سنة كونية لا تتغير ولا تتبدل
إن المتأمل في سنن الله الكونية لن تخطئ عينه ولن يغفل عقله ولن يغيب عن فؤاده سنة الله عز وجل في كونه والتي سُطرت في الكتاب العظيم (القرآن الكريم) في قوله : {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الرعد:11].
هذه السنة الكونية والتي يطول شرحها ترشدنا إلى معنى عظيم في مقالنا هذا وهو (لا تغيير إلا ما تُقدم على إحداثه بنفسك)، فإن خالق الإنسان ونافخ الروح فيه من روحه عز وجل يرسخ سنة كونية بأنه لا تغيير إلا ما قمت به أنت وبكامل إرادتك ووعيك.
فكي يستطيع الطبيب مساعدة المريض على المريض أولاً أن يساعد نفسه بالذهاب إلى الطبيب ومن قبلها اكتشاف مرضه والإقرار به، وكي تستطيع إصلاح صنبور المياه المعطوب لديك بالمنزل أن تُقدم بنفسك إلى طلب مساعدة المختص (العامل –المهندس)، وهكذا فكل ما يدور حولك ويتعلق بك وما تشتكي منه وتتأثر به من مشكلات أو تحديات أو عقبات لن تتغير إلا بأن تُقدم أنت أولاً بنفسك لتغييره والتقدم نحو حله وتخطيه .. ولهذا كله ولغيره من الأسباب نناديك (ساعد نفسك أولاً).
رمضان وفرصة التغيير
إن الأيام والليالي والساعات والدقائق واللحظات والأنفاس التي تزور صدرك وتغادره ليست كلها متساوية لا في طبيعتها ولا في أفضليتها ولا أهميتها ، فليس الليل كالنهار، ولا ساعة النشاط كساعة الإجهاد والتعب، ولا دقائق الانشغال كدقائق التفرغ، ولا لحظات الانتصار كلحظات الهزيمة.وهذا الأمر من فضل الله عز وجل على المخلوقات أجمعين كما أنه سبحانه من فضل جلاله أن فضل بعض الأوقات وجعلها مواسم للتغيير والانتقال من حال إلى حال ومن مقام إلى آخر ومن وضعية إلى أخرى، يقول الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم "إن لربكم في أيام دهركم نفحات، فتعرضوا لها لعله أن يصيبكم نفحة منها فلا تشقون بعدها أبدا" (رواه الطبراني)، كما أن المواضع التي تؤكد ذلك في القرآن لعديدة لا يسعنا حصرها في هذا المقال ولكن منها:
- {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ} (سورة القدر).
- {وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ (4) هَلْ فِي ذَٰلِكَ قَسَمٌ لِّذِي حِجْرٍ} (سورة الفجر).
- {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا} (سورة المزمل).
ورمضان ضيف الرحمن أحد أهم تلك الفرص الربانية للتغيير في حياة المسلم (الساعي) لهذا التغيير وتقف أمامه التحديات والعقبات فيأتي رمضان كتغيير معاون له لتحقيق أهدافه ومآربه وأمانيه من هذا التغيير.
رمضان ضيف الرحمن أحد أهم تلك الفرص الربانية للتغيير في حياة المسلم (الساعي) لهذا التغيير وتقف أمامه التحديات والعقبات فيأتي رمضان كتغيير معاون له لتحقيق أهدافه ومآربه وأمانيه من هذا التغيير
والحديث عن فضل رمضان ليس هو غاية هذا المقال أو عمود خيمته ولكن يكفينا أن نذكر فيه ما يؤكد المعنى الذي نريد توصيله لك أخي القارئ ومنها:
- قوله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183].. كتب عليكم – لعلكم تتقون "ساعد نفسك".
- قوله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة:185].. هدى للناس – فليصمه "ساعد نفسك".
- يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر الله له ما تقدم من ذنبه، ومن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر الله له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر الله له ما تقدم من ذنبه) (رواه البخاري) .. صام وقام – غفر له ما تقدم من ذنبه "ساعد نفسك".
والمعنى الذي نقصده حتى لا نطيل في ذكر الأدلة هو: (ليس كل من شهد رمضان "فرصة التغيير" غفرت له ذنوبه أو حقق التغيير المقصود من الشهر – إنما كل من بذل وأعطى وجاهد نفسه وقاوم ملذاته ورغباته وأعمل إرادته وعزيمته نال ذلك التغيير).
كيف أساعد نفسي وأكون من ركب الفائزين في رمضان؟
- استعن بالله وتوكل عليه فليس هناك ما يحدث في الكون على غير مراد الله عز وجل.
- اعزم على التغيير وأن يكون رمضان بالنسبة لك معيناً ومساعداً في هذا التغيير.
- حدد أهدافك من رمضان فأي متسوق دخل السوق دون هدف خرج دون تحصيل أي شيء وخاوي الوفاض، فحدد ماذا تريد من رمضان.
- استعد بجد واجتهاد لرمضان فرمضان عامل تغيير لمن استعد له بحق والاستعداد له أشكال عدة منها :
افتح مصحفك وبادر بإعادة علاقتك بكلام الله مرة أخرى بعد فترة الهجر والانقطاع.
زر مسجدك ومحرابك واستعن بالجماعة في المسجد على الشيطان وتثبيطه لك.
تصدق واستعد لمشاركة الفقراء حالهم ومعاونتهم على ابتلائهم.
قم بالليل ولو ليلتين في الأسبوع ففيها شرفك كمؤمن.
استعن بصحبة الخير، فبها تنشط الهمم وتعلو الإرادة وتوقظ العزائم.
اقرأ عن فضل رمضان وعن مكانته وعن فضل الصيام وثوابه، فإنها توقظ العزم.
رمضان فرصتك نحو التغيير فلا تضيعها من يدك ، وتذكر خاب وخسر ثم خاب وخسر ثم خاب وخسر من أدرك رمضان ولم يغفر له. فالسوق لا يدوم والفرصة لا تستمر ولا خيار ثالث لنا فإما أن نفوز وإما أن نخسر .. فليكن رمضانك مختلفاً.