إذا أردت أن تقتل إنساناً، فلا تطلق عليه رصاصة، بل أطلق عليه إشاعة[/tweetable]، بهذه الكلمات البسيطة عبر (الأمير شكيب أرسلان) عن مدى خطورة الشائعة في تدمير الإنسان والمجتمعات والأوطان، فخطورة الشائعات لا تتوقف عند حد الأفراد بل تتخطى هذا الحيز الشخصي إلى حد استهداف المجتمعات والأمم بسلاح الشائعات.
ما هي الشائعة؟
الشائعة خبر مدسوس كلياً أو جزئياً و ينتقل شفهياً أو عبر وسائل الإعلام دون أن يرافقه أي دليل أو برهان و يقصد به تحطيم المعنويات.
ويعرف تشارلز أنندل الشائعات بأنها (عبارة عن رواية تتناقلها الأفواه دون أن ترتكز على مصدر موثوق به ويؤكد صحتها).
وتعرفها مجلة الفكر العسكري بأنها: (بث خبر من مصدر ما في ظرف معين، ولهدف ما، يبغيه المصدر دون علم الآخرين، أو هي الأحاديث والأقوال والأخبار التي يتناقلها الناس، والقصص التي يرْوونها، دون التحقق من صحتها، أو التثبت من صدقها).
فالشائعات سهم حر اُطلق من مصدر خفي ليصيب كل ما يقابله ، من أفراد ومجتمعات وأمم، فالشائعات سلاح فتاك يجب على قادة الأمم أن ينتبهوا له وإلا صار بالنسبة لهم الكابوس المفزع القاضي على كل البناء والهادم له ولكل نجاح يهدفون إلى تحقيقه.الشائعات سلاح فتاك يجب على قادة الأمم أن ينتبهوا له وإلا صار بالنسبة لهم الكابوس المفزع القاضي على كل البناء والهادم له ولكل نجاح يهدفون إلى تحقيقه
أهداف الشائعات
1. بث الخوف والرعب والحقد والكراهية والعداوة، وزرع بذور الفتنة والشك واليأس في نفوس الجمهور والمجتمع المستهدف.
2. تشويه سمعة وصورة الأفراد والجماعات والهيئات والمجتمعات والشعوب والدول والقادة أمام الجميع.
3. خلخلة وحدة الصف والمجتمع.
4. تهجير المدنيين عن طريق بث الرعب في قلوبهم أثناء الحروب والصراعات.
5. تحطيم إرادة القتال لدى المجتمعات والجماهير المستهدفة.
6. تثبيط معنويات المدنيين والعسكريين وإرباك حساباتهم وإحباط معنوياتهم.
7. العمل على تكوين الرأي العام أو قياسه أو تعبئته أو تضليله، حول موضوع ما يلامس حياة الناس اليومية أو تجاه قضايا المجتمع المستهدف.
معادلة خطورة الشائعات:
تستمد الشائعات خطورتها من عنصرين في قمة الخطورة والأهمية في ذات الوقت وهما:
- الغموض: وهو مدى إثارة الشائعة لدى الجمهور المستهدف، أو مدى توافق الموضوع وفضول المجتمع المستهدف (هذا ما يزيد من تحريف الشائعات واتساع رقعة التأثير لها).
- الأهمية: وهي مدى توافق الشائعة واهتمامات الجمهور والمجتمع المستهدف (هذا ما يدفع الأفراد لتبني الشائعة وتناقلها).
معادلة الشائعة : الغموض X الأهمية = انتشار وتبني الشائعة.
وكما أن عنصري (الأهمية والغموض) سبب في انتشار وتبني الشائعة فهما في نفس الوقت يساعدان القائمين على صد الشائعات ومقاومتها في تقليل انتشار وتبني الشائعات بالعمل عليهم بتحجيم الشائعة.
أسباب خطورة الشائعة:
- فجوة المعرفة بداخل المجتمعات تجعل لترويج الشائعات بيئة خصبة.
- الفضول الإنساني يزيد من تلك الخطورة الكامنة بالشائعات.
- الأزمات النفسية للأفراد.
- قلة الارتباط بالتعاليم والأخلاق الدينية أيضاً من أهم الأسباب المضخمة لخطورة الشائعات.
- قلة الوعي وتفهم الأحداث والمآلات وطبيعة الصراع طامة كبيرة.
