العالم المتغير: "رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة" لتصبح: "رحلة الألف ميل تبدأ بإنجاز" مهما كان ذلك الإنجاز صغيراً، أو بالأصح مهما كنت تراه صغيراً.

لطالما قرأنا وشاهدنا وسمعنا عمّا يمكن أن تجمعه نملة صغيرة بحركتها الوئيدة وجسمها الضعيف وبمجهودها المتكرر، عن العمق الذي قد تحفره في الصخرة قطرات الماء المنفلتة من صنبور تالف، وعن التغيّر الذي قد يحققه أحدنا بقراءة صفحة واحدة يومياً، ولكن توقعاتنا عن النجاح والإنجاز والتميز لا تزال تتحكم بشكل سلبي في حيواتنا.

وللأسف، فإن الانفتاح التكنولوجي والاطلاع على حيوات الآخرين عبر التواصل الاجتماعي وغيره في الإنترنت حاصر النجاح في صورة #الإنجاز الضخم، والفوز الساحق، وتبعاً لذلك رسخ في عقل الجمهور أن #النجاح يجب أن يكون مدويّا وضخماً ليستحق، بالرغم من أن أحدنا قد يحقق عشرات بل مئات النجاحات المتمثلة بإنجازات يومية يراها صغيرة؛ لأنها لم تكن مدوية كما توقع، وقد غاب عن تفكيره أن غيره قد يراها مدوية وتستحق تماما كما يرى هو إنجازات الآخرين تستحقّ أكثر من إنجازاته.

الاطلاع على حيوات الآخرين عبر التواصل الاجتماعي حاصر النجاح في صورة الإنجاز الضخم، وتبعاً لذلك رسخ في عقل الجمهور أن النجاح يجب أن يكون ضخماً ليستحق

مفهوم الإنجازات الصغيرة وأهميتها:

إن المفهوم الذي نريده أن يصل إلينا جميعا عنها: الإنجازات الصغيرة هي النقاط التي نحرزها عند إكمال مهمات مترابطة في فترات متقاربة في طريقنا إلى النجاح المدوّي الذي نراه يستحقّ .

وتعد فوزاً حقيقياً ومؤكّداً أكثر من الهدف بعيد المدى، والذي يمثل النجاح الكبير الذي ترغب به، وربما تكون هي المعنى الحقيقي الذي تضعه لوجودك وحياتك، فكم مرة قرأت اقتباساً يرمي إلى أن النجاح لا يأتي دفعة واحدة، ومثله الحصول على السعادة وتحقيق الالتزام الديني... وغيرهما.

فعلى سبيل التوضيح: تجد غالبية الناجحين ينصحون نظراءهم الطموحين بتقسيم أهدافهم الكبرى إلى أهداف صغيرة، وإنجاز هذه الأهداف الصغيرة متتابعة والتي بالتتالي سوف تأخذهم مباشرة إلى الهدف الأكبر.

غالبية الناجحين ينصحون نظراءهم الطموحين بتقسيم أهدافهم الكبرى إلى أهداف صغيرة

وحتى نكون أكثر وضوحاً: الهدف بعيد المدى تحقيقه غير مؤكد تماماً، وقد تعترضه عقبات وحواجز تحتاج منك طاقة نفسية وعقلية عظمى ومجهوداً ووقتاً كبيرين وخططاً مساندة لتحويل العوائق إلى تحديات ومواجهتها كما يجب، والتغلب عليها ثم إكمال المسير، كم مرة ستتوقف يائساً ومحبطاً، وتحتاج إلى دعم وتحفيز، وتجديد إيمانك بهدفك وثقتك بذاتك... أنا سأخبرك: ستحتاج ذلك كثيراً جداً.

