تقول الأبحاث إن معظم الناس يظنون أن التربية الحازمة تُنشِّئ أطفالًا يحسنون التصرف أفضل من غيرهم، مع ذلك فالدراسات المتعلقة بالتأديب تقول بأن تربية #الأطفال بصورة صارمة واستبدادية تؤدي إلى نشوء أطفال لا يثقون بأنفسهم، ويتصرفون بصورة أسوأ من الآخرين، وبالتالي يُعاقَبون بنسبة أكبر، فالتربية الحازمة إذن كثيرًا ما تخلق مشكلات سلوكية عند الأطفال، فلماذا؟ إليكم سبعة أسباب:
1- التربية الصارمة تحرم الطفل من فرصة إضافة مساحته الخاصة فيما يتعلق بالنظام والمسؤوليات:
فالقواعد المتشددة يمكن أن تتحكم في التصرفات بصورة مؤقتة، ولكنها لا تساعد الطفل على تعلم التنظيم الذاتي ، كما أن القواعد الصارمة تجعل الأطفال لا يرغبون مستقبلًا في تحمل مسؤولية أنفسهم، فلا يوجد دافع داخلي لدى الأطفال أقوى من التنظيم الذاتي، بيد أنه يتطور من خلال احترام واستيعاب مشاعر وعقلية الطفل لا الاستبداد، فلا أحد يحب أن يتم التحكم فيه، ولا عجب في أن الأطفال يرفضون القيود التي لا تعاطف فيها، فهم يرون حينها "بؤرة التحكم" خارج نطاقهم، وبالتالي لا تدفعهم تلك القيود لتحسين تصرفهم كما يرغب الآباء.القواعد الصارمة تجعل الأطفال لا يرغبون مستقبلًا في تحمل مسؤولية أنفسهم، فلا يوجد دافع داخلي لدى الأطفال أقوى من التنظيم الذاتي
2- التربية المستبدة، وإرساء القواعد بلا تعاطف، تعتمد على الخوف، وتُعلِّم الطفل "التَّنمُّر":
الأطفال يتعلمون من تصرفاتك ومما يعايشونه، والحال كذلك، فإذا كان الأطفال يقومون بما تأمرهم به لأنهم يخافون منك، فما الفرق بين هذا التصرف وحقيقة التنمر؟! إذا صرخت، سوف يصرخون، وإذا استخدمت القوة، فسوف يستخدمونها هم كذلك.
إذا كان الأطفال يقومون بما تأمرهم به لأنهم يخافون منك، فما الفرق بين هذا التصرف وحقيقة التنمر؟! إذا صرخت، سوف يصرخون، وإذا استخدمت القوة، فسوف يستخدمونها هم كذلك
3- الأطفال الذين ينشؤون على أسلوب التأديب بالعقاب، يكونون عرضة للغضب والاكتئاب:
وهذا يرجع إلى أن التربية الاستبدادية توصل رسالة إلى الطفل بأن جزءًا فيه لا يعتبر مقبولًا أو محبوبًا ، وأن الآباء ليسوا على استعداد لتعليمه كيف يتغلب عليه، أو يتعامل مع تلك المشاعر السلبية التي تؤدي به لإساءة التصرف، بل يُترَك الطفل وحده ليحاول هو التعامل مع الجوانب السلبية فيه، والتغلب عليها إذا نجح.
4- التربية الحازمة تعلم الأطفال أن القوة هي الصحيحة على الدوام:
فهم يتعلمون الطاعة، ولكن لا يتعلمون التفكير بأنفسهم، لذا، ففي مستقبل حياتهم، لن يقوموا باستجواب السلطة إذا ما تطلب الأمر ذلك، كما أن هؤلاء الأطفال قد لا يتحملون مسؤولية أفعالهم، ويغدون أكثر ميلًا ليتَّبِعوا أقرانهم فيما يقومون به، علاوة على أن أسلوب التربية الاستبدادي من شأنه دفع الأطفال لتجنب تحمل المسؤولية، وذلك بأن يتحججوا بأنهم كانوا "ينفذون الأوامر".
أسلوب التربية الاستبدادي من شأنه دفع الأطفال لتجنب تحمل المسؤولية، وذلك بأن يتحججوا بأنهم كانوا "ينفذون الأوامر"
5- يميل هذا النوع من الأطفال ليكون أكثر تمردًا:
تقول الدراسات بأن الأطفال الذين تربوا باستبدادية يكونون أكثر عرضة للغضب والتمرد في فترة المراهقة والشباب ، ولنعرف السبب، فلننظر إلى الأمر من منطلق البالغين، فلنقل أن معظمنا تربى بدرجة معينة من الشدّة، وبالتالي صرنا نُستثار من مسألة التحكم بنا، حتى إذا كنا نحن أحيانًا من نفرض ذلك التحكم، وهذا يعني أن الأمر ينتهي بعجزنا عن التحكم في أنفسنا، أحيانًا يظهر هذا الشعور في صورة غضب أو استياء من أي قيد أو نقد، وربما بالمبالغة في ردة فعلنا إذا ما حاول أحدهم إملاء ما يتوجب علينا القيام به، فمثلًا يمكننا أن ندخل في حمية قاسية ثم نتمرد عليها بحالة من النهم! (ومما لا يدعو للعجب فقد أظهرت الدراسات أن الأطفال الذي تعرضوا لتربية قاسية هم أكثر عرضة للسمنة).6- هؤلاء الأطفال معرضون أكثر للوقوع في المشاكل:
وذلك لأنهم "يفعلون الصواب" فحسب حين يتواجد الآباء، كما أنهم يصيرون كذابين من الدرجة الأولى؛ بسبب لجوئهم الدائم للتغطية على أفعالهم "الخاطئة"، والتي لا يقومون بها إلا في غياب آبائهم.
7- التربية الصارمة تضعف من أواصر العلاقة بين الآباء وأولادهم:
فالآباء الذين على علاقة طيبة بأبنائهم، سيُجبَرون على قطع أواصر التعاطف مع أطفالهم، مما سيجعل العلاقة غير مرضية بالنسبة لللآباء والأطفال معًا، كما ستمسي التربية أزمة حقيقية بالنسبة للآباء؛ لأن أطفالهم سيفقدون الرغبة في إسعادهم، وستغدو إدارتهم والتعامل معهم أكثر تحديًا، وعلى هذا، فالتربية القاسية لا يُسفر عنها إلا آباء تعساء وأبناء بؤساء، فالأطفال الذين تربوا هذه التربية سينتهي بهم الأمر إلى نزاعات مع والديهم، وإلى نوبات غضب مستمرة، وحين يكبرون، قد يبدؤون في البحث عن الحب ولكن في كل الأماكن الخطأ، وربما بالأساليب الخطأ كذلك!
باختصار، الاستبدادية لا تساعد على تنشئة أطفال يحسنون التصرف، بل على العكس تمامًا، فهي تقوم بتخريب كل الأمور الإيجابية التي نقوم بها كآباء، وتعيق مجهود أطفالنا في تطوير انضباطهم الذاتي المؤثر.
والسؤال هنا: هل تنجح التربية اللينة (المرنة والمتساهلة)؟ لا، إذن ما هو نوع التربية الفعّال؟ تقول الدراسات بأن هناك طريقة أخرى تعمل بصورة أفضل، وتسمى التربية الموثوقة أو "التربية ذات القيود التعاطفية"، فنحن في هذا النوع ما زلنا نضع القواعد ولكن نغلفها بالتعاطف والحب، فالأطفال يزدهرون من خلال القواعد التي نرسيها، والتوقعات التي نرسمها (فيما يتناسب وأعمارهم)، ولكن فقط حين يُصاحبها الحب.
وهذا الأسلوب لا يعني فحسب وجود حل وسط بين التربية الاستبدادية والمتساهلة، ولكنه يعني كذلك الوصول إلى نقطة وسط، وذلك بالسماح لبعض الأمور التي قد لا تكون في صالح الطفل مثل السهر في الليل، في مقابل استخدام العقاب مثل الوقت المستقطع، بعبارة أخرى، هذه الطريقة قد لا تكون هي الأفضل بالنسبة للآباء أو الأبناء -وإن كانت أقل وطأة في الجوانب السلبية من نظيرتها الاستبدادية والمتساهلة-؛ والسبب أن الآباء قد يشعرون بأنهم مجبورون على القيام بحلول وسط والتخلي عن معاييرهم أحيانًا، ومع ذلك يستمر الأطفال على حالهم ولا يتصرفون على النحو المراد الحسن، وقد يكون مرجع ذلك أن الآباء ما زالوا يستخدمون العقاب في ذلك الأسلوب من التربية.
وأخيرًا، علينا أن نضع في اعتبارنا أننا كآباء علينا أن نسعى إلى التوقعات والقواعد التي تضمن تصرف أولادنا بأفضل صورة ممكنة، بوجود قدر من اللين والحزم معًا، وهذه المزيج من التعاطف والقواعد هي الوصفة السحرية التي تصنع أطفالًا رائعين، وآباء مميزين.
كتب ذات صلة بالموضوع
معلومات الموضوع
مراجع ومصادر
- https://www.ahaparenting.com/parenting-tools/positive-discipline/strict-parenting