حتى لا يرحل الحب!

الرئيسية » بصائر تربوية » حتى لا يرحل الحب!
2633-love-breaking-up

يشتكي العديد من الأزواج والزوجات من أن الحب والمودة يتقلصان شيئاً فشيء دونما وعي لهما من أسباب واضحة، رغم أن الآيات توضح أن الله عزّ وجل قد وجهنا إلى أن المودة والرحمة هدية منه سبحانه للمتزوجين {وجعل بينكم مودة ورحمة} فهما أمر مكتسب يتم تحصيلهما فور الزواج. فما الذي يحدث كي يزول هذا الحب ولماذا وكيف نحافظ عليه؟
كل هذا ما سوف تدور عليه كلماتنا خلال هذه السطور المقبلة في النقاط التالية:

همسات قبل البداية:

- الحب له تعريفات عدة ومعانٍ جمة وأكثر من أن تحصره بعض الكلمات والشروح ولكن نختار منها أنه هو (الميل القلبي والعاطفي تجاه شيء نرغبه أو نريده).

-  الحب يختلف معناه وفق الشخص وتفكيره وتفسيره للحب فتراه عند البعض بمعنى (العطف) وآخرين (القرب) وآخرين (كلمة لطيفة) وآخرين (اهتمام) وآخرين وآخرين.. الخ.

- هل من الضروري وجود الحب قبل الزواج؟.. سؤال يتردد في أذهان الكثير. حيث يرفض الكثير إجابة نعم من باب إغلاق الباب أمام الفتن والانحلال الأخلاقي من الممارسات الغير سليمة والغير صحيحة والتي تصل لحد الحرام في بعض الأوقات ومن شأنها أن توقعنا في الزلل، والبعض يرفض الإجابة بلا وينسب كل الفشل الذي يصيب الحياة الزوجية من مشاكل وعقبات ومشاحنات إلى عدم توفر الحب قبل الزواج.

ونحن هنا نتبنى الرأي الذي يقول لابد أن يتوافر عامل القبول بين الزوجين قبل إقامة الزواج، فلا نشترط وجود الحب بكامل معناه وممارساته أو رفضه نهائياً بكامل أشكاله ومستوياته، بل نشترط القبول وهو الحد الأدنى من الارتياح النفسي والقلبي من الزوج للزوجة ومن الزوجة للزوج.. لذا فإن الجلسة الشرعية قبل الموافقة على إتمام الزواج من الضروريات لدينا لضمان سلامة البناء بعد الزواج.

لا يشترط وجود الحب قبل الزواج بكامل معناه وممارساته أو رفضه نهائياً بكامل أشكاله ومستوياته، بل يشترط القبول وهو الحد الأدنى من الارتياح النفسي والقلبي من الزوج للزوجة ومن الزوجة للزوج

- حب العشرة (المودة) هي الحالة العاطفية المبنية على المواقف والممارسات، وهي ضمانة ربانية وجائزة من الخالق عز وجل للزوجين  يقول تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم:21]. وانظر لكلمة (وجعل) فالمودة هدية ربانية للزوجين.

- الحب الذي نتحدث عنه ونرجوه هو الحب بدون أسباب ولا مقابل، فأي حب مشروط هو حب فاشل لا محالة إذا ما قبلنا من الأصل أن يكون حباً.. فلذا عليك بمراجعة قلبك والاستمتاع بالحب كما هو دون شروط أو قيود.

- الحب والسينما: في نظر السينما والتلفاز الحب هو حب خيالي غير واقعي لا يناسب لا ظروفنا المادية ولا الاجتماعية ولا النفسية، فتراهم يضعونك في حالة من الشغف والتشوّق فترى الحبيب لديهم لا عمل له بسبب غناه الفاحش، أو أنه صاحب شركات وعقارات ومؤسسات اقتصادية ضخمة، وأنه متفرغ لهذا الحب، ولذا فكل أحداث الحب بالنسبة لهم هو كيف ينقذ محبوبته من أيدي الأشرار؟ ولهذا فهذا النوع من الحب هو أمر مرفوض شرعاً فهو غير عفيف مبني على الهوى والمعصية والفاحشة فتراهم بالسكر والخمر يتباهون وبالرذيلة يفتخرون.

- الحب والإسلام: الحب في نظر الإسلام أرقى المشاعر وأعظمها ، وقد تحدث القرآن كما أسلفنا أنه عطية الله للزوجين وقد تكرر لفظة (يحب – حبا) أو ما يعبر عنها في القرآن في العديد من الآيات. والسيرة زاخرة بالعديد من المواقف التي توضح وتبين حب النبي صلى الله عليه وسلم لزوجاته ولأمّته ولأصحابه.

لماذا تظهر مشكلة انعدام الحب بين الزوجين؟

- انعدام الحوار بين الزوجين فتصاب الحياة بينهما بالطلاق الصامت.

- الروتين والرتابة اللذان يحلان على بيت الزوجية ويخيّمان عليه.

- الارتياح خارج البيت أو مع الغير والضيق مع الزوج أو الزوجة في البيت.

- الميل القلبي لآخر (من الزوجة لغير الزوج – من الزوج لغير الزوجة) وتخيّله.

- الخشونة في المعاملة والفظاظة في الأسلوب بين الزوجين.

- استمرار سوء الفهم بين الزوجين مما يزيد ويعدّد من وجود المشاكل بينهم.

- تكرار الكلمات من نوعية (لأجل الأبناء – لأجل الناس – الخ).

- الإهمال في الحقوق والتفريط فيها والتكاسل عن أداء الواجبات بينهم.

كيف نساعد أنفسنا في حل هذه المشكلة

- أول ما تساعد به نفسك هو تصحيح الفهم، فعليك بتصحيح العديد من الأفكار بعقلك إلى المفاهيم الصحيحة مثل:

  •  ليس الحب شرطاً لاستمرار الحياة الزوجية ولكنه أهم عوامل الاستمتاع والتلذذ بها.
  •  انعدام الحب ليس ذنباً وقعت فيه ولكن وجوده هو طاعة ومنحة من الله لك .
  • الحب السينمائي ليس هو الحب الحقيقي ولا الواقعي؛ لأن الحياة لم تكن لنعيش فيها الحب ولكن الحب وجد لنعيش به الحياة، فالحب وسيلة وليس غاية وسيلة لرضا الله عز وجل.
  •  إياك ومقارنة شريك حياتك بالنجم السينمائي.. فهذا النجم لا يعيش ما ترينه من سيناريو ولا ينطق بما أتى في الحوار ولكن حياتهم مخالفة لما يشخصونه.
  •  الدين ليس مانعاً للحب بل داعياً له ومنادياً به ويجازي عليه.
  •  حب العشرة ليس موضة قديمة وليس حباً هالكاً، ولكنه حب نابع من الحياة عن قرب ومواقف يراها القلب قبل العين، حب على بصيرة.
  •  ليس الحب شرطاً قبل الزواج ولكن القبول هو الشرط الأصيل.
  •  ليس معنى أن نحب أن نعيش حياة بلا مشاكل.. وليس معنى أن نفقد الحب أن نعيش حياة كلها مشاكل.. فالمشاكل هي طبيعة التعامل البشري والعلاقات الإنسانية، والماهر من استطاع تشخيص مشاكله ووضع كل منها في حجمها الطبيعي.
  • إياك وقياس الأمور بمقياس الشكل والمظهر (وإن كان أحد عوامل الترجيح) لأنها في أغلب الظن خدّاعة ولا تفيد إلا في جوانب بسيطة.

- بعد تصحيح المفاهيم عليك بالفرصة تلو الفرصة.. نعم أعط نفسك فرصة للتقرب من شريك حياتك فإنه من أعظم النعم أن تقع عينك ويلمس قلبك وتتحسس مشاعرك ما يرضيك عن زوجك فلا تملي الفرص وتحسس فيها الحب والود.

- من أفضل التمارين والممارسات العملية هي أن يحضر كل منكما ورقة وقلماً وليكتب كل منكما فيها مميزات شريك حياته من وجهة نظره ومن وجهة نظر الآخرين (دونما أن تسأل أحداً عنها)، مع كتابة أفضل مواقفه معك ومع غيرك.. وليعد كل منكما على مسامعه ما كتبه، حاولوا أن تنظروا إلى الجوانب الإيجابية.

- عليك بالسلام الداخلي وتمارينه تساعد كثير في مثل هذه الحالات.

إياك وقياس الأمور بمقياس الشكل والمظهر (وإن كان أحد عوامل الترجيح) لأنها في أغلب الظن خدّاعة ولا تفيد إلا في جوانب بسيطة

كيف تجلبين حب زوجك؟

- استعيني بالله وعليك بالدعاء بأن يقرّب الله بينكما وأن يؤلف قلوبكما وأن يمتعكما بزواجكما فالقلوب بين أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء.

- إياك والعجز والإحباط واليأس وعليك بالسعي تلو السعي وعدم التوقف نهائياً.

