هل يصنع العرب نكبة جديدة في ذكرى النكبة

الرئيسية » بصائر الفكر » هل يصنع العرب نكبة جديدة في ذكرى النكبة
palestinian-flag-protest-rts-img

توطئة

بعد مرور واحد وسبعين عاما على ذكرى نكبة فلسطين، هل يفرض العرب على أنفسهم، وعلى الفلسطينيين نكبة أخرى أشد وطأة وقسوة وانبطاحاً من النكبة الأولى تحت مسمى "صفقة القرن"؟

هل يستطيع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن يتحكم بمقاليد الأمور ويوجهها لإجبار الجميع على قبولها بما فيهم أصحاب الحق في الأرض المحتلة؟

هل ما ذكرته صحيفة معاريف العبرية عن تسريب بعض بنود الصفقة المشبوهة هو اعتراف إسرائيلي بها ورضى عنها ومن ثم نشر بعض تلك البنود كنوع من جس نبض الشعوب العربية لمعرفة رد الفعل، كذلك قياس رد فعل الأطراف الفلسطينية المقاومة مثل حماس والجهاد الإسلامي في غزة؟

حقوق تاريخية لا تسقط بالتقادم

إن أكثر من سبعين عاماً مرت على النكبة الأولى لم تكن كافية لينسى العرب والمسلمون، بل ولينسى العالم أن فلسطين هي أرض عربية إسلامية محتلة من قبل عصابات تم استقدامها من أنحاء العالم تحت ضغط الصهيونية العالمية ، والمال الصهيوني، وسياسة الصهاينة بدءاً مما فعلوه مع السلطان عبد الحميد الثاني آخر سلاطين الدولة العثمانية، مروراً بصنع العملاء لإسقاط الخلافة ثم استعمار بلادنا، ثم إشكالية التقسيم الكبرى إثر اتفاقية سايكس ـ بيكو التي نتج عنها تفكك منظومة الجيش الإسلامي الموحد لتصير فلسطين قضية العرب، ثم يتطور الأمر لتصير قضية الفلسطينيين وحدهم، ثم يزيد التقسيم هوة لتصير قضية غزة وحدها بعد تقسيم فلسطين ذاتها.
ومن ثم تم استقطاب معظم الأنظمة لتدور حيث دارت المصالح الصهيونية فيشاركوا في حصار فلسطين، ويتخلوا عن القضية تماماً لدرجة أن يمنحوا الإسرائيليين أرضاً بالمجان لإخراج الفلسطينيين من أرضهم عنوة في مقابل الحياة!

لقد قبل البعض أن يشارك في النكبة الجديدة ليس من باب صد العدوان عن المقدسات وإنما من باب الضغط على الجانب الفلسطيني ليقبل الشروط مرغماً، فهل يمكن أن تمرر تلك الجريمة؟

وهل من الممكن أن يتخلى الفلسطينيون عن حقوقهم التاريخية والمشروعة في تحرير أرضهم ومقدساتهم في صفقة تحرم حق العودة اللاجئين منهم، وتوجب عليهم التخلي عن القدس والمقدسات؟ وهل يقبل المسلمون في بقاع الأرض مشروع إحلال جديد تتزعمه دولة تدعي أنها راعية الحرية في العالم؟

النكبة الفلسطينية بين الماضي والحاضر

الخامس عشر من مايو 1948، ذلك اليوم الذي اختاره المؤرخون كبداية للنكبة الفلسطينية التي تسببت في تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه وإخراج أكثر من 750ألف فلسطيني منها، والاستيلاء على منازلهم وممتلكاتهم وأرضهم وتسليمها لعصابات متعددة الأسماء تعاملت بوحشية مع الفلسطينيين في مجازر لم يعرفها التاريخ منذ استيلاء البيض على الأرض الأمريكية وقتل أصحاب الأرض الأصليين من الهنود الحمر وإحلال الأوروبيين بدلا منهم، ظناً منهم أن التاريخ يمكن أن يعاد في تلك الأرض المقدسة وينسى المهجرون وأبناءهم أن بلادهم محتلة وأن عليهم الرجوع يوماً، وأن كل من هاجر قسراً وعدواناً قد حمل معه مفتاح داره ليورثه لأبنائه وأحفاده أملاً في العودة لأرض المقدسات. حيث تم هدم أكثر من خمسمئة قرية بطريقة وحشية على يد عصابات الهاجاناة وهاشومير والأرجون وشتيرن وغيرها من العصابات التي تحولت فيما بعد لأحزاب سياسية وخرج منها الوزراء ورؤساء الوزراء ليحكموا كياناً بغير دستور يسمونه دولة على أنقاض دولة ما زال شعبها يحارب للعودة، أو يقاوم من داخلها دون الذوبان في المجتمع الجديد الذي فرضته الإرادة الدولية عليهم نتيجة التشرذم العربي والإسلامي وتفكك دولة الخلافة.

