لا شك أن العالم اليوم أمسى قرية صغيرة يعرف فيها ما يجري في أقصاها في لحظات، وهذا بسبب الثورة المعلوماتية والتقنيات الحديثة والفضاء الواسع من الإنترنت والإلكترونيات والتقنيات التي تتطور على مدار الساعة، خصوصاً المنصات الاجتماعية والألعاب الذكية التي قد يصل عدد المشتركين والمتابعين لها إلى مئات الملايين من البشر بمختلف الأعمار السنية والشرائح العمرية.
حتى إنه قد أصبح إدماناً للكثير من الأطفال في المراحل المبكرة وهذه ظاهرة فرضت نفسها على المجتمعات ككل والبيوت على وجوه الخصوص شاء من شاء وأبى من أبى ولا مجال للنكران والتجمل.
ونحن هنا لا نتحدث عن الأمر من منظور الرفض فالأمر فيه إيجابيات، ويقيناً فلكل زمن تربيته.
ولما كان الإنترنت حديث العهد بالواقع، فتربية الأولاد عليه بشكل معتدل مهم ومطلوب، فالعالم يتغير ووظائف اليوم لن تكون كالغد، وعليه فالأمر يستلزم إلماماً بكل التحديثات والتقنيات التي تتم كل دقيقة.
لكن اليوم سنتحدث عن الأمر من زاوية أخرى وهي إدمان هذا العالم عند شريحة الأطفال فالأمر جد خطير ومقلق فعلاً ونحن كمتخصصين نتحدث في إطار الأطفال وإطلاق إنذارات التحذير؛ لأن إدمانه أمر خطير مهما كان تفاخر الآباء ببراعة الأبناء في فهم التقنيات والأجهزة المحمولة والحاسوب، وسعياً منا للحد من هذا الغرام العجيب للأطفال وتعلقهم الشديد بالإنترنت وإدمانهم للألعاب عليه فإننا سنحدد في هذا المقال الأسباب الحقيقية والمظاهر الواضحة لتطور هذه العلاقة من فضول بسيط حتى وصلت للإدمان.
أولاً- الأسباب:
1. توفر الفضاء
إن الإنترنت اليوم في كل بيت بعروض سهلة ويسيرة خصوصاً مع كمية التنافس الرهيب بين الