يهرع الكثيرون من مشاهير العرب المسلمين في الفترة الأخيرة إلى ممارسة اليوجا بحثاً عن الاتزان النفسي والسلامة الروحية، مع أنهم كمسلمين في غنىً كبير عن اليوجا وغيرها لأجل ذلك، لأنهم قد أهداهم الله خيراً منها، من صلاة وسجود وخشوع وغيرها، مما يحدث مع المداومة عليه أكبر اتزان نفسي وأعظم سلامة روحية.
ولنا بعض التعليقات التفصيلية على هذه المسألة:
أولا: عصر الاضطرابات النفسية والخواء الروحي
نعيش في عصرنا الحديث حياة تمثل بيئة خصبة لنمو الاضطرابات النفسية والخواء الروحي الكبير، فنحن في عصر المادة، التي طغت على الروح بكل جوانبها.
وكذلك فإن هذا العصر بسرعته الكبيرة واضطراباته السياسية والاقتصادية والعسكرية، ليمثل أكبر حافز للاضطرابات النفسية.
تقول الإحصائيات إن أكثر من نصف سكان العالم البالغين يعانون من اضطرابات نفسية.
وتقول إحدى أساتذة الطب النفسي (الظاهر للعيان أن هناك زيادة مستمرة شهدتها الأعوام السابقة في أعداد الأشخاص الذين يحتاجون إلى علاج نفسي، وذلك بسبب عوامل كثيرة تشمل الضغوط الاقتصادية والاجتماعية المتزايدة، وتغيّر نمط الحياة نحو مزيد من التعقيد).
كما أظهرت دراسة حديثة أن الأمراض العقلية والنفسية بدءاً من الاكتئاب الحاد إلى نوبات الغضب الجامح شائعة في العالم بصورة تبعث على الدهشة.
ثانيا: اليوجا والعلاج النفسي
يشير مقال على موقع الخليج أون لاين إلى أن: بعض الدراسات الحديثة أشارت إلى أن اليوجا تساعد في الإقلاع عن تعاطي المؤثرات العقلية، كما تقدم إضافة حقيقية حتى بالنسبة للأصحاء؛ لأن غياب أعراض الأمراض لا يعني اكتمال الصحة، ومن جانب آخر تعرف اليوغا بقدرتها على تنمية ملكات الفرد في التركيز وتقوية طاقاته البدنية وتجديدها، كما أن لها فوائد أثناء العلاج التأهيلي لتأثيرها في حركة الإنسان ومرونة أعضاء جسمه.
واليوغا شكل من أشكال التمارين القديمة التي تركز على القوة والمرونة والتنفس لتعزيز الرفاهية البدنية والعقلية، وذلك وفقا لخدمات الصحة الوطنية في المملكة المتحدة.
وتشمل هذه الرياضة سلسلة من الحركات المصممة لزيادة القوة والمرونة، والتنفس، وهي من رياضات التأمل.
وفي مقال على موقع الجزيرة يقول الكاتب: وتشير معظم الدراسات الطبية إلى أن اليوغا طريقة آمنة وفعالة لزيادة النشاط البدني، وخاصة القوة والمرونة والتوازن.
وهناك بعض الأدلة على أن ممارسة اليوغا مفيدة للأشخاص الذين يعانون من ارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب والأوجاع والاكتئاب والتوتر.
ثالثا: خلفية اليوجا العقائدية والحكم عليها من الناحية الدينية
هناك وجهة نظر ترى في اليوجا ممارسات جسدية وروحية ذات خلفية عقائدية مخالفة للعقيدة الإسلامية.
ففي فتوى على موقع الإسلام سؤال وجواب يقول المفتي: اختلف النظر في حكم ممارسة رياضة اليوجا عند المعاصرين، فذهب بعضهم إلى المنع منها مطلقاً ، وذهب آخرون إلى الجواز مطلقاً ، وفرَّق آخرون بين بعض ممارساتها وبعضها الآخر ، فأجازوا ما وافق الشرع، ومنعوا ما خالفه.
ولا يُنكر واحد من أولئك – فيما نعلم – أن أصل هذه الرياضة هي من العقيدة الوثنية الهندوسية، ثم البوذية، ولذا فإن من أجازها مطلقاً، قد سلب منها ما يتعلق بالاعتقاد والروح، وحكم عليها باعتبارها رياضة للبدن، ومن منع منها فلأصلها الديني، وللمشابهة بأولئك الوثنيين، ولضررها على البدن –وأسباب أخرى-، ومن فرَّق بين نوعٍ وآخر منها: فقوله غير مقبول –برأيي- لعدم صحة ما استثناه من المنع، ولعدم قدرة الناس على التمييز بين المسموح والممنوع منها.
