تمهيد
مثلت تجربة ما يُعرَف بثورات الربيع العربي، فرصة مهمة لاختبار مدى قدرة الحركات الإسلامية، على تطبيق ما تحتويه مناهجها وتصوراتها في مختلف الاتجاهات.
وكان من بين أبرز التحديات في هذا الصدد، الجانب المتعلق بالسياسة والحكم، حيث إن الحركات الإسلامية صاحبة تجربة ناجحة في مجال العمل الدعوي والمجتمعي.
ولأسباب وعوامل عدة -من بينها عوامل البيئة السياسية المحيطة، الداخلية والخارجية، وعوامل ذاتية داخلية- واجهت الحركات الإسلامية، والإخوان المسلمون على وجه التحديد فشلاً -إن صح التعبير- فيما تطلق عليه أدبياتها، التمكين السياسي.
ومثَّلت مصر نقطة محورية في هذا الصدد، وبالتالي فقد كانت مهمة في رصد الباحثين والمهتمين بالعوامل والأسباب التي أحاطت بما أُطلق عليه "أزمة التمكين".
وبين أيدينا كتاب مهم صدر في العام (2016م)، عن "مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي" في بيروت، ضمن سلسلة "الدراسات الحضارية"، التي تصدر عن المركز، وتتناول قضايا تطبيقية في مجال الفكر والعمل الإسلاميَّين. و يحمل الكتاب الذي جاء في (219) صفحة من القطع الوسط، عنوانًا مهمًّا ومعبِّرًا، وهو: "أزمة التمكين... دراسة في أزمة التجربة الإسلامية في مصر (2012-2013م)".
و الكتاب بالكامل هو دراسة حالة للإسلاميين في مصر، قبل وبعد ثورة يناير 2011م، ويركز بطبيعة الحال على الإخوان المسلمين، ولكنه فضَّل أن يستخدم في دراسته مصطلح "الإسلاميون"، باعتبار أنه يجعلها أكثر شمولية في ناحية البحث والدَّرْس.
مع الكتاب
وضع الباحث كتابه في تمهيد وأربعة فصول ثم خاتمة مع مصادر ومراجع.
التمهيد يتضمن قراءة رصدية في تاريخ الحركة الإسلامية في مصر، قبل وبعد ثورة يناير 2011م، منذ إشهار الجمعية الشرعية لتعاون العاملين بالكتاب والسُّنَّة المحمدية، في العام (1913م)، وحتى مجموعة الأحزاب والجمعيات الإسلامية التي نشأت في مرحلة ما بعد ثورة يناير، وعلى رأسها حزب "الحرية والعدالة" المنبثق عن جماعة الإخوان المسلمين، وحزب "النور" المنبثق عن الدعوة السلفية بالإسكندرية.
كما تضمن التمهيد نظرة على الأساليب والأدوات التي تبنتها هذه الأحزاب للوصول إلى السلطة في تلك المرحلة، سواء من خلال انتخابات مجلس الشعب (2011م)، أو الانتخابات الرئاسية عام (2012م).
الفصل الأول من الكتاب، حمل عنوان "الأداء السياسي"، وتضمن الأداء السياسي للإسلاميين في مصر، وتضمن ذلك تقييم الأداء في المجالات التالية:
-معركة إقرار ما عُرِفَ في حينه بـ"دستور الثورة"، في العام (2012م).
-أداء الإسلاميين في البرلمان، والأزمات الي رافقت وجود قوى إسلامية متنافرة في مجلس النواب المصري في ذلك الوقت.
-أداء الإسلاميين، وخصوصًا الإخوان المسلمين وحزبهم، في السلطة التنفيذية.
كما قيَّم الباحث علاقات الإسلاميين المتباينة -والإخوان خصوصًا- مع القوى السياسية الأخرى، بما في ذلك معسكر القوى الثورية، أو مع السلطة القضائية، وصولاً إلى المؤسسة العسكرية، والكيفية التي جرى بها مواجهة قوى الثورة المضادة، والأخطاء التي وقع فيها الإخوان المسلمون على وجه التحديد، حتى أحداث (30 يونيو 2013م)، ثم الانقلاب والإطاحة بالرئيس "محمد مرسي" في (3 يوليو) من ذات العام.
الفصل الثاني، حمل عنوان "الأداء الاقتصادي"، وبدأه بتساؤل مهم مفاده: "أين الخلل؟"؛ حيث إنه يرى سوء منظور وإدارة من جانب الإخوان والحكومات التي شكلها حزبهم في إدارة الملف الاقتصادي في مرحلة ما بعد وصولهم إلى السلطة.
