إِذا عُمِلتِ الخَطِيئةُ في الأَرض

الرئيسية » خواطر تربوية » إِذا عُمِلتِ الخَطِيئةُ في الأَرض
01-arab-spring.ngsversion.1553876441116.adapt.1900.1

روى أبو داوود عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: (إذا عُملت الخطيئة في الأرض كان من شهدها فكرهها كمن غاب عنها، ومن غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها).

هذا الحديث العظيم لم يكن متداولاً كثيرا بين العلماء والدعاة والناس، حتى ذكره أحد الدعاة الكبار، فتداوله الجميع من بعده، وكأن الناس كانوا غرقى، وجاءهم هذا الحديث بالنجاة.

فالذي حدث في السنوات الأخيرة في الوطن العربي ثقُل على الناس، ورأوا فيه ظلماً كبيراً وطغياناً عظيماً، غير أنهم رأوا في أنفسهم عجزاً مقعداً وخوفاً مفزعاً.

فلما جاءهم هذا الحديث، هدأت نفوسهم واطمأنت قلوبهم، فقد أخبرهم الحديث أنه ليس لزاماً عليهم أن يقفوا ضد الظلم والطغيان، ولكنهم يكفيهم إذا خافوا بطشه وجبروته أن ينكروه بقلوبهم، وفي هذا نجاتهم.

أذكر جيداً يوم أن ذكره الداعية الذي ذكره على شاشة إحدى الشاشات، وأذكر جيداً كيف تداوله الجميع من بعده، وكأنهم لم يكونوا يعرفونه من قبل.

هذا الحديث له حديث آخر بنفس معناه تقريبا، وهو الحديث الذي رواه مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم، والذي يقول فيه: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان).

فالمطلوب من المؤمنين بنص هذا الحديث أن يسعوا لإنكار المنكر إذا رأوه بأيديهم إن استطاعوا ذلك، فإن لم يستطيعوا التغيير باليد فليكن التغيير باللسان، فإن لم يستطيعوا ذلك كفاهم أن ينكروا المنكر بقلوبهم، وذلك منجاة لهم، غير أنه أضعف الإيمان كما ذكر الحديث.

الداعية الكبير الذي ذكر حديث (إذا عملت الخطيئة في الأرض..) هو من الدعاة الكبار المجاهدين بأنفسهم وألسنتهم ضد الطواغيت والظالمين.

فهو من المؤيدين بقوة لحركة الشارع العربي ضد الأنظمة الحاكمة الظالمة القابعة على صدورهم، وكان من المشاركين بنفسه في ثورة مصر، ومن المرابطين في ميدان التحرير طوال أيام الثورة، رغم أنه من أهل الأعذار، فهو أعرج بائن العرج، وإنّا لنحسب أنه سيطأ بعرجته هذه أعلى الجنة، نحسبه والله حسيبه.

ثم كان من المرابطين في أرض الاعتصام في رابعة، مع المرابطين ضد الانقلاب والخيانة والغدر والفجر.

ثم بعد ذلك، فر الرجل مع من فروا إلى خارج مصر، مهاجرا بدينه، وها هو يظل على موقفه الثابت، في تأييد الحق وأهله، ونصرة المستضعفين هنا وهناك، ضد الأنظمة الحاكمة الخائنة والعميلة، الغادرة الفاجرة.

لفت الانتباه في اللقاء الذي ذكر فيه هذا الداعية الحديث السابق، أنه لما عرّج الحوار على مواقف العلماء والدعاة مما يحدث، صب الرجل جام غضبه على العلماء والدعاة الذين أيدوا الظالم وصفقوا له ونصروه بمواقفهم وبياناتهم وكلماتهم.

ثم عذر غيرهم من الساكتين والصامتين الذين لم يبدوا رأيا في الأحداث، وقال الرجل ما معناه (الساكت معذور، وقد كان حريّا بمن أيدوا الظالمين من العلماء والدعاة أن يسكتوا ليسلموا).

وقد كان أهل الحق المستضعفين المغدور بهم حينها لا يفرقون بين الفريقين، فريق العلماء والدعاة الذين أيدوا الظالم، وفريق العلماء والدعاة الذين سكتوا وصمتوا.

وكانوا يكيلون السباب لهم جميعا، فلما جاء هذا الرأي من ذلك الداعية الكبير، لفت الانتباه للفرق بين الفريقين، وهو فرق كبير حقا.

فرق بين علماء ودعاة وقفوا مع الباطل، وناصروه، وصفقوا له، وقدموا له غطاء شرعياً لكل ظلمه وطغيانه، وخدعوا بذلك الكثيرين من البسطاء وعوام الناس.