في المقابل، فكّر معي.... بما سيحققه تقسيم الهدف الأكبر إلى أهداف صغيرة تنجزها في فترات متقاربة وتفرح بالإنجاز في فترات متقاربة فتحصل على الحافز للإكمال، والدعم النفسي اللازم للتقدم، وإعادة النظر في المراحل القادمة وتقييم الإنتاج وتقويم الخطط باستمرار، كم ستغدو حياتك جميلة ومجدية، وكم ستتعرف على ذاتك وتحرز من نقاط قوتك، وقد تصبح شخصاً مُلهماً للآخرين.

وفق وجهة نظر عالم النفس - كارل ويك، فإن الانتصارات أو الإنجازات الصغيرة تولّد قوة تدفع لفوز صغير لاحق يتبعه فوز آخر فآخر.. حتى لا يمكن لتلك السلسلة أن تنتهي .

مثلاً: إذا أراد كاتب ما أن يتعلّم قواعد النحو والإملاء، وحصل على برنامج مناسب لتحقيق هذا الهدف، وكان محتوى ذلك البرنامج ضخماً، ربما يتراجع إن نظر إليه الكاتب وفكّر في الوقت الكبير الذي سيستغرقه والمجهود المضاعف الذي سيضطر لبذله، لكنه إن بدأ بأول درس فأتقنه واختبر نفسه وحقق تقييماً يُرضيه فسيكمل بحافز كبير، ولن يشعر بالوقت والمجهود الذَين استكثرهما.

كيف توظف الإنجازات الصغيرة لصناعة النجاح؟

بتنا متفقين على أن الاحتفال بالإنجازات الصغيرة يشكّل الخطوات المنتظمة التي ترصفُ طريقك إلى النجاح .

ولكن حتى لا يتخبط الخطو خبط العشواء، فإن تحويل الإنجازات الصغيرة إلى نجاح وانتصارات كبيرة يحتاج إلى انتباه وقياس وخطة مدروسة وطريقة تعتمدها لاكتشاف الخلل وإصلاحه والتطوير من نفسك.

فإذا كانت الإنجازات الصغيرة هي الضوء الأخضر في أول الطريق الصحيحة، فإليك النصائح والأفكار التي ستبقيك في تلك الطريق وصولا إلى نجاحك المدوّي:

1. غذّ معلوماتك: كثّف اطلاعك على تفاصيل الأمر الذي أنت مقبلٌ عليه، وافهم نفسك ونقاط قوتها وضعفها أكثر؛ حتى تبني نفسك وتنميها بالتزامن مع الإنجاز.

2. تحمّس كالأطفال: ميزة حماس الأطفال أنه يجعلهم سعداء طوال الوقت مختلفين واستثنائيين وقادرين على اكتساب أية خبرة في أي وقت، ويشعرون بالتعاطف والحب تجاه من حولهم فلا تغضبهم الصعوبات التي تواجههم ولا يهمهم حجم المكافأة بقدر معناها.

3. ابتكر عادة يومية وركّز عليها: ابتكار عادة يومية إيجابية يجعل الإنسان أكثر تركيزاً في حياته واستغلالا لوقته ، إذا كان هدفك الكبير هو إتقان تجويد القرآن، فابدأ بأسهل أحكام التجويد وطبقها على وردك اليومي، اختبر نفسك بعد أول أسبوع ستنجح وتكتشف حافزاً جديداً للإكمال وصولاً إلى إتقان التجويد.

4. اعثر على مقياس مناسب لتقييم إنجازك: حين تخذلك النتيجة عند قياسها على مدى تحقق توقعاتك الضخمة، وتحبطك نتيجة استخدامك لمقياس أسوأ الاحتمالات، كن وسطياً واعتمد مقياساً أكثر عدلاً يوجه تركيزك إلى المنجزات أكثر من تركيزك على الجهد والوقت.

5. اسمح لنفسك أن تشعر بالذنب وتستاء من نفسك وتعاقبها عندما تخطئ: لست أدعوك لتستمرئ الخطأ وتستسلم للفشل، ولكن كما تهب مسرعا للعقاب ولوم الذات إياك في المقابل أن تستسخف الإنجاز مهما كان صغيراً، وإن كان كتابة بيت من الشعر أو حفظ معاني خمس كلمات من لغة ما أو مساعدة شخص في أداء ما يعجز عنه.

