تتنوَّع طبائع شهر #رمضان، وبالتالي؛ تتعدد المناشط والمستهدفات التي يسعى المسلم إلى تحقيقها خلاله، والاستفادة من المنح والعطايا الإلهية فيه.
فنرى تكثيفًا للعبادات التي يختص بها الشهر الفضيل، مثل تلاوة القرآن الكريم وختمه، وصلاة التراويح، وقيام الليل، والزيارات العائلية التي تستهدف تعظيم صلة الرَّحِم، وأعمال الخير، وغير ذلك.
إلا أنه ثمَّة نشاط مهم ليس محل اهتمام الكثيرين يمكن القيام به خلال أيام شهر رمضان، وهو تحصيل العلم والمعارف المختلفة، استغلالاً لما يتيحه الشهر الكريم من وقت إضافي؛ حيث إن جهات العمل والدراسة المختلفة تتيح عددًا أقل من الساعات للدوام فيها، بالإضافة إلى المعينات التي تفضَّل اللهُ تعالى بها على المسلمين فيه.
وهذا الأمر ليس صعبًا كما يظن البعض، بل على العكس؛ فإنه على قدر كبير من السهولة، بحيث يمكن للفرد المسلم الخروج من شهر رمضان بحصيلة علمية ومعلوماتية وفيرة، في مختلف صنوف العلم والمعرفة.
وأول ما يرتبط به ذلك، هو تحديد جدول موضوعي لما يرغب الإنسان في تزويد حصيلته المعرفية منه، ثم جدول زمني يتضمن وسائط الاطلاع والتزويد المختلفة.
وفي هذا الإطار، فإن شهر رمضان يشهد نوعيات خاصة من البرامج التليفزيونية التي في الغالب ما تكون في محيط أذان المغرب، قبله وبعده، والدروس المسجدية، والتي غالبًا ما تكون إما بعد صلاة العصر، أو خلال صلاة التراويح وما بعدها.
وهو أمرٌ ييسر كثيرًا على الإنسان المسلم تحصيل العلم والمعرفة في المجال الديني والشرعي؛ حيث إنه يمكن في الأيام الأولى من الشهر الفضيل تحديد خريطة برامجية ومسجدية بناء على المجال الذي يريد المسلم زيادة حصيلته المعرفية فيه، وكذلك بناء على طبيعة العالِم أو الفقيه، أو الإعلامي، ودرجة موثوقيته.
فهناك مجالات تتعلق بفقه وفتاوى الحياة اليومية والمعاملات، وهذه تكثر برامجها في الشهر الكريم، وهناك مجالات تتعلق بالتاريخ الإسلامي؛ حيث نرى على شاشات الفضائيات والقنوات الأرضية، وفي المحطات الإذاعية المختلفة، سلسلة من البرامج والمسلسلات التي تتناول في قالب تبسيطي معلومات تاريخية مفيدة.
وتزداد أهمية هذه المادة ومتابعتها من جانب الأب والأم في حالة الأطفال الصغار؛ حيث إنه من الجيد الاستفادة من الإنتاج الخاص بالشهر الفضيل في هذه المجالات، والذي لا يوجد في غالب الحال في باقي أشهر السنة.
ووفق ما أثبتته الدراسات النفسية والتربوية الحديثة؛ فإن المادة المرئية والمسموعة أكثر قدرة على التأثير والرسوخ في ذهنية المتلقي، من المادة المقروءة ، ولاسيما إذا ما تم إنتاجها في صورة جذابة قادرة على مخاطبة عقلية الجمهور المستهدف، صغارًا أو كبارًا.
وينطبق هذا المبدأ على الصغار أكثر من الكبار، وهناك دليل طريف مباشر في هذا الصدد، وهو أن غالبية الشباب وكبار السن لا يزالون يحفظون أغنيات المسلسلات وفوازير رمضان القديمة، ولا يحفظون دروس العلم أو أشعار ودروس القراءة التي يتلقونها في المدرسة.
