إن التَّكافل مِن أهم سمات المجتمع المسلم؛ حيث شبَّه النبي ﷺ المؤمنين في توادِّهم وتراحمهم وتعاطفهم بالجسد الواحد، ومن هنا فالتَّكافل في المجتمع المسلم مثل المِلاط (مؤنة البناء)، الذي يتوغل بين اللبنات فيقوِّيها ويشد بعضها بعضًا.
التَّكافل ليس له شكل مُعين، بل له أشكال عديدة، تبدأ بالتَّكافل المادي، مرورًا بالتَّكافل بالعاريَّة ومتطلبات المعيشة، منتهيًا بالتَّكافل المعنوي، والتعاون على البر والتقوى، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكَر.
والتَّكافل ليس مقصورًا على أفراد المجتمع المسلم فحسب، بل تتسعُ مظلته لتسَعَ أهل الذمة المؤلفة قلوبهم.
والتَّكافل: منه التَّكافل الزماني، مثل التَّكافل بين الأجيال المتعاقبة؛ حيث إنه لا ينبغي أن يستأثرَ جيل بعينه بخيراتِ البلاد، تاركًا الجيل الذي يليه فقيرًا مُعدمًا، ومنه التَّكافل المكاني بين أقطار الأمة الواحدة حالَ النوازل والكوارث والنكبات وغيرها.
ولتحقيق هذا التَّكافل بمفهومه الشامل جعَل الله تعالى له روافدَ عديدة؛ مثل: الزكاة، والصدقات، والميراث، والوقف، والهِبة، والنذر، والكفَّارات، والهدايا، والأضاحي، والغنائم، والفيء... إلخ.
ولتطهير المجتمع والحفاظ على هذه الروافد، حرَّم اللهُ تعالى اكتنازَ المال، واحتكار السلع، كما حرَّم الربا، والغش، وأكل مال اليتيم، وهضم حق المرأة... الخ.
ولضمان المسارعة في القيام بالتكافل بين أفراد المجتمع كما يحب ربنا ويرضى رغب الله في أداء الزكاة وحث عليها إلى أن قرنها بالصلاة.
جاء في الحديث الشريف: "كلُّ امرئٍ في ظِلِّ صدقتِهِ حتَّى يقضى بينَ النَّاسِ، لا يخرجُ رجلٌ شيئًا من الصَّدقةِ حتَّى يفُكَّ عنها لَحييَ سبعينَ شيطانًا" (الزواجر بإسناد صحيح).
وفي الحديث الشريف: "كلُّ امرئٍ في ظِلِّ صَدَقَتِه حتى يُقْضَى بين الناسِ. قال يزيد: فكَانَ أبُو مرثدٍ لا يُخْطِئُهُ يَوْمٌ إلَّا تَصَدَّقَ فيهِ بِشيءٍ، و لَوْ كَعْكَةً أوْ بَصَلَةً" (صحيح الترغيب).
ولعدم التكاسل عن الزكاة أو منعها كانت حرب المرتدين ومانعي الزكاة لتكون مثالاً أمام كل من تسول له نفسه الانتقاص من قدر الزكاة إلى يوم القيامة.
أساسيات يجب على المزّكي أن يراعيها
️الزكاة هي ابتلاء مُدعى محبة الله تعالى بإخراج أفضل محبوبه (المال)، والتنزه عن صفة البخل، وشكر نعمة المال ويجب فيها التوازن بين الإسرار والإعلان حسب المصلحة والضرورة وألا يفسد المزكي زكاته بالعجب ولا بالمن والأذى.
️على المزكي أن يستصغر العطية في نفسه وأن يصغرها للفقير حفظا لماء وجهه، وقد قيل: لا يتم المعروف إلا بثلاث: بتصغيره، وتعجيله، وستره.
️أن يختار لصدقته من بين الأصناف الثمانية الأكثر تقوى والأكثر تعففاً والأشد حاجة لدين أو لمرض والأقرب رحماً والأغزر علما ليعينه على طلب علمه... الخ.
️إن هذه الصفات تتطلب دقة التحري والاستقصاء وترتيب الأولويات فمن توفرت فيه 3 صفات مما سبق مثلاً أولى ممن لا تتوفر فيه سوى صفة... وهكذا.
️أن يوقن المزكي أنه بزكاته يقدم لنفسه ما يبيض وجهه بين يدي ربه وأن الغنى والفقر أمر نسبي فهذا أدعى للتواضع وعدم التعالي على الفقير لكونه يعين المزكي على إتمام الطاعة.
إن الصدقات ليست بالعبء الذي يلقيه صاحبه عن كتفه بأن يعطيها لمن يخرجها عنه إلا إذا كان هذا المنتدب للمهمة أميناً حق أمين، وكل حالة تقدر بقدرها.
إن المتصدق لو حرص على أن يذهب لمستحق صدقته بنفسه لاستشعر أنه بذلك يغبِّر قدميه في سبيل الله وأنه يعب في الرحمات والبركات عباً.
إن المتصدق حين يستشعر أن صدقته تقع في يد الله تعالى قبل أن تقع في يد الفقير لن ينتدب لهذه المهمة غيره وإن انتدب غيره سيرافقه كتفاً بكتف وخطوة بخطوة لينهل من خير صدقته.
إن المتصدق حين ترى عيناه فرحة الفقير وابتسامة أبنائه سينشرح صدره وستدخل الرحمة قلبه ولن يقصِّر في صدقته ولن يحرم نفسه من ثوابها.
ختاماً
علينا أن ندرك بل نوقن أن التكافل جزءٌ مِن عقيدة المسلم، ومِن خُلق الإسلام ومبادئه، كما أنه يوازن بين مصلحة الفرد ومصلحة المجتمع؛ لأنه يقضي على التفاوت الطبقي المذموم؛ ولذلك يجبُ على كل صاحب نعمةٍ أو فضل أن يجُودَ مما رزقه الله تعالى به -ماديًّا كان أو معنويًّا- على كل محتاج دون إسراف أو تقتير أو إبطاء؛ حتى تسُودَ المحبة والأُلفة والأخوَّة والإيثار والأمن والأمان ... إلخ.
كما علينا أن نوقِنَ أن التكافلَ يميِّزُ المجتمع المسلم عن غيره مِن المجتمعات التي تقوم على فلسفات مِن شأنها أن توجِد التفاوتَ الطبقي، الذي يَزيد الغنيَّ غنًى فاحشًا، ويَزيد الفقير فقرًا مدقعًا، فلك أن تتخيل المجتمعَ وقد جُرِّد مِن التكافل، فلن ترى سوى العقوق، والجحود، والحسد، والبُغض، والكراهيَة، والسخط، والأنانَية... إلخ، كما أنه ستسود في هذا المجتمع الجرائم، والفوضى، والعبَثية، والمشاحنات، والغضاء، والموبقات.
على هذا، فالتكافلُ يَقضي حاجةَ المضطر، ويزيل همَّ المهموم، فيكون المجتمع قويًّا متماسكًا كالبنيان المرصوص.
اللهم ارزقنا رزقاً حلالاً طيباً وبارك لنا فيه وقنا شح أنفسنا واجعلنا من المفلحين