العقل المسلم: النشأة والتكوين والتميز

الرئيسية » حصاد الفكر » العقل المسلم: النشأة والتكوين والتميز
p22_books

العقل المسلم مصطلح أُخذ من قبيل وصف الإنسان بالصفة الفكرية التي يحملها، وينظر من خلالها إلى الأشياء، ونقصد به مادة الفكر في عقل هذا المسلم (المرجعية والمنهج ومسارات التفكير والسلوك وطرائق تفسيره لظواهر الكون والحياة والإنسان).

وقد نشأ هذا العقل، وبدأ تكوينه، يوم بدأ هذا العربي يستجيب لنداء رسالة السماء، التي خاطبته بالإقناع والإعجاز.

وعندها خالطت فكره وقلبه، فاختار الإسلام منهجا وعقيدة ونظاما لحياته، فاستمد من مرجعية الوحي علمه وفهمه للحياة، وجعل من هذه المرجعية مصدرا وحيدا لفهمها وتفسيرها، فاستخرج منها شرائعه وسلوكه، وخضع لها في مؤسسات الدولة والمجتمع وبناء الحضارة.

كان ذلك يوم أضاء الرسول صلى الله عليه وسلم عقول الرجال بنور القرآن والسنة ثم تتابع هذا الفعل في أبناء الأمة من الصحابة الكرام، والتابعين وتابعيهم، والمجددين من علماء الأمة عبر العصور.

وبمرور الزمن، وتعاقب جهود الأجيال، أدى تراكم الخبرة عند علماء هذه الأمة إلى فقه هذه المرجعية، والتعمق فيها، حتى وصلت الأمة إلى مصطلحاتها الفكرية المستقلة، الخاصة بها، والتي تصف بها منتجاتها، في الفكر والعقيدة والحضارة وغيرها، وهكذا تأكدت خصوصية هذا العقل في مناهجه وتفكيره ومحاكماته، وبذلك انفصل هذا العقل عن الحضارات المجاورة، وتميز عنها مستقلا بذاته، ويمكننا أن نوجز هذا التميز وتلك الخصوصية في الخطوط العريضة التالية:

الخطوط العريضة لخصوصية العقل المسلم:

أ- اتخذ العقل المسلم علم الوحي المتمثل بالقرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة مرجعية له، يفكر من خلالها في الحياة، ثم اعتمد على هذه المرجعية وإحالاتها لهذا العقل في فهم الوجود، لأن الوحي والوجود صادران عن مشيئة واحدة هي إرادة الله سبحانه وتعالى، فالوحي يمثل الكتاب المسطور والوجود يمثل الكتاب المنظور.

ثم جاء جهد هذا العقل في استيعاب هذه المرجعية وفقهها، حيث تمكن علماء الأمة من الوصول إلى منهجية التعامل، مع نصوص الوحي في علم مستقل يضبط هذه المنهجية، ويحميها من الانحراف عن مقاصد الوحي، وهذا العلم هو علم أصول الفقه وهو علم مبني على ما يسمى علوم الأمة (علوم اللغة، وعلوم التفسير، وعلوم القرآن، وعلوم الحديث ...) وهي العلوم التي اختصت بخدمة علم الوحي وتفصيل مقاصده.

وتبين للعقل المسلم أن علم الوحي يرشده إلى مصدرين للعلم والمعرفة هما:

1ـ علم الأمر الرباني: «علم الثابت» ومصدره آيات الوحي التي تفصل لهذا العقل: الحلال والحرام، ونظام الحياة، والإجابة عن الأسئلة الكبرى التي تشغل العقل البشري (علم العقيدة) والعبادات، وعلاقة الإنسان مع الله سبحانه وتعالى ومع أخيه الإنسان ومع الوجود وغيرها.

2ـ علم الإحالة إلى الوجود: «علم المتغير» وهو العلم الذي يتناول الأمر الرباني للعقل المسلم بهدف اكتشاف سنن الحياة والوجود وتوظيفها لخلافة الإنسان في عمارة هذه الأرض، ومن خلال منهجية إخضاع المتغير للثابت.

ب- حماية المرجعية من العبث والمحافظة على التميز، وذلك باعتبار القرآن الكريم والسنة الشريفة وما يتبعه من علوم الأمة المرجع الوحيد الذي لا يجوز التلقي من غيره، إلا بالخضوع لمنهجه، وهذا يحقق للامة وحدة المشرب ووحدة التفكير، ويحفظ لهذا العقل الصفاء والتميز والاستقلال، ويحميه من التلوث بالمناهج المخالفة.

ج- وتأكيدا لذلك الأمر في المحافظة على صفاء المنهج، انخلع المسلم من ثقافته السابقة (الجاهلية) ورمى بها من وراء ظهره، لأن القرآن الكريم لا يفتح كنوز علمه لمن يريد أن يفرض عليه ثقافته السابقة، حيث تقف هذه الثقافة حاجزا ومعطلا بينه وبين فهم القرآن، وهنا يمكن أن نفرق بين تخزين الخبرة الثقافية وبين نقل الثقافة.

د- يعترف المسلم أن العقل البشري طاقة هائلة، وبه يتم اكتشاف واستيعاب سنن الله في الكون والحياة، وبه يتم فقه أوامر الله سبحانه وتعالى فيما جاء من علوم الوحي، ولكنه يعلم أنه محدود القدرة، ولذلك يجب ألا تهدر طاقاته فيما لا يستطيع، مما هو ليس من قدرته ولا في مجاله، كالبحث في عالم الغيب، وتفسير الوجود، والإجابة عن الأسئلة الكبرى من أمور العقيدة، والعبادات، وقواعد بناء المجتمع الفاضل، والعدل، والسلوك، والأخلاق، والتشريع لحياة البشر بالتحليل أو بالتحريم ولذلك فهو قاصر فيها، فيكل هذه الأمور إلى علم الوحي لأن الحاكمية فيها لله وحده، ووظيفة العقل في هذه الأمور هي: الاستيعاب لنصوص الوحي، وفقه مقاصدها، وتنفيذ الأوامر الربانية الواردة فيها.

معلومات الموضوع

مراجع ومصادر

  • السبيل الأردنية
اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

قراءة سياسية في عبادة الصيام

عندما نضع الصيام في سياق العبادة في الإسلام نجد أن العبادة وسيلة تحقق غايات عليا …