إن العام 1948 لم يكن البداية الحقيقية للمذابح الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني، وإنما كان حصداً لما قدمته العصابات من عمليات إبادة وتهجير لأصحاب الأرض ، ففي العام 1947 كان قرار التقسيم بالأمم المتحدة، الذي قررت فيه تقسيم البلاد بنسبة 56% لليهود و 43% لأصحاب الأرض، و 1% التي تمثل القدس تركتها مفتوحة بدون انتماء لأي من الطرفين، واضطرت إنجلترا تحت ضغط الأمم المتحدة لإنهاء الانتداب البريطاني على فلسطين، ومنذ ذلك التاريخ وترزح المقدسات الإسلامية تحت الاحتلال الصهيوني، بمظلة شرعية وحماية من المجتمع الدولي الجديد، ذلك المجتمع الذي فقد فيه المسلم قوته ووحدته، وفرضت قوة أخرى بنيت على الأطماع الاستعمارية والمصالح المشتركة.

الفلسطينيون والمقاومة

واليوم وبعد عقود من المقاومة الفلسطينية على مختلف أشكالها، ما زالت القضية تزداد اشتعالاً عاماً بعد عام، وما زال الشعب الفلسطيني يحيي القضية التي أرادوا لها أن تموت على موائد المفاوضات وفي أروقة البيت الأبيض والكنيست وتل أبيب وشرم الشيخ وأوسلو الأولى والثانية، وما زالت صواريخ المقاومة التي تقض منام الصهاينة تبعد مداها كل يوم حتى سببت الرعب للمستوطنات المتاخمة لمحيط غزة، حتى أن كل نار للحرب يشعلها الصهاينة تجبرهم تلك الصواريخ على طلب وقف إطلاق النار، والرضوخ لشروط فصائل المقاومة وطلب هدنة غير محدودة الأجل.

بل وباتت المقاومة تجبر الصهاينة على الانسحاب وتفشلهم على مدى سنوات حاولوا فيها اقتحام غزة، فيفشل أقوى جيش بالمنطقة -كما يدعى الصهاينة- على اقتحام قطاع لا تزيد مساحته عن نصف عاصمة من عواصم العرب، وتجبر المقاومة أمريكا على تأجيل إعلان ما يسمى بصفقة القرن أكثر من مرة!

بل ولأول مرة في تاريخ الصراع الإسلامي الإسرائيلي بتنا نشعر أن ميزان القوى يعتدل ويقترب رغم الفارق الكبير بين القوتين بميزان البشر ، لتظهر المعجزات التي يصنعها إيمان جيش المقاومة وصموده وإصراره.

إن كتائب القسام وفصائل المقاومة الفلسطينية لا تواجه في الحقيقة جيشاً يهودياً، وإنما تواجه في حقيقة الأمر جيوشاً عربية قررت الانبطاح والتوقف عند حماية أنظمتها المنبطحة للإرادة الأمريكية في مقابل الحفاظ على كرسي الحكم، وها هي المقاومة تعري الجميع بثباتها الأسطوري، وإرادتها الحديدية، وإيمانها الصلب الذي لا يلين أمام جبروت العصابات المحتلة، أو غشم السلطة الفاسدة، أو صمت العالم على الممارسات الإسرائيلية الغير إنسانية مع الحصار الغاشم المفروض على قطاع غزة!

