فكر حركة الاستنارة وتناقضاته

الرئيسية » كتاب ومؤلف » فكر حركة الاستنارة وتناقضاته
9847307._UY630_SR1200,630_

عنوان كتاب اليوم "فكر حركة الاستنارة وتناقضاته"، للمفكر وعالم الاجتماع عبد الوهاب المسيري (1938 – 2008). وهو بحث مركز، فيه خلاصة ما ورد بتوسع أعمق في مؤلفات أخرى، خاصة العلمانية الجزئية والشاملة، عن أهم التناقضات التي تتبعها المؤلف في فكر حركة الاستنارة أو التنوير Enlightenment، خاصة في النسخة العربية المستوردة.

مع الكتاب

ينقسم الكتاب لأربعة فصول:

1. مصطلح "الاستنارة" في الخطاب الفلسفي العربي.

2. أصول فكرة حركة الاستنارة.

3. فكر حركة الاستنارة وبعض مصادرها الأساسية.

4. بعض التناقضات الكامنة في فكر حركة الاستنارة.

الفصل الأول يعرض للتعريفات المختلفة لمصطلحي الاستنارة والتنوير، اللذين سادا الخطاب العربي الفكري والفلسفي والاجتماعي. ويرى المسيري أن الدراسات العربية التي تناولت فكر حركة الاستنارة كانت عموما دراسات سطحية "تميل إلى التعريفات السهلة البسيطة العامة"، ولا ترقى لتقديم نموذج عميق وحقيقي. ويلاحظ كيف أن مختلف التفسيرات تختزل فكر الاستنارة في مجموعة من "الأهداف النبيلة" التي لا يمكن للإنسان أن يختلف معها –ظاهريا على الأقل-، في تعريفات مثل: "شجاعة استخدام العقل"، "لا سلطان على العقل إلا سلطان العقل"، أو عبارة كانط الجسورة: "كن جريئاً في إعمال عقلك".

الدراسات العربية التي تناولت فكر حركة الاستنارة كانت عموما دراسات سطحية "تميل إلى التعريفات السهلة البسيطة العامة"

في الفصل الثاني، تتعمق النظرة لأصول نشأة فكر الاستنارة عندهم مقابل تصورنا عنها. فينوه المؤلف على أن فلك الاستنارة الذي يدور حوله الفكر العربي هو فلك الحضارة الغربية التي لا تتعدى الفكر الماركسي والليبيرالي، المتمركز بالأساس في فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية وإنجلترا. لكننا نجهل بشكل تام أي شيء متعلق بالاستنارة الصينية مثلا أو غيرها من النماذج الشرقية أو حتى الأوروبية الأخرى. فنحن نعامل الأنموذج الغربي للاستنارة على أنه الأنموذج الوحيد الذي يُعنى بقضايا النهضة والإصلاح والتقدم ، متناسين في ذلك أننا نحصر أنفسنا في فكر ينتمي للمعجم الفلسفي والحضاري الغربي، وهو ما يناقض دعاوى عالمية الفكر التي ينادي بها المتفتحون!

من جهة أخرى، يلاحظ المؤلف أن الفكر العلماني العربي حين يقتبس من الغرب، فإنه على ما يبدو "يتجاهل حقيقة أن مصطلحات الآخر ليست جزءا من معجمه اللغوي وحسب، وإنما هي جزء من معجمه الحضاري أيضا".

الفكر العلماني العربي حين يقتبس من الغرب، فإنه على ما يبدو "يتجاهل حقيقة أن مصطلحات الآخر ليست جزءا من معجمه اللغوي وحسب، وإنما هي جزء من معجمه الحضاري أيضا"
فمنشأ فكر حركة الاستنارة وعصر النهضة ككل، واصطلاحات النور هذه، إنما توضع في الأدبيات الغريبة مقابل عصور الظلمات الوسطى، بما تحمله الظلمة والنور من دلالات عندهم  (كتسلط الكنيسة باسم الدين، وفصل الخاص والعام، وغيرها من قضاياهم هم).

ولنا أن نسأل في المقابل حين نستورد نفس الاصطلاحات للتعبير عن عصورنا: هل العصر العباسي الأول (الذي يقابل فترة عصر الظلمات عندهم) هو أيضا عصر ظلمات بالنسبة لنا يتبعه عصر نهضة ثم عصر استنارة؟ يعلق المسيري مجيبا: "إن اقتباس الصور المجازية على النحو أمر فكاهي! يدل على ان بعض الاخوة العلمانيين غير عقلانيين في إيمانهم بالغرب. حتى أنهم ينساقون للنقل بهذا الشكل دون تحكيم للعقل!".

ويختم الفصل الثاني بالتمييز بين نقل الفكر بوصفه منظومة متكاملة، ونقل الأفكار بوصفها شذرات معرفية. فعندما "يتم نقل الأفكار دون إدراك للنموذج الكامن وراءها، يتم تجاهل أبعادها المعرفية. ومن ثم يختفي المنظور النقدي، وتتعايش الأفكار المتناقضة جنبا إلى جنب، ولا يمكن التمييز بين الجوهري منها و الهامشي".

الفصل الثالث يعرّج بالتفصيل على مختلف المدارس والمذاهب الفلسفية التي تناولت مفاهيم التنوير، وأركانه الثلاثة: العقل والطبيعة والإله. ومن أبرز الأعلام المذكورين: جون لوك ورينيه ديكارت وروسو وفولتير.

الفصل الرابع يتناول مكامن التناقض التي تتبعها الباحث، على مدى تطور تعريف التنوير والاستنارة وتطبيقاتها العملية. من أهمها تأرجح مركزية الوجود حول الإنسان والإنسانية حينا، والطبيعة والمادية حينا آخر. ومنها كذلك قضية طبيعة تحكيم العقل بين كونه متفاعلاً مؤثراً في مجريات حركة الكون من جهة، أو متلقياً منفعلاً بها من جهة أخرى. ومنها معايير وموازين الأخلاق والخير والشر، بل إن قضية وجود الشر والخير لم تحسم بعد في ظل نظرية النسبية! والخلاصة أن تاريخ الفلسفة الغربية منذ عصر النهضة في الغرب، ما هو إلا تاريخ الصراع بين النزعة نحو إنكار الطبيعة/المادة وتأليه الانسان، أو النزعة المضادة نحو تأليه الطبيعة/المادة وإنكار مركزية الإنسان.

وقد أحسن المسيري بتلخيص أزمة فهمنا للاستنارة في قوله:

"يقوم الفكر العلماني العربي بنقل أطروحــات الاستنارة من الغرب بكفاءة غير عادية تبعث على التثاؤب والملل أحياناً، وعلى الحزن والغم الشديدين أحياناً أخرى، فهو ينقل دون أن يُحوِّر أو يُعدِّل أو ينتقد أو يُراجع".

يقوم الفكر العلماني العربي بنقل أطروحــات الاستنارة من الغرب بكفاءة غير عادية تبعث على التثاؤب والملل أحياناً، وعلى الحزن والغم الشديدين أحياناً أخرى، فهو ينقل دون أن يُحوِّر أو يُعدِّل أو ينتقد أو يُراجع

مع المؤلف

للمفكر وعالم الاجتماع عبد الوهاب المسيري (1938–2008). ولد المسيري في مدينة دمنهور في مصر، وتخرج في كلية الآداب جامعة الإسكندرية عام 1959، وحصل على الماجستير في الأدب الإنجليزي المقارن من جامعة كولومبيا في نيويورك 1964، وعلى الدكتوراه من جامعة رتجرز بنيوجيرسي 1969. قام بالتدريس في عدة جامعات عربية، مثل جامعة عين شمس (مصر) وجامعة الملك سعود (السعودية) والجامعة الإسلامية العالمية (ماليزيا)، وعين عضو مجلس الخبراء في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، ومستشارا ثقافيا للوفد الدائم لجامعة الدول العربية لدى هيئة الأمم المتحدة في نيويورك، وعضو مجلس الأمناء في جامعة العلوم الإسلامية والاجتماعية ببليسبرج في ولاية فرجينيا الأميركية.

وصدرت له عشرات الدراسات والمقالات بالعربية والإنجليزية عن إسرائيل والحركة الصهيونية، وذاع صيته كواحد من أهم مفكري ومحللي حركة الحداثة وما بعد الحداثة. ومن أبرز مؤلفاته بالعربية:

- رحلتي الفكرية (سيرة ذاتية)
- موسوعة الصهيونية
- العلمانية الجزئية والشاملة
- التمركز حول الأنثى
- العلمانية تحت المجهر
- الحداثة وما بعد الحداثة

بيانات الكتاب:

- فكر حركة الاستنارة وتناقضاته
- تأليف: عبد الوهاب المسيري
- سلسلة: في التنوير الإسلامي - 21
- دار نهضة مصر للنشر والتوزيع، 1998
- 70 صفحة

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتبة ومحاضِرة في الأدب والفكر وعُمران الذات. محرّرة لغوية ومترجِمة. مصممة مناهج تعليمية، ومقدّمة دورات تربوية، وورش تدريب للمهارات اللغوية. حاصلة على ليسانس ألسن بامتياز، قسم اللغة الإنجليزية وآدابها.

شاهد أيضاً

تراث القدس.. سلوة النفس

يعد هذا الكتاب القيّم تراثًا مقدسيًّا فلسطينيًّا مبسّطًا - إلى حد ما - ومجمّعًا بطريقة …