و نحن نستعد لاستقبال شهر رمضان المبارك بنفوس توّاقة و أرواح مشتاقة لا بد من أن يتقن كل منا عمله و دوره بشكل آكد في هذا الشهر العظيم.. و رمضان بالنسبة للدعاة و المصلحين و العلماء من قبلهم موسم للعمل الدؤوب، و فرصة عظيمة للدعوة إلى الله.. و هذا بلا شك عمل جليل يحتاج منا إلى إتقان أيّما إتقان..
و أهم مظهر من مظاهر إتقان العمل الدعوي - في تقديري المتواضع - هو أن يبدأ المصلح بإصلاح نفسه و دعوتها أولاً؛ كي يتحقق مبدأ الإخلاص من جهة، و كي لا يقع ضمن دائرة الآية الكريمة: {كبُر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تعملون} من جهة أخرى..
و هناك أمور ينبغي أن يتنبه لها الداعية المصلح ليصلح نفسه من خلال التنبه لها، و ليتمكن من التأثير في الآخرين إن هو أخذها بعين الاعتبار:
1- أن يدرك الفرق الدقيق بين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر و بين التطفل على الناس..
2- أن يدرك الفرق الدقيق بين الجرأة في قول الحق و بين التهور و الاعتباطية..
3- أن يدرك الفرق الدقيق بين الحكمة المطلوبة المحمودة في الدعوة و بين الجبن المنبوذ..
4- أن يترك مظاهر الاستعراض بالعلم و ادعاء المعرفة و التقعر في الكلام؛ لأن كل هذا يشكل حاجزاً منفراً بين الداعي و المدعوّ..
5- أن يدرك بأن ما لديه من علم و معرفة يظهر للمدعوين من خلال ما يكتبه أو يقوله و من خلال سلوكه و أخلاقه أيضاً..
6- أن يبتعد عن ذم الدعاة الآخرين ممن يخالفونه؛ لأننا لسنا في ساحة حرب، و لا نحن في مهرجان للدعاة يريد كل منا أن يستقطب الجمهور فإن ذلك يحبط العمل و ينسفه نسفاً؛ فالإخلاص أول شروط قبول العمل عند الله..
7- أن يعالج الأفكار التي تحتاج إلى معالجة من وجهة نظره بعيداً عن أشخاص قائليها..
8- أن يبتعد عن استخدام الألفاظ الشعبية و الشوارعية؛ فالبعض يظن أن هذا الأمر يتقرب به إلى الناس حتى يتقبلوه، و الواقع بخلاف ذلك.. فعليه أن يستخدم لغة رزينة متزنة تليق بالحمل الذي يحمله المتمثل بالدعوة إلى الله تعالى..
9- أن يدرك أن المدعوين ليسوا جهلة؛ فالمدعوون اليوم على مستويات مختلفة من الثقافة و المعرفة يجب أن تكون محل تقدير واحترام لدى الداعي.. أما إذا لم يُقم الداعي وزناً للمدعو فسيدعوه باستعلاء و كبر.. و سيشعر المدعو أن الداعي يخاطبه و كأنه طفل.. و هذا لا شك يضر بالدعوة و لا يصلحها و يأتي بنتائج مناقضة للمقاصد الدعوية العليا..
10- أن يدرك أنه من الطبيعي أن يختلف معه آخرون من الدعاة و من العامة و أن يكون مستعداً لتقبل ذلك بعيداً عن اتهام مخالفيه بالجهل أو بالضلال..
11- أن يستشعر أن العالم كله يستمع إلى دعوته، و هذا سيجعله يأخذ بعين الاعتبار اعتبارات كثيرة ترفع من سويّة خطابه الدعوي..
12- أن يحرص على تنقية قلبه تجاه إخوانه من الدعاة و العامة.. و أن يدعو لهم بظهر الغيب و أن يحسن الظن بهم بدلاً من سياسة التحذير و الاستنفار تجاههم و وصفهم بأوصاف لا تليق و افتعال معارك تضر بالدعوة و مصالحها العليا..
و في الختام أسأل الله تعالى أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال في رمضان و سائر شهور العام.. و الحمد لله رب العالمين..