هل تمرر النكبة الجديدة وتنتهي القضية الفلسطينية؟

إن صفقة القرن ما هي إلا نكبة جديدة يحاول العالم أن يمررها بصمته ويضيفها إلى سجل جرائمه في حق الشعب الفلسطيني ، والحقيقة أنني لا ألقي باللوم علي أي طرف خارجي، فالعالم تحركه المصالح، وتحركه كذلك الصليبية الحاقدة التي ما انتهت حتى اليوم بين الأمة الإسلامية ومراكز القرار في الغرب، وإنما ألقي باللوم كله على العرب والمسلمين الذين انتهجوا سبيل الضعف والانهزامية والتشرذم والانقسام الذي يرسخونه كل يوم.

إن الجيوش العربية التي انهزمت في النكبة ثم انسحبت ومنذ ذلك اليوم والأراضي المقدسة مدنسة بالحكم الصهوني، تعيد الكرة اليوم دون حرب، ودون إطلاق رصاصة واحدة تجاه العدو، وإنما تقوم مختارة بتسليم ما تبقى من فلسطين على موائد اللئام، وتحاصر الشعب الفلسطيني ليسلم في عملية تهجير مقننة جديدة، وحرمان اللاجئين من حق العودة لبلادهم، بل والتخلي عن القدس التي ما بها موضع إلا وبه دماء شهيد من شهداء الصحابة وحتى وقتنا المعاصر.

معركة عقيدة في المقام الأول

ويقيننا في الله أن القدس وفلسطين كاملة عائدة لحضن المسلمين، وأن المعركة الأخيرة على الأبواب وما تبقى منها إلا عودة الأمة كما كانت نسيجاً وقلبا واحداً، يجمعها التاريخ والعقيدة والمصير، ولن يستطيع العالم مهما بلغت قوته أن يمرر تلك الصفقة بغير ثمن طالما كان هناك مقاوم واحد يقبض على سلاحه ويرابط في سبيل الله معلناً أن الجهاد سبيلنا ، وأن الموت في سبيل الله أسمى أمانينا.

لقد أجبرت المقاومة الحرة العالم على الانتظار، وقربت المسافة بين القوتين، ومنعت الصهاينة من اتخاذ القرار منفردة، وما علينا اليوم إلا أن نعد لذلك اليوم الذي يجمعنا جميعاً كأمة على مداخل فلسطين.

وأما ما علينا نحن كأفراد هو الدعاء، والتعريف بالقضية، وإحيائها في قلوب المسلمين، وتربية أبنائنا على أن المقدسات هي مسئولية كل مسلم ، وأن الأرض كالعرض لا يجوز التفريط فيها، وأن العدو هو الصهيوني المحتل الذي يدنس أرضنا وبلادنا.

إن فلسطين لم تكن يوماً قضية تخص الفلسطينيين وحدهم، وإنما هي قضية كل مسلم، وإن النكبة التي أصابتنا يوماً في هويتنا آن لها أن تنتهي، وأن نكون جميعنا ليس عوناً للمقاومة فحسب، وإنما جزء منها، ولنعلنها بعقيدة ثابتة، أن فلسطين، كل فلسطين، هي وقف إسلامي، وأرض عربية لا يجوز وهبها، ولا التصرف فيها، ولا التنازل عنها لأي جهة مهما كانت، وأن على من يريد العيش فيها، فليكن تحت مظلة الحكم الفلسطيني وليس غيره. والله أكبر والعزة للإسلام.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتبة مصرية، مهتمة بالشأن الإسلامي العام، حاصلة على بكالوريوس إعلام من جامعة القاهرة، وكاتبة في العديد من الصحف والمواقع الإلكترونية، لها العديد من المؤلفات المنشورة، مثل: المنهاج في الدروس المسجدية للنساء، معالم على طريق التمكين الحضاري، وأبجديات الثورة الحضارية وغيرها.

شاهد أيضاً

إلى أي مدى خُلق الإنسان حرًّا؟

الحرية بين الإطلاق والمحدودية هل ثَمة وجود لحرية مطلقة بين البشر أصلًا؟ إنّ الحر حرية …