تكمن أهمية مثل هذه الكتب في ربط النشء بتاريخهم العريق وأسلافهم الكرام في الوقت الذي يجهد فيه الكثير لطمس معالم الحقائق التاريخية وتحريف الوقائع والتقليل من قيمة ومكانة ثلة كانوا منارات الخير والهداية عندما أخلصوا لرسالة الإسلام وآثروها ونبيها المرسل رحمة للعالمين على المال والأهل والأوطان.
ويأتي هذا الكتاب تحديدا بأهمية خاصة إذ يسلط الضوء على سيرة عطرة لأولى أمهات المؤمنين وما كان لها من أثر بيّن واضح في دعم نبي الإسلام والتضحية بكل غال ونفيس في سبيل هذه الرسالة، بل ولها أفضلية السبق بأن كانت أولى المؤمنين بمحمد بن عبد الله النبي والرسول فوهبت لهذه الرسالة مالها ووقتها بل وكل حياتها.
مع الكتاب
جاء هذا الكتاب ليضع بين يدي نساء اليوم مثلا أعلى من بنات جنسهن امرأة لم تمنعها أنوثتها من تسطير اسمها في سجل الخالدين المقبولين عند الله ورسوله، ولم تشغلها سفاسف الأمور وصغائرها عن عظيم القضايا الحياتية والمصيرية، كما لم تنتزعها تجارتها وثراؤها من دورها الأساسي ووظيفتها الأولى في الحياة، في الوقت الذي تذبذبت شخصية المرأة اليوم بين دعوات من هنا وهناك بل غيّبت دورها عن رسالتها الأولى عن عمد وقصد بحجة استقلالها واستعادة مكانتها، وحقيقة الأمر أنها دعوات قائمة على كلمة حق لكن أريد بها باطل.
فكان من الضروري لأولياء الأمور آباء وأساتذة جامعات ومدارس وإعلاميين أن يوجهوا اهتمام أبنائهم ومن هم تحت ولايتهم ولا سيما الفتيات لمثل هذه المراجع وتعريفهم بهذه الشخصيات وإبرازها وتسليط الضوء عليها كقدوات، حري بأبناء المسلمين رجالا ونساءً أن يسيروا على أثرهم ويحذو حذوهم، فمن كان يريد عز وسعادة الدنيا والآخرة فعليه بسيرة الرعيل الأول، وأنّ الإسلام قد أنصف أتباعه رجالا ونساء؛ فهذه أم المؤمنين خديجة بنت خويلد يُعلي الله شأنها في الدنيا والآخرة، وتتمتع بمنزلة رفيعة عند الله ورسوله، فتخلدها رسالة الإسلام جزاء على إيمانها وتضحيتها، في الوقت الذي يسفه أحلام أقوام ويطمر ذكرهم وإن كانوا رجالا، وما ذلك إلا لكبرهم وتعاليهم عن قبول الحق والخضوع إليه، فيتحقق بذلك قوله تعالى: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ} [آل عمران: 195].
فجاء هذا الكتاب وقد تتبع فيه المؤلف ألقاب أم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، وذكر كل سبب يكمن وراء ما لُقبت به، ثم يتتبع ما كان للمرأة من مكانة مرموقة في مكة تحديداً على الرغم من انتشار عادة الوأد عند العرب، ثم تحدث عن مجتمع السيدة خديجة وقومها وما تمتعت به المرأة من حرية ومشاركة للرجل في قومها في كثير من المجالات على اختلافها وقد ذكر نماذج على ذلك مثل مشاركتها في حلف المطيبين بل ومشاركتها في حرب الإسلام والمسلمين كما كان من هند في بداية أمرها.
وتحدث الكتاب عن أصل السيدة خديجة ونسبها وما تمتعت به أم المؤمنين في مقتبل عمرها من رجاحة عقل وحنو على الولد ورعاية للزوج ونصرة للمظلوم، وأنها كانت تعمل في التجارة دون أن يؤثر عملها وثراؤها على طباعها وأخلاقها، بل كانت تدير تجارتها من عقر دارها فلا تنزل لتخالط التجار في اجتماعاتهم ولا في أعمالهم وإنما تبعث مواليها ليباشروا أعمالها وقد عهدت بتجارتها للأكفاء فما أثر ذلك على خُلق لها ولا مربح ومكسب في تجارتها.
ويوضح المؤلف أن اشتغال السيدة الأولى - رضي الله عنها - ما كان ليشغلها عن التفكر فيما وراء هذه الحياة، بل كانت تتبع قصص الرسل السابقين من ابن عمها ورقة بن نوفل وما يقصه من أخبار عن نبي منتظر يخرج الناس من الظلمات إلى النور، ثم تحدث ما كان من أمرها وكراهيتها للأصنام والسجود لها.
ثم ذكر المؤلف بشيء من التفصيل أمر خطبة وزواج النبي -صلى الله عليه وسلم - من أم المؤمنين خديجة، وقد تناول في هذا المبحث الشبهات التي ألقيت حول كيفية إتمام الخطبة ومن الذي تولى أمر تزويجها والعمر الذي كانت قد بلغته وقد رد هذه الشبهات بناء على الأدلة، ثم تناول المؤلف الحديث عن البيت المبارك والانسجام والألفة التي كانت تجمع بين الزوجين واهتمام السيدة خديجة أم المؤمنين بأمر الزوج الكريم بأن جعلت له جناحاً خاصاً من البيت لتأملاته وخلوته.
ثم تحدث المؤلّف عن موقف السيدة خديجة وتثبيتها للنبي عندما جاءه الوحي وإيمانُها وثقتها بأن ما يراه حق بعيد عن لوثة السحر وما شابه، لذلك فهي التي عاشرت النبي -صلى الله عليه وسلم- وكانت على يقين أنّ رجلا يتمتع بصفات مثل التي يتمتع بها زوجها ما كان الله ليخزيه أبداً، وأيقنت بعد أن قصت على ابن عمها ورقة بن نوفل ما يراه زوجها بأن الله يهيئ زوجها لمهمة جليلة وأمر عظيم.
وتناول المؤلف فضل أسبقيتها للإسلام فكانت أول المؤمنين بهذه الدعوة، وفضلها في مؤازرة النبي بمالها ووقتها وجهدها، وتحملها الأذى من طلاق ابنتيها ومواساتها للمؤمنين الذين كانوا يتعرضون لأذية قريش، وأبت إلا أن تتحمل المعاناة مع المسلمين الناتجة عن المقاطعة فدخلت شعب أبي طالب مع زوجها لتتحمل شظف العيش وهي التي عرف عنها الثراء ورفاهية العيش، ثم ختم المؤلف كتابه ببيان منزلة السيدة الأولى أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها.
مع المؤلف
ولد الكاتب إبراهيم محمد الجمل في إحدى قرى محافظة المنوفية، وتخرج في كلية الشريعة بجامعة الأزهر سنة 1953م، وله أكثر من ثلاثين كتاباً منها: زوجات النبي، أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما، كما حقق بعض كتب التراث.
بطاقة الكتاب
اسم الكتاب: أم المؤمنين خديجة بنت خويلد المثل الأعلى لنساء العالمين
المؤلف: إبراهيم محمد حسن الجمل
عدد صفحات الكتاب 208