وقد وقف بعضهم في خلفية المنقلب وهو يعلن انقلابه على الرئيس المظلوم المغدور، ثم حث بعضهم على قتل المظلومين في الاعتصامات والمسيرات وغيرها وقال: (من قتلهم كان أولى بالله منهم)، في صورة من أبشع صور لوي أعناق النصوص وتأويلها على غير حقيقتها، بل على عكس حقيقتها تماما.

وبين علماء ودعاة رأوا الحق حقا والباطل باطلا، غير أنهم علموا أن لا مقدرة لهم على مواجهة الباطل، وعلموا كم هو عازم على القتل وسفك الدماء، فآثروا السكوت والسلامة.

فرق بين علماء ودعاة وقفوا مع الباطل، وناصروه، وصفقوا له، وقدموا له غطاء شرعياً لكل ظلمه وطغيانه، وبين علماء ودعاة رأوا الحق حقا والباطل باطلا، غير أنهم علموا أن لا مقدرة لهم على مواجهة الباطل، وعلموا كم هو عازم على القتل وسفك الدماء، فآثروا السكوت والسلامة

غير أننا لا بد أن نشير هنا لأولئك الساكتين الصامتين، الذين لم يكن سكوتهم وصمتهم خوفاً من بطش الظالم، مع المعرفة والإقرار بالحق وفريقه والباطل وفريقه، ولكن كان سكوتهم موقفاً مبدئياً، لاعتقادهم أن المعركة ليست معركة حق وباطل، ولكنها معركة بين أباطيل مختلفة، أو بين متعاركين على المناصب والكراسي، وليس لله في المعركة نصيب.

وهؤلاء ممن أعمى الله بصيرتهم في الحقيقة، وليس علمهم إلا جهلاً، وليس موقفهم إلا عمى وعماية بصيرة.

فمن ذا الذي لا يرى أن المعركة القائمة في الوطن العربي منذ بداية الربيع العربي إلى الآن معركة حق وباطل.

معركة بين طالبي الحرية وبين الأنظمة الدكتاتورية الظالمة الباطشة.

معركة بين طالبي عدالة وبين أنظمة حاكمة فاسدة وسارقة.

معركة بين طالبي عزة وبين أنظمة حاكمة منكسرة وذليلة أمام العدو الخارجي.

معركة بين طالبي دين وبين أنظمة علمانية معادية للدين ولمنهجه في الحقيقة.

معركة بين مناصرين لإخوانهم المستضعفين والمحتلين في فلسطين وغيرها، وبين أنظمة خائنة عميلة توالي أعداء الأمة والدين، من المحتلين الغاصبين، وتشاركهم في حصار المسلمين المستضعفين.

إذا كان إنكار المنكر بالقلب وكره الخطيئة كافياً لنجاة العبد من غضب الله وسخطه وحشره مع الظالمين أهل المنكر والخطيئة، فإن هذا لا يتساوى أبدا مع من وقف ضد المنكر والخطيئة والظلم والطغيان بيده وبلسانه، ودفع لأجل ذلك ثمناً باهظا من حريته، سجناً ومطاردة وهجرة

وبالرجوع للحديث المذكور في أول المقال فإننا لا بد أن نؤكد على أنه: إذا كان إنكار المنكر بالقلب وكره الخطيئة كافياً لنجاة العبد من غضب الله وسخطه وحشره مع الظالمين أهل المنكر والخطيئة، فإن هذا لا يتساوى أبدا مع من وقف ضد المنكر والخطيئة والظلم والطغيان بيده وبلسانه، ودفع لأجل ذلك ثمناً باهظا من حريته، سجناً ومطاردة وهجرة.

ليسوا سواء... فإذا كانت أبواب الجنة قد جُعلت حتى يعبرها أولئك الذين سكتوا عن المنكر مع كرهه وتمني زواله، ثم ليقيموا في أولها وأدناها، فإن أعالي الجنة وفراديسها قد جُعلت للذين يدافعون المنكر بمواقفهم وألسنتهم وأقلامهم، أولئك المجاهدين الثابتين الصابرين المحتسبين.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتب وشاعر وروائي مصري، مهتم بالفكر الإسلامي والحركة الإسلامية

شاهد أيضاً

مسؤولية التعلم ولو في غياب “شخص” معلم

ربما من أوائل ما يتبادر إلى الذهن عند الحديث عن العلاقة بين المعلم والمتعلم، قصيدة …