6. امنح نفسك تذكرة إيجابية كلما أنجزت شيئاً صغيراً: هدية، مكافأة بلقاء صديق، طاقة ورد، رحلة استجمام، كتابا جديداً، جلسة مساج... أي شيء يسعدك يمكنه أن يكون تذكرة إيجابية، الموضوع يستحق صدقني ستلمس النتيجة قريباً، إن كل إنجاز مهما كان صغيراً يستطيع أن ينشّط دائرة المكافآت في أدمغتنا والموضوع ليس فلسفياً أو نفسياً وحسب؛ لأنه متعلق بإفراز الدماغ للمادة العصبية المنشطة (ناقل الدوبامين) الذي يتحكم في المزاج فيمنح شعوراً بالارتياح والفخر بالإنجاز .

7. امنح إنجازاتك الصغيرة اسماً يميزها: سمّها ما شئت: المكاسب الصغيرة، النجاحات الصغيرة أو إنجاز المهمات اليومية، المهم أن ترتاح تجاهها وتجعلها مُضيئة ولامعة، لا تتعود كونها جزءاً من يومك؛ كي يظل تأثيرها إيجابياً فتستمر مشبعا بالأمل في الفوز الأكبر على المدى البعيد.

امنح إنجازاتك الصغيرة اسماً يجعلها مُضيئة ولامعة، لا تتعود كونها جزءاً من يومك كي يظل تأثيرها إيجابيا فتستمر مشبعا بالأمل في الفوز الأكبر على المدى البعيد

8. اعتمد المرونة في الأداء وضبط المواعيد: برمج عقلك وقسم وقتك ومهماتك على الوقت المتاح مع الحرص على أن يكون لديك وقت الاسترخاء اللازم، وساعات الإجازة، ولا ترهق نفسك بالتفكير، كما يجب أن تتجنب المماطلة وتأخير الأداء إلى آخر الوقت؛ لأن ذلك سيشكل ضغطاً، وينتج إنجازا لن يرضيك.

9. أحط نفسك بمن يعينك على الإنجاز ويقيّمك لاحقاً بثقة وموضوعية: وجود أشخاص داعمين ولطفاء حولنا وضمن إنجازاتنا يحيل لحظات العمل والجهد والمكابدة إلى لحظات جميلة ويضفي المتعة والمعنى على الإنجاز .

معلومات الموضوع

مراجع ومصادر

  • https://ideas.ted.com/how-to-make-your-small-wins-work-for-you/
  • https://greatperformersacademy.com/motivation/8-simple-tips-on-how-to-celebrate-small-wins-daily
  • http://www.selfication.com/motivation/the-power-of-small-wins/
اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتبة فلسطينية من قطاع غزة، تحمل شهادة البكالوريوس في علوم المكتبات والمعلومات، وعدة شهادات معتمدة في اللغات والإعلام والتكنولوجيا. عملت مع عدة قنوات فضائية: الأقصى، القدس، الأونروا، الكتاب. وتعمل حالياً في مقابلة وتحرير المخطوطات، كتابة القصص والسيناريو، و التدريب على فنون الكتابة الإبداعية. كاتبة بشكل دائم لمجلة الشباب - قُطاع غزة، وموقع بصائر الإلكتروني. وعضو هيئة تحرير المجلة الرسمية لوزارة الثقافة بغزة - مجلة مدارات، وعضو المجلس الشوري الشبابي في الوزارة. صدر لها كتابان أدبيان: (وطن تدفأ بالقصيد - شعر) و (في ثنية ضفيرة - حكائيات ورسائل).

شاهد أيضاً

“بروباجندا” الشذوذ الجنسي في أفلام الأطفال، إلى أين؟!

كثيرًا ما نسمع مصطلح "بروباجاندا" بدون أن نمعن التفكير في معناه، أو كيف نتعرض له …