وقد لا يكون هناك مادة مرئية، سواء أكانت برامج أو إنتاجًا فنيًّا، جيدة متاحة على شاشات الفضائيات، فهنا يمكن شراء اسطوانات جاهزة من المكتبات ودور النشر الإسلامية التي تستعد لشهر رمضان بإنتاجات وإصدارات خاصة فيها المحتوى المعرفي بجانب الإمتاع البصري والروحي أو ما يُعرَف بالـ"Entertainment".
ويتم في هذا الإطار، تحديد أوقات ثابتة لاجتماع الأسرة حولها، أو ترك حرية المجال بالنسبة للأطفال والنشء لمطالعة هذه المادة.
ففي هذا الوقت من اليوم، قبل الفجر بساعات قليلة؛ يكون الجسم البشري قد استعاد وتيرة نشاطه الطبيعية، سواء على مستوى البدن أو الذهن، بعد أن تناول طعام الإفطار، وبدأ الجسد في أيض المواد الغذائية التي تناولها الإنسان، مع تحسين الصلاة وحركاتها، وكذلك رياضة المشي من وإلى المسجد، أو خلال الذهاب في زيارات عائلية، أو ما شابه، من نشاط الجسم، وتسريع وتيرة تصريف الطعام والشراب الزائدين.
وشهر رمضان من المعروف أنه شهر السهر؛ حيث يميل الناس فيه إلى جلسات السمر، وانتظار وقت السحور ثم صلاة الفجر، في ظل – كما قلنا – وجود ساعات فراغ أكبر متاحة مع تقليص مصالح العمل المختلفة، ودور العلم، من مدارس وجامعات، لساعات العمل والدراسة، وبالتالي؛ يكون الإنسان لديه وفرة من الوقت قبل الإفطار للنوم، ومن ثَمَّ؛ السهر ليلاً لفترة أطول.
وبالتالي؛ فإن هناك مورد مهم متاح للإنسان في شهر رمضان، وهو الوقت، والذي يجب توزيعه بشكل عادل بين العبادات، وبين الواجبات الاجتماعية، وبين مسألة تحصيل العلم، سواء من خلال القراءة أو المادة المرئية والمسموعة.
هناك مورد مهم متاح للإنسان في شهر رمضان، وهو الوقت، والذي يجب توزيعه بشكل عادل بين العبادات، وبين الواجبات الاجتماعية، وبين مسألة تحصيل العلم، سواء من خلال القراءة أو المادة المرئية والمسموعة
والأمر ليس شاقًا كما يراه البعض؛ حيث إنه لا نقول بأن تكون القراءة لكتب ضخمة، فهناك الكتيبات البسيطة السهلة اللغة، وذات المحتوى المعرفي المناسب لمختلف المراحل السِّنِّيَّة.
ويمكن للأب والأم في هذا الإطار، أن يقوموا بتنظيم مسابقات ما بين الأبناء، أسبوعية أو طيلة الشهر الكريم، وتكون ذات مكافآت وحوافز مادية تشجعهم على فضيلة تحصيل العلم والمعرفة ، والوصول إلى المستوى الثقافي المأمول للأجيال الجديدة.
ومن نافل القول التأكيد في هذا الإطار، على أن النجاح في ذلك الأمر في شهر كامل، يمكن أن يقود، مع المثابرة والانتظام، إلى شكل من أشكال المواظبة والاستمرارية طيلة العام.
وهذا الأمر ليس من ترف الحياة؛ حيث إننا نعيش عصر الثورة الصناعية الرابعة التي تعتمد على الاستخدام المكثَّف للمعلومات والرقميات، وبالتالي؛ فإن هذه الأمور التي تبدو لنا أنشطة فرعية؛ هي من أهم ما يكون كمهمة من مهام تأهيل النشء الجديد ضمن السباق الحضاري الإنساني الذي لا يرحم!