- عليك بالتعبير (المستمر) و(المتنوع) و(المتطور) عن حبك له فمن التعبير بالألفاظ والعبارات المباشرة إلى الرسائل المكتوبة والتقنية (محمول – واتس – فيس – الخ) إلى التعبيرات الغير لفظية (الابتسام – الإيماءات – الإشارات – الخ) للتعبيرات الرمزية من عطور وملابس أنيقة إلى التعبيرات خلال اللقاء الحميمي بينكم.

- اعلمي أن ما لن تفعلينه من التعبيرات السابقة تحت أي سبب (هو اللي يبدأ – خجلانة – لا أعرف – الخ) ستفعله غيرك وإن مثل هذه التعبيرات لها قوة تأثير كبيرة على الرجال بل وتتحكم في اللاوعي لديهم وتسيطر على تفكيرهم.

- المفاجآت المستمرة.. كوني متجددة في حدود المستطاع لديك ولا تجعليه يتوقع مسار يومك ونظامه وطريقتك في تناول يومك.

- اقرئي عن طريقة تفكير الرجال وطريقة تناولهم للأمور، ستفيدك كثيراً في فهم طبيعة زوجك والتقرب له .

- الهدية.. تهادوا تحابوا، صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.

- بادريه بالسلام والدعاء والتقبيل عند التوديع وعند الاستقبال.

- اختيار الوقت المناسب.. في كل شيء لابد أن تختاري الوقت المناسب لينجح والمناخ المناسب يتوقف على الوقت المناسب.

- المدح.. نقطة ضعف البشر.. عليك بها، أحسني استثمارها واستخدميها بشكل صحيح.. التحفيز مهارة العظماء والعصا السحرية لديهم.

- التغافل.. تغافلي عن أخطائه وهفواته ولا تعلّقي عليها ولا كأنها وجدت ولا هو من فعلها، مرّي عليها دونما أن تلقي لها بالاً فالتغافل شيمة الكبار وصفة الكرام .

- التغافر.. ليس فقط التغافل بل التغافر أيضاً، فأهم ما يميّز أنقياء القلوب أن قلوبهم لا تتعلق بها شوائب ولا تنغص عليها أتربة الأخطاء ولا تغيّم على صفاء سماء قلوبهم غيوم الحقد والتربص.

- إياك والظلم.. إياك وأن تزر وزارة وزر أخرى، إياك أن تضعيه في سلة أمه أو في سلة أبيه أو إخوته وإياك وأن تطغى عليك حالتك النفسية في تقييم أفعاله تجاهك.. إياك والظلم.

- حب زوجك لك.. مشروع نجاح.. قصة النجاح الأهم في طريق الحب.. فاللهم توفيق وسداد لكل الزوجات فيها.

إليك عزيزي الزوج:

- نحتاجك أن تعيد قراءة الأسطر أعلاه.. هذا بعد إذنك.

- استيقظ قبل فوات الأوان.. فالحب يزداد بالاهتمام ويقتله الإهمال والتكاسل.

- زوجتك هي سكنك.. فلا تنتظر إذن تفتيش كي تبحث فيها عن بغيتك وأن تنظر فيها على كل جميل تريده.

- اخرج عن النص في بعض الوقت، فالالتزام والجدية الزائدة عن حدها تنقلب إلى ضدها.

- نزهه – هدية – مساعدة – وغيرها من حين لآخر لن تضر، بل تفيد وتعطي دفعة للأمام ولإكمال المسير.

- أعد النظر مرة أخرى لزوجتك ومن الزاوية الصحيحة وبالشكل المناسب.

- عليك بالسلاح الفتاك.. الكلمة الطيبة والهمسة اللطيفة والمداعبة الشيقة واللمسة الحانية النساء لا يطلبن الكثير فقط (الكلمة الطيبة – وكيس "الزبالة" وأنت خارج) شيء في منتهى البساطة.

الحب جُعل لييسر لنا الحياة ويكسوها بزينة السعادة والمتعة فلا تضيّعوا من قلوبكم تلك الفرصة واستعينوا بالله ولا تعجزوا، فالقلوب بين أصابع الرحمن يقلّبها كيف يشاء فنسأله سبحانه لجميع المسلمين حباً عفيفاً صالحاً للأسر والأمة.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتب مصري ومستشار اجتماعي وإعلامي .. مهتم بمجال تربية الأبناء

شاهد أيضاً

الصيام بوابة المغفرة: كيف نجعله شفيعًا لنا يوم القيامة؟

يتعامل الإنسان مع المهام الدنيوية بإحساس بالمسؤولية، فلا يجد راحة حقيقية حتى يؤديها على أكمل …