لماذا تكثر حالات الطلاق في مجتمعاتنا؟

الرئيسية » بصائر تربوية » لماذا تكثر حالات الطلاق في مجتمعاتنا؟
o-DIVORCE-KIDS-facebook

لاشك في أن ظاهرة #الطلاق تفشّت وانتشرت في مجتمعاتنا العربية بشكل يدعو للحزن والشفقة والقلق في نفس الوقت، فسقوط البيوت العامرة وضياع مستقبل الأسر والأولاد، أو إن شئت فقل التسبب في مشكلات نفسية للذرية نتيجة الانفصال ليس بشيء هين، فهو قنبلة موقوتة في وجه الجميع، آثارها شديدة الانفجار، لذلك وانطلاقاً من حرصنا على إقامة علاقات زوجية أسرية قويمة، وعاصمة لكل تشرذم وانفصال، فإننا نناقش في هذا الموضوع أسباب الطلاق بواقعية، وكيف نحدّ من انتشاره مع أخذنا في الاعتبار حرص الطرفين على استمرار البيت الأسري قائماً، فيقيناً لا أحد يسعى لخراب وإفساد حياته.

يقصد بالطلاق إنهاء عقد الزواج بين الرجل وزوجته، سواء مباشرة بإلقاء اللفظ عليها، أو عن طريق الجهات المختصة كالمحكمة عند القضاء.

إن أسباب الطلاق متعددة وكثيرة، ونحن سنركز على الأسباب الجوهرية وبوضوح شديد، وهي تكمن في الآتي:

أولاً- تدخل الأهل:

كم من المشكلات التي تحدث بين الزوجين يكون مبعثها هو تدخل الأهل، وبوضوح يكون من طرف الزوج أكثر من الزوجة، ويقال أن فلاناً "لم يفطم بعد"، أي أنه يسمع لوالدته كثيراً، وهي التي تقرّر له ماذا يفعل وكيف يتصرف!

بل أحياناً تطلب منه القسوة مع الزوجة بدافع التملك والسيطرة، وبلا شك هذا ظلم للزوجة، وسلبية من الزوج لا ينبغي أن تحدث، فالبيوت حصن مغلق على أهله، لا مجال فيه للتدخل الخارجي ، فمن كان ناصحاً فهو مشكور، ومن كان متدخلاً بما يعمّق الفجوة بين الزوجين فلا أهلاً به ولا سهلاً، وعلى الزوج أن يعي ذلك إن أراد حياة أسرية مستقرة هادئة، وحتى لايفقد احترامه أمام أهل بيته ونفسه أيضاً.

ثانياً- العنف الأسري:

والمعنى هو أن يقوم الزوج بضرب زوجته مراراً وتكراراً، وهذا بلا شك ينقص من رجولته لو كان يعلم، فالنساء لم يأتين من بيت أهلهن حتى يضربن ويجرحن في كرامتهن، وتمتد عليهن الأيدي ويسمعن السباب، فتلك كوارث تفتك بالبيوت حتماً، ونحن نحذر ونصرخ في أذن كل زوج أن اتق الله، فالضرب والسباب ضعف وليس قوة، ولن تكون سعيداً وأولادك ينظرون إليك على هذه الحالة! وعليه فإن العنف من أهم مقومات طلب الزوجة للطلاق والرغبة في الانفصال؛ لأنه اختلال لدور الزوج من الحاضن والراعي ومنبع الحنان لباب الألم والأوجاع والمتاعب النفسية، والإرهاق البدني والصحي، وفي ذلك بلاء كبير لا تتحمله المرأة.

ثالثاً- غياب التأهيل الزواجي:

إن مشكلتنا كانت ولا زالت في التأهيل، لذلك كان السعي لتأهيل الشباب والفتيات قبل الزواج من أهم مقومات الحياة السليمة، فمعرفة الحقوق الزوجية ومدارستها وسبل التعاطي مع الخلافات التي تطرأ كل فترة، وسبل اغتنام اللحظات الجميلة، والتخديم عليها في تمتين العلاقة بين الزوجين، والكثير والكثير، كل هذا من التأهيل، فلما غاب واختفى وأصبح الزواج بشكله العادي خطوبة فعقد فبناء بلا خبرة حياتية ولا اهتمام بالقادم، تكون النتائج كما نسمع كل يوم، حالات طلاق بلا عدد، بل وبعد شهور بسيطة من الزواج، لذلك إنني أهمس في أذن كل شاب وفتاة لم يتزوجوا بعد: التأهيل ثم التأهيل، تعلموا طبيعة المرحلة، وافطنوا لرسالتكم المستقبلية، فالهدم ما أسهله، لكن البناء صعب.  

