الباحث في المنشورات الفكرية والإعلامية التي تصدر في الغرب والمتابع للكثير من التصرفات والتقارير وما يصدره بعض المستشرقين والكُتّاب يجد أمثلة صارخة على حقد، وبذاءة، وكراهية مسرفة للدين الإسلامي.
في أمريكا نُشر تقرير عن تخوف أحد أعضاء البرلمان، يحمل التقرير عنوان: نائب جمهوري: وصول مسلمٍ إلى الكونجرس الأمريكي يهددُ قيم أمريكا؛ لأنه وحسب وجهة نظره سوف يتبع وصول النائب المسلم (كيث أليسون) زيادة عدد الناخبين المسلمين والذين سيطالبون لاحقاً باستخدام القرآن الكريم في مراسم أداء اليمين، أما في بريطانيا أصدر قرار يشمل جميع المكتبات العامة ويقضي بمنع ظهور نسخ المصحف (القرآن الكريم) في رفوف المكتبات ، بينما في ألمانيا يشغل الرأي العام تغلغل المسلمين في مناصب حساسة فيحاربون ذلك بكل الطرق.
يقول المستشرق مسيو كيمون في كتاب له بعنوان (باثولوجيا الإسلام): "إن الإسلام جُذام فشا بين الناس وأخذ يفتك بهم فتكاً ذريعاً، وما قبرُ محمد بمكة إلا عمود كهربي يبث الجنون في رؤوس المسلمين، والواجب إبادة خُمسِهم، والحكمُ على الباقين بالأشغال الشاقة المؤبدة، وتدمير الكعبة، ووضع ضريح محمد في متحف اللوفر" صلى الله على محمد وسلّم.
لماذا يكره الغرب الإسلامَ لهذه الدرجة؟
كراهية الغرب السافرة للإسلام ليست طارئة ولا عمياء، إنها نتيجة جهد منظّم وخطط مدروسة ولم تأت فجأة، فقد سبقتها الكثير من الخطوات التي أسست لعمق نفسي رسّخ للإسلاموفوبيا أو رهاب الإسلام.
كراهية الغرب السافرة للإسلام ليست طارئة ولا عمياء، إنها نتيجة جهد منظّم وخطط مدروسة أسست لعمق نفسي رسّخ للإسلاموفوبيا أو رهاب الإسلام
وقد نشرت صحيفة (إندبندنت) في مادة إعلامية عن الإسلاموفوبيا أن سببها كون الإسلام خليفة للنازية والشيوعية؛ لأن عقول المسلمين والنازيين والشيوعيين محشوة بفكر واحد على حد زعمهم.
معلوم أن الفوبيا هي الخوف المرضيّ الزائد من شيء ما، وهي فيما يتعلق بالإسلام لا تتعدى كونها وسيلة رخيصة ذات جذور ضاربة في تاريخ الغرب؛ لوضع أساس فكري لتلك الكراهية المخطط لها، ولتصبح الإسلاموفوبيا الشماعة التي تُبرر بها محارَبة الإسلام.
وقد بنيت أغلب مخططات التشويه مستضيئة بالتهم الملفقة للإسلام مثل: أن الفتوحات الإسلامية لا تتعدى كونها توسعات استعمارية لجمع الغنائم وأن الإسلام دين عنف انتشر بالسيف، وأن الإسلام هو السبب في العنف ضد المرأة ويوقع بتعاليمه ظلما عليها ولا يراعي حقوق الإنسان، كما تربط التهم بين العرب والإسلام بشكل عقيم، ويُتهمُ الإسلامُ بالبداوة، والمسلمون بأنهم لا يؤمنون بعيسى.
بالرغم من أن الشرائع فيها ما يكفي لدحض ذلك كله وتفنيده إلا أن العوامل التالية كانت سبباً مباشراً في تعميق الكراهية، والتي يمثل بعضها نقاط ضعف للأسف في تطبيق المسلمين للشرائع:
1. انتصارات الإسلام في أغلب حلقات الصراع الطويل بين الإسلام وإمبراطوريات أوروبا – الرومان والصليبيون والأندلس - منذ بزغت شمسُه.
2. ألاعيب المخابرات والاستشراق والتبشير التي وضعت خططا مُحْكَمة منذ بدء ظهور الإسلام ولا تزال تجدد وسائلها العلمية والإعلامية بمهارة يحركها الحنق على هذا الدين وتتغذى من كراهية غير مبررة.
3. خيانة كثير من المسلمين لدينهم العبقري بسلوكيات مسيئة، وتقصيرهم في التعلم والثقافة وإتقان العمل وإهمال أهم قيم الإسلام وأخلاقه كالجمال والنظام.
كيف يصوّر إعلام الغرب الإسلامَ؟
1. يصور إعلام الغرب الإسلام على أنه دين بداوة لا يناسب الحضارة:
نشر مقال بعنوان (الوجه القبيح للإسلام) للكاتب بيير جرين دورتون في صحيفة صنداي تايمز عام 1991 قال فيه: "إن الإسلام الذي كان حضارة عظيمة تستحق الحوار معها، قد انحط وأصبح عدواً بدائياً لا يستحق إلا الإخضاع" ولا تزال تستخدم الصحف البريطانية عناوين ترسخ لذلك الفهم المغرض، مثل: المسلمون قادمون، الحروب الصليبية مستمرة، سيف الإسلام يعود من جديد، العالم يتحكم به بدو الصحراء وشيوخ البترول، أما في فرنسا فيلصق الإعلامُ مصطلحات مثل: التشدد، التطرف، الحرب المقدسة، تعدد الزوجات، الإرهاب أينما ذكر الإسلام في الإعلام.
2. يصور إعلام الغرب الإسلام على أنه منشأ ثقافة جامدة لا تقبل التعددية:
فلا تستفيد مما يدور حولها من مناقشات عن الليبرالية، والتحديث والعصرانية والعلمانية وغيرها فهي لا تتلاقح مع الثقافات الأخرى، وأنها ثقافة -حسب زعمهم- مختلفة بل ومتطرفة في تفسير نصوص الشريعة، ويتعدى الأمر ذلك إلى تصوير الإسلام على أنه يهدد الثقافات الغربية.
3. يصور إعلام الغرب الإسلام على أنه يشمل عادات تمزّق عرى الاتصال الحضاري وتهدم الموروث التاريخي الخاص بالمجتمع البريطاني:
ولذلك أصبح المجتمع البريطاني يتقبل مصطلح إسلاموفوبيا والعداء على الإسلام كمسلّمة بل كتصرف يلقى تقديراً كبيراً واحتراما من كل مستويات المجتمع ، وكي يرسّخ لهذه الصورة يتبنى الإعلام وجهة نظر تقضي بأن الإسلام دين عدواني وإرهابي ودين غدر وترويع وتخويف، وأن القرآن مصدر للعنف واستباحة دماء الأبرياء.
4. يتعمد إعلام الغرب النشر السلبي ضد المسلمين والإسلام:
وحسب دراسة بحثية نشرتها الكاتبة آنا فيرالا عبر موقع جامعة جورجيا الأمريكية، تقول فيها: "إن الهجمات الإرهابية التي ينفذها مسلمون تحظى بتغطية إعلامية تزيد بنسبة 357% عن الهجمات التي ينفذها آخرون" فهي ترى أن جنسية وديانة مرتكب الجريمة وهويته تؤثر بشكل رئيس على التغطية الإخبارية وعناصرها وطرق بثها.
تقول أيضاً: "يخاف الناس هنا من الإرهابي المسلم بينما يتجاهلون تهديدات كثيرة تأتي من غير المسلمين" وقد أوردت نسباً في بحثها مثل: "ارتكب المسلمون متوسط 12.5% من الجرائم الإرهابية على مدار 10 سنوات، إلا أن أكثر من 50% من التغطية الإعلامية كانت من نصيب هذه النسبة الأقل.
5. يروّج إعلام الغرب افتراءات تهدف إلى التقليل من هيبة الإسلام والمسلمين:
وأمثلة هذه الافتراءات: المسلمون يعبدون إلهاً مختلفاً عن إله الغرب، وأن محمدا -صلى الله عليه وسلم- هو مخترع الإسلام والمسلمون يعبدونه، وأن الإسلام ضد حرية المعتقد والفكر، وأن لكل فتح إسلامي أهدافاً استعمارية اقتصادية لا تتعلق بنشر الدين الإسلامي، وأن القرآن تأليف بشري وليس وحياً إلهياً، كما أن الزكاة تقلل من الأموال، والحج والصيام يقللان حركة الإنتاج، وأخيراً يتهم الإسلام بأنه دين ضد السامية وذلك من خلال الآيات التي تتناول قضية اليهود.
6. يروجّ الإعلام الغربي أن رجال الدين الإسلامي يستخدمون الدين لتحقيق أغراض سياسية توصلهم إلى سدة الحكم وحسب.
ويركز إعلام الغرب على أصحاب التوجهات الدينية الإسلامية ويترصد أية زلة لدى أحدهم ليعممها، ويبني عليها خططاً لاحقا لاستكمال رسم الصورة المشوهة للإسلام.
كيف يغير المسلمون صورة الإسلام في الإعلام الغربي؟
ليس المطلوب هو الانفعال ولا ردة الفعل العاطفية فالعرب – والمسلمون عموماً - شعوب عاطفية، تشجب وتثور وسرعان ما تنطفئ بكبسولة مثل التي أشعلتها وربما من ذات الجهة ويسهل التلاعب بها وتغيير اتجاهها ومبادئها بالكلمات فقط .
المطلوب أعمق بكثير من مجرد ردة فعل؛ لأن إعادة البناء بعد محو آثار مجهودات تنفيذ خطط استمر عقوداً، سيحتاج إلى خطط أقوى، وحكمة وأناس ذوي قدر وعلم وسياسة، وبُنى تحتية وإعادة ضبط للبوصلة، ثم التأهيل للفكر والثقافة والأخلاق في ظل ذلك لاستكمال ما بدأه بعض المخلصين من جهد لتفنيد كل الافتراءات والاتهامات وتبديد الحنق، والموروث الإسلامي عامر بما يدعم ويسهل تلك المهمة.
إعادة ضبط البوصلة يتطلب ما هو أعمق من مجرد ردة فعل؛ ويحتاج إلى حكمة وأناس ذوي قدر وعلم وسياسة، وبُنى تحتية وإعادة تأهيل للفكر والثقافة والأخلاق
ومن الحنكة اختيار الوقت المناسب للبدء في تنفيذ خطط إعادة هيبة الإسلام إليه، يمرّ الغرب بحالة ضعف وهزال قد لا تبدو بدون تدقيق، فالداخلون في الإسلام يتزايدون، وبرغم كل تلك الجهود تجد قس الروم الكاثوليكي (دافيد مكلور) تنشر عنه الصنداي تلغراف، حديثه عن الإسلام بإيجابية؛ فقد قال حسب ما ورد: "الإسلام يملك نقاء وقوة تفتقدهما المسيحية" وانتقد التفكير السائد في الكنيسة الكاثوليكية واتهمه بالسطحية والتعقيد، كما أضاء القس على تراجع المسيحية في العالم الغربي، فبرغم الانتصار العسكري للحرب لا ينفي أنه أصبح عاجزاً عن تحقيق انتصار فكري.
ومن هنا فإن الخطوات السليمة لتغيير هذه الصور في الوقت المناسب تتمثل في:
1. رصد صورة الإسلام في القنوات الإعلامية والغربية ومتابعة ما ينشر عن الإسلام والمسلمين ثم إخضاعه للدراسة ووضع خطط ملائمة.
2. تطبيق وترجمة الحد الأدنى من توصيات الندوات والمحاضرات العربية والإسلامية التي تناقش وتتعرض لصورة الإسلام في الغرب وفي الإعلام الغربي من خلال عمل مؤسسي منظّم.
3. التفعيل العالمي للإعلام الإسلامي والتركيز على الدور المنوط بالأقليات المسلمة في الغرب.
كتب ذات صلة بالموضوع
معلومات الموضوع
مراجع ومصادر
- كتاب: صورة الإسلام في الإعلام الغربي/ تأليف د. محمد بشّاري. ط1. دمشق: دار الفكر ،2004م
- ورقة علمية: دور الإعلام في إيضاح الصورة الحقيقية للإسلام والمسلمين/ تأليف أ.د. فتحي عوض الملا.
- https://news.gsu.edu/2019/02/19/terror-attacks-by-muslims-get-disproportionate-news-coverage/