الشائعة في القرآن والسنة:
النصوص الشرعية تناولت هذا الموضوع وقد حذرت منه ومن مخاطره ونتائجه، ومن الأمثلة عليها:
- {إنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ} [النور:19]
- {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ} [النور:4].
- {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً} [الأحزاب:58].
- {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ} [القمر:9].
- عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إياكم والظن؛ فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا ولا تجسسوا ولا تنافسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا". (رواه البخاري)
- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع" (رواه مسلم)، وفي رواية: "كفى بالمرء إثما" (رواه الحاكم في المستدرك).
- وعن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ألا أُخبِركم بشراركم»؟! قالوا: بلى يا رسول الله، قال: «المشّاؤون بالنميمة، المفسدون بين الأحبة، الباغون للبرآء العنت» (رواه أحمد في مسنده).
المنهج الإسلامي في الوقاية وعلاج الشائعات:
- التربية الإسلامية القويمة والقائمة على الأخوة الصادقة وحسن الظن أحد أهم الوسائل العلاجية والوقائية من خطر الشائعات فتأمل في قوله تعالى: {لَّوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَٰذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ} [النور:12]. وقوله تعالى: {وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَٰذَا سُبْحَانَكَ هَٰذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} [النور:16].
- تحري الدقة في تناقل الأخبار والتثبت واليقين فتأمل معنا أخي القارئ قوله عز وجل: {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيم} [النور:15]. وقوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات:6]. وقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: "إن الظن أكذب الحديث"(رواه البخاري) وقوله أيضاً: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك" (رواه الترمذي).
- التحذير من العقاب الأخروي وتطبيق الحد دنيوياً كانوا من أهم عناصر ردع القائمين على تناقل الشائعات والأخبار الكاذبة التي لا مصدر لها ولا أساس فاسمع رعاك الله لقوله: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النور:19].
- وضوح القيادة وشفافيتها أمام الرعية تقي من الشائعات، فترك الرعية فريسة للغموض وعدم نشر الحقائق يجعلهم عرضة لها. وفي موقف المختار صلى الله عليه وسلم مع الصحابة كان خير دليل عندما أسرع في إجلاء الحقائق وتوضيح الأمور فعن صَفِيَّةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا جَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزُورُهُ فِي اعْتِكَافِهِ فِي الْمَسْجِدِ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، فَتَحَدَّثَتْ عِنْدَهُ سَاعَةً ثُمَّ قَامَتْ تَنْقَلِبُ، فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهَا يَقْلِبُهَا، حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ بَابَ الْمَسْجِدِ عِنْدَ بَابِ أُمِّ سَلَمَةَ مَرَّ رَجُلَانِ مِنْ الْأَنْصَارِ فَسَلَّمَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَلَى رِسْلِكُمَا، إِنَّمَا هِيَ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ. فَقَالَا : سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؛ وَكَبُرَ عَلَيْهِمَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ الشَّيْطَانَ يَبْلُغُ مِنْ الْإِنْسَانِ مَبْلَغَ الدَّمِ، وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شَيْئًا" (متفق عليه).
وضوح القيادة وشفافيتها أمام الرعية تقي من الشائعات، فترك الرعية فريسة للغموض وعدم نشر الحقائق يجعلهم عرضة لها
- الصلابة النفسية للمجتمع المسلم أيضاً من أهم وسائل مقاومة الشائعات والوقاية منها فبمجرد مواجهة المجتمع للشائعات بشجاعة يقضي عليها ويضع للمروجين حد لتلك الأكاذيب أما الهروب منها والاستسلام لها يزيد من انتشارها وشراستها. ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوجه العفيف السيدة عائشة رضى الله عنها قدوة حسنة في الصلابة النفسية في مواجهة الشائعات بقوة وشموخ.
إن ما تواجهه المجتمعات العربية والإسلامية في المرحلة الحالية من حروب نفسية وفي مقدمتها استخدام الأعداء ووكلائهم وعملائهم للشائعات ليجعلنا نفكر بشكل جدي في تعلم استراتيجيات مواجهة تلك الأفاعيل والسموم باحترافية ومهارة، لا بشكل عفوي أو ارتجالي فما نواجهه بعلم لا يتصدى له إلا بالعلم.