وبدأ الفصل بتحليل الرؤية الاقتصادية للإسلاميين، وأركانها، مثل انتهاج ما أطلق عليه "رأسمالية إسلامية"، والاعتماد في محاربة الفقر على الزكاة والصدقات، وإلغاء القوانين الاشتراكية.
ولكنه يعيب عليهم فكرة تبني أو ما أطلق عليه "تأييد" النظام الاقتصادي للرئيس المخلوع "حسني مبارك"، والتغافل عن اقتصاد القوات المسلحة.
ثم يتناول الأداء الاقتصادي "لمرسي" وحكومته، وأبرز ما تم خلاله من طروحات، مثل: "مشروع قناة السويس"، و"مشروع الصكوك الإسلامية"، والجولات الخارجية التي قام بها مرسي لأجل الحصول على دعم للاقتصاد المصري في هذه المرحلة الصعبة.
الفصل الثالث، "السياسات الخارجية"، تناول فيه بالأساس العلاقات بين الإخوان المسلمين مع الولايات المتحدة باعتبار أنها الطرف الأساسي الذي دارت حوله جُلّ مشكلات المرحلة التي حكم فيها الإخوان مصر على قِصَرها، ثم نظرة على صورة العلاقات مع الدولة الصهيونية، كما أطلق عليها المؤلف. وكيف كان موضوع إقرار برلمان وحكومة الإخوان لموضوع الاتفاقيات الموقعة مع الكيان الصهيوني نقطة مماحكة، قبل أن يتناول المؤلف بعد ذلك باقي علاقات الإخوان الإقليمية في العام الذي حكم فيه مرسي.
الفصل الرابع، وكان أهم فصول الكتاب، حيث كان عبارة عن "تقييم إجمالي واستنتاجات"، ركّز فيها المؤلف على ما رآه مشكلات في أداء الإسلاميين، ولاسيما الإخوان المسلمين، في تجربتهم القصيرة في الحكم في مصر.
ومن بين ذلك عدم الاستعداد للسلطة، وما عابه عليهم مما قال إنه "الطبيعة الإصلاحية للمشروع الإسلامي"، ثم اتباع منهج الملاينة مع النظام القديم، والميل لإبرام الصفقات والاتفاقات، وافتقاد الشخصيات الكاريزمية التاريخية.
كما انتقد ما وصفه بخلف الوعود ونقض التعهدات، والتعالي على باقي القوى الاقتصادية، والخلل في الفكر الاقتصادي الذي تم العمل به في مرحلة ما بعد تولي الإخوان للحكم.
ولكن لعل أبرز ما ذكره في هذا المجال، هو غياب المرجعية الفكرية الواحدة للإسلاميين الذين تصادموا معًا في تحالفات سلفية/ إخوانية جهادية كما في حالة الجماعة الإسلامية، واختزال الثورة في الإسلاميين، ثم أزمة التنظيمات بشكل عام، وخصوصًا أزمة تنظيم الإخوان، والتي كانت قضية تناولها باحثون آخرون، مثل خليل العناني وغيره.
وفي الأخير، فإن الكتاب بطبيعة الحال، لم يقف عند مستوى المقاربة الإخوانية فقط، وإنما انتقد كذلك أحوال باقي الأحزاب الإسلامية الأخرى، ولكن تبقى قضية جماعة الإخوان المسلمين وحزبها الأجدر بالتقييم؛ لأنها كانت أساس مفهوم التمكين للإسلاميين في مصر، في مرحلة ما بعد "مبارك".
مع المؤلف
الباحث والأديب المصري "محمود عبده" -مدير مؤسسة "المعبر" للثقافة والإعلام والدراسات بالقاهرة- درس اللغة العربية والعلوم الإسلامية بمختلف أفرعها، كما أنه درس مناهج البحث العلمي دراسة غير أكاديمية.
وهو متخصص في الصراع العربي الصهيوني، والعلوم السياسية، وكذلك الحركات الإسلامية، وله عدة كتب، من بينها: "محمد الغزالي: داعية النهضة الإسلامية"، وصدر في العام (2009م)، عن مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي في بيروت، وكذلك: "كي لا تكون صهيونية إسلامية"، وصدر عن مركز "يافا" للأبحاث والدراسات في القاهرة، وصدر في العام (2010م).
بيانات الكتاب:
اسم المؤلف: محمود عبده.
اسم الكتاب: أزمة التمكين.. دراسة في أزمة التجربة الإسلامية في مصر (2012-2013م).
مكان النشر: بيروت.
الناشر: مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي.
اسم السلسلة: سلسلة الدراسات الحضارية.
تاريخ النشر: 2016م.
الطبعة: الطبعة الأولى.
عدد الصفحات: (219).