وفي فتوى على موقع إسلام ويب يقول المفتي: فاليوجا ليست مجرد رياضة بدنية وإنما هي عبادة يتوجه بها أصحابها إلى الشمس من دون الله، وهي منتشرة ذائعة في الهند منذ زمن بعيد.
والاسم الأصلي لهذه الرياضة باللغة السانسكريتية (ساستانجا سوريا ناما سكار) ومعناه (السجود للشمس بثمانية مواضع من الجسم).
وتعتمد هذه الرياضة على عشرة أوضاع معلومة، منها الوضع الخامس الذي يكون بالانبطاح على الأرض منبسطاً بحيث يلامس الأرض: اليدان والأنف والصدر والركبتان وأصابع القدمين، وبهذا يتحقق السجود للشمس بثمانية مواضع من الجسم.
وتبدأ تمارين اليوجا بالوضع الأول الذي يمثل تحية للمعبود وهو الشمس. وهذه التمارين لابد أن يصاحبها جمل من الألفاظ المصرحة بعبادة الشمس والتوجه إليها، وهو ما يسمى بالمانترات، وتردد بصوت جهوري وبطريقة منتظمة الإيقاع، وتتضمن هذه المقاطع ذكر أسماء الشمس الاثني عشر.
رابعا: الصلاة والعلاج النفسي
وللصلاة والخشوع فيها أثر كبير في العلاج من الاضطرابات النفسية.
في مقال على شبكة الألوكة يقول الكاتب: أثبتت مجموعة من الدراسات العلمية أجريت في ماليزيا على بعض مرضى اضطراب القلق العام ومرضى الاكتئاب أنّ المتدينين من هؤلاء المرضى يستفيدون بشكل لا يقبل الجدل عند إضافة بعض أساليب العلاج النفسي الديني لعلاجهم الدوائي مقارنة بالمرضى غير المتدينين.
وتلخصت أساليب العلاج الديني تلك في إسباغ الوضوء وفي إطالة مدة الصلاة من خلال إطالة مدة الركوع ومدة السجود.
وينقل نفس المقال عن أحد أساتذة الطب النفسي قوله: وما أسلوب الاسترخاء الذي يصفه الأطباء اليوم علاجًا لحالات التوتر العصبي سوى نمط متواضع من أنماط الراحة عمومًا، ولن يحقق للإنسان ما يمكن أن تحققه الصلاة. وتعتبر مناجاة العبد لخالقه أرقى مراتب الاسترخاء، فإذا ما واظب المرء على استجماع فكره أثناء الصلاة واكتمل خشوعه يكون قد أطفأ شعلة التوتر والقلق المتأجّجة في كيانه.
تعتبر مناجاة العبد لخالقه أرقى مراتب الاسترخاء، فإذا ما واظب المرء على استجماع فكره أثناء الصلاة واكتمل خشوعه يكون قد أطفأ شعلة التوتر والقلق المتأجّجة في كيانه
وكذلك ينقل عن الطبيب الغربي توماس هايسلوب قوله : بوصفي طبيبًا أقول: إنّ الصلاة أهم أداة عُرفت حتى الآن لبثّ الطمأنينة في النفوس، وبثّ الهدوء في الأعصاب .
وعن أثر السجود ينقل مقال على موقع (موضوع) أن الدراسات تقول: إن السجود يساعد الجسم على التخلص من الشحنات الكهربائية والطاقة السلبية، فجسم الإنسان يأخذ من محيطه كثيراً من الشحنات، ووضعية السجود في الصلاة تفرغ تلك الشحنات في الأرض مما ينعكس أثره إيجاباً في إحساس الإنسان بالراحة والقوة في البدن والنفس.
خامسا: المسلمون في غنى عن اليوجا بصلاتهم وسجودهم والخشوع فيهما
وخلاصة المقال: المسلمون في غنى عن اليوجا كعلاج نفسي وروحي بصلاتهم وسجودهم والخشوع فيهما .
فاليوجا كما هو واضح عبارة عن تمارين بدنية وروحية ذات خلفية عقائدية.
وحتى لو كانت اليوجا مجرد رياضة روحية، ولم تكن لها أي خلفية عقائدية، فإننا في غنى عنها كذلك.
فقد أهدانا الله الصلاة والسجود بما فيهما من أسرار عجيبة تعود بالصحة على البدن والنفس، وتعطي الإنسان قدرا كبيرا من الاتزان العقلي والانضباط النفسي والطمأنينة الروحية، وخصوصا إذا كانت الصلاة بخشوع وطُمأنينة فيها، وإذا ما كان السجود كذلك.