لماذا ينحرف البعض فكرياً

الرئيسية » بصائر تربوية » لماذا ينحرف البعض فكرياً
On the crossroads

لاشك أن الانحراف بشكله العام من أسباب التيه في الدنيا وضياع بوصلة العقل والقلب عن مراد الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.

ولعل أخطر أنواع الانحراف هو الانحراف الفكري؛ لما فيه من تبدل المفاهيم وعدم الالتزام بالأصول والقواعد والمعايير والأعراف المتواجدة في المجتمع الذي نحيا فيه جميعا.

ونحن اليوم سنتعمق في هذا الأمر "الانحراف الفكري" نذكر أسبابه ومظاهره سعياً منا في رسم خارطة للنجاة والأخذ بأيدي شبابنا خصوصاً من هذا الداء الخطير، الذى يضيع الدنيا والآخرة، فالعقل مناط التكليف وهو مستودع المعلومات والأفكار وكلما كانت سليمة كان القلب سليماً والمسار متناغماً مع مراد الله ورسوله.

مظاهر الانحراف الفكري

إن مظاهر الانحراف الفكري معدودة وواضحة وحينما تظهر في شخص فثق أنه انحرف فكره وتحولت مفاهيمه للأسوأ، من حيث يظن أنه على صواب تام وتبدلت أفكاره وأصابها الاعوجاج من حيث يحسبها على الصراط المستقيم. ومن أبرز مظاهر هذا الانحراف ما يأتي:

أولاً: استسهال الخطأ والشذوذ

إن الشخص المنحرف فكرياً يزين الخطأ لنفسه حتى يقنعها بأنه شيء عادي وفي الوقت نفسه يحذر الناس منه. فمثلاً إن كان داعياً أو واعظاً فإنه يقول ما لا يفعله مستغلاً براعته اللفظية والخطابية في دغدغة العقول والقلوب.

وقد يزين الباطل والمنكر ويجعله مباحاً، وكم من فتاوى شاذة ابتليت الأمة بها من خلال دعاة منحرفين فكرياً من حيث يظنون أنهم مجددون والأمثلة على ذلك كثيرة ومتجددة.

ويدخل في هذا التشدد في بعض المسائل، وإعطائها أكبر من حجمها، بل وتعليق الكفر والإيمان بها، في رأي مشاذ مخالف لرأي العلماء ونصوص القرآن والسنة.

ثانياً: الطعن في التاريخ ورموزه

إن قلب الحقائق وتشويه التاريخ والهمة العالية في تزييف الأحداث من أهم مظاهر الشخص المنحرف فكرياً، وفي هذا حدث ولاحرج. فبين الفترة والأخرى يخرج علينا من يطعن في الصحابة وينال من دورهم ورسالتهم، ظناً أنه وأمثاله يرفعون رايات التنوير والتثقيف، وهم يطفئون رايات المجد والشرف والجهاد في سبيل الله. وآخرون يطعنون في القادة الفاتحين كصلاح الدين الأيوبي وغيره، والأدهى أن سياسة التزييف التى ينتهجونها باطلة وليس لها محل من الإعراب فضلاً عن كونها لن تهز مكانة وقيمة هولاء القامات.

لكن الأمر يتمثل بمحاولة يائسة لتشتيت المسلمين وإزالة أي تعلق بهولاء النجوم وتعظيم دورهم، وربما هناك شيء في نفوس هؤلاء لايعلمه إلا الله يجعلهم يحتالون ويضللون ويزيفون الماضي طمعاً في حاضر مثمر لهم مادياً ومستقبل مريح، لكن على هولاء أن يدركوا أن السماء لايضرها نباح البعض.

يخرج علينا بين الفينة والأخرى من يطعن في الصحابة وينال من دورهم ورسالتهم، ظناً أنه وأمثاله يرفعون رايات التنوير والتثقيف، وهم يطفئون رايات المجد والشرف والجهاد في سبيل الله

ثالثاً: إثارة الحروب الإعلامية

والمعنى أنهم يعشقون الخلافات وإثارة النعرات التي تفتح الجدال والمراء والتشرذم، وفي نفس الوقت تفتح جبهات مع الأشخاص المعتدلين فكرياً، مثقفين كانوا أم دعاة، ونحن في مجتمعنا العربي عانينا ولازالنا نعاني من هؤلاء، والأخطر أن هذه الفئة مهما كان عددها يتم فرد مساحات إعلامية لهم ومنابر لإعلان الحروب وإثارة المشكلات وغرس الفتن والوشايات بين مجتمعاتنا، مستغلين في ذلك الموجة الغربية المتوافقة مع أهوائهم وأفكارهم الفاسدة، لكن الله من ورائهم محيط مع حتمية استنفار كل دعاة الفكر المعتدل لأقلامهم لفضح هؤلاء أمام الجميع.