رابعاً- تخلي الزوج عن دوره:

إن الزوج ربّان سفينة الحياة الأسرية التي تسبح وسط منعطفات كثيرة في دنيا الناس، فهو الحاضن والضامن والساعي في حياة سعيدة له ولمن يعولهم، ودوره معلوم متمثل بالإنفاق والرعاية بشمولها، عاطفية وصحية وحياتية، ويوم أن يحدث خلل في شراع السفينة يهرول الجميع للقبطان؛ لأنهم يرون فيه الأمن والأمان، ومن معه القرار وسبل الوصول لبر الأمان، ونشر سبل الراحة والاطمئنان، وعليه فعلى الزوج أن يقوم بدوره بالشكل الذي يرضي الله ورسوله في تأسيس بيت سليم وعلاقة زوجية متوافقة مع الشرع، يقوم بكافة متطلباتها، وتنشئة ذرية صالحة، مع التأكيد على أهمية الإنفاق والكفالة الزوجية إنفاقاً وعاطفة، بعيداً عن الشحّ المالي، والخرس العاطفي، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.

خامساً- الهجران:

إن هجران فراش المرأة والبعد عن الأولاد لفترات متعددة من الأسباب الجوهرية للطلاق، فهو تقصير لا يرضي الله عز وجل، فالأصل أن يكون الزوج مقيماً مع أهله، إلا إذا كانت ظروف عمله تعوقه أو تحدد له أياماً ما، فهذا شيء عادي ويحدث، وقائم على التفاهم، طالما يسعى في الأرض طلباً للرزق حتى يكفي أهله السؤال.

أما أن يهجر الرجل فراش زوجته بلا عذر، ويذهب لأصحابه كثيراً، أو يجلس مع أهله ويترك أولاده بلا إنفاق مالي، وزوجته بلا إنفاق عاطفي، فهذا مخالف للشرع، ويجب عليه أن ينتهي ويعود لصوابه؛ لأن البديل قد يكون سقوطه في طريق المعصية من حيث يظن أنه لن يسقط، أو يتوهم أنه ثابت مع التأكيد على خطورة شعوره أن الأمر عادي، فيعتاده وتكون العواقب شديدة، فقد تضعف المرأة أمام كلمة رقيقة من أي شخص، خصوصاً مع غياب زوجها عنها، فالحذر الحذر من الهجران، فعواقبه على الجميع مؤلمة.

ختاماً، أسباب الطلاق تحتاج لسلاسل كثيرة، لكننا نكتب محذرين وذاكرين نقاطاً نحسبها مركزية حول هذا الأمر، مع التأكيد أن هناك الكثير من البيوت بها نفس الأسباب، لكن لأسباب الحياة تصبر الزوجة ويتأقلم الزوج؛ لأن المجتمع معه سياط لا يرحم بها أحداً، ومع الأسف فالمجتمع اليوم يفرض أوامره ونواهيه، والكثير يفضل الصمت على البواح خشية ذلك، لكن هذا وإن كان حلاً مرحلياً فدوامه محال، وحتماً سيكون المنتهى للانفصال.

نسأل الله أن يحمي بيوتنا، ويقوي الرابط الرباني بين الزوجين.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتب وباحث مصري الجنسية، مؤلف عدة كتب فى التربية والتنمية "خرابيش - تربويات غائبة- تنمويات". مهتم بقضية الوعي ونهضة الأمة من خلال التربية.

شاهد أيضاً

“بروباجندا” الشذوذ الجنسي في أفلام الأطفال، إلى أين؟!

كثيرًا ما نسمع مصطلح "بروباجاندا" بدون أن نمعن التفكير في معناه، أو كيف نتعرض له …