أسباب الانحراف

أولاً: غياب النشاة السليمة

إن المرء يكبر على ما شب عليه ويموت على ماعاش عليه، فأول خطوات النشأة السليمة هي التربية الصحيحة وبراعة المحضن الأسري في ذلك، من خلال غرس القيم وإزالة الشبهات والعمل على تنقية الفطرة من أي ملوثات فكرية قد تطرأ على الولد في حياته ومراحل عمره، وعليه فإن انعدام هذه المقومات وغياب الدور الأبوي في تهذيب عقل الأبناء في الصغر يجعلهم في الكبر منحرفين فكرياً بل وملاحدة أحياناً، في ظل وضع يتبنى الخط المنافى للثوابت والأصول ويصفها بالتحرر والتمدن، لذلك فلا نمل من التكرار على أهمية دور البيت في جعل الأولاد معتدلي الفكر والعقل.

ثانياً: الفقر المعيشي

والمعنى أن الكثير ممن انحرفوا فكرياً كانوا في بداية حياتهم محدودي الدخل أو إن شئت فقل أنه نشأ في جو عام من الديون والغلاء والحياة المادية المتعثرة جدا،ً فيكفر بما حوله من وضع، وعندها تتكون لديه الرغبة في التحول لحياة أفضل مهما تنازل عن ثوابت، بل وبوضوح أن حملات التنصير التي تجرى على قدم وساق في أفريقيا تقدم المال بغزارة وتختار أماكن نشر تبشيرها وهي بالطبع مناطق معدومة الدخل والحياة، وهذا قياس يقاس عليه في أسباب الانحراف، وقد لا يراه البعض شرطاً لكنه في نفس الوقت واقع، وهذا يدلل على خطورة الفقر في حياة المرء، وما يسببه من انحرافه فكريا كان أو أخلاقياً.

ثالثاً: غياب الدور التعليمي

إن المدرسة كانت وما زالت مصدراً هاماً في تحسين سلوك وتوجهات الأفراد، فهي بمثابة المتابعة المكملة لدور البيت، وكلاهما لاينفك عن الآخر، وكلما كان الدور المدرسي قوياً كلما كان الانحراف قليل الانتشار والعكس تماماً وعليه فإن كل مدرس هو مسئول عن الحد من انتشار الانحراف بعمومه والفكري بخصوصه؛ كونه يرى ويسمع ويقيم تفكير وآراء الأفراد عبر مدة يومية تتجاوز بضعة ساعات، وهذه المدة كافية لغرس كل قيم الاستقامة والاعتدال، إذا ما كان الراعي بارعاً، سلس الخطاب قادراً على الاستيعاب.

كل مدرس هو مسئول عن الحد من انتشار الانحراف بعمومه والفكري بخصوصه؛ كونه يرى ويسمع ويقيم تفكير وآراء الأفراد عبر مدة يومية تتجاوز بضعة ساعات

رابعاً: تجبر الطغاة

إن الحكام كانوا ولازالوا حلقة محورية ونقطة ارتكاز في صلاح المجتمعات أو فسادها، فالحاكم والراعي هو الذي يملك قوة القانون وسيف العدالة ونشر القيم وإجبار الكل على الانصياع، ولما كانت الأوطان العربية ابتليت بحكام لايرقبون في مومن إلا ولاذمة -إلا من رحم ربي- كان الواقع مظلماً والمستقبل غامضاً وأمام هذه المعادلة يصبح لا مناص من حدوث يأس داخلي وقنوط من الواقع يدفع الشخص للانحراف الفكري، فيلجأ للتخريب والعنف، بل ويرى في ذلك استقامة، وهذا من الخطأ الشديد؛ لأن العاقبة تكون مؤلمة وشديدة على النفس، والأخطر تفشي هذا الفكر داخل المجتمع وماله من أضرار، وقد نرى ذلك جلياً في مجتمعات تشرذمت لفرق وجبهات وكل فرقة تقاتل الأخرى وكل منها يدعى أنه الصواب وما دونه باطل، وكل هذه الأمور من معجلات الهلاك للأفراد وخراب للأوطان.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتب وباحث مصري الجنسية، مؤلف عدة كتب فى التربية والتنمية "خرابيش - تربويات غائبة- تنمويات". مهتم بقضية الوعي ونهضة الأمة من خلال التربية.

شاهد أيضاً

“بروباجندا” الشذوذ الجنسي في أفلام الأطفال، إلى أين؟!

كثيرًا ما نسمع مصطلح "بروباجاندا" بدون أن نمعن التفكير في معناه، أو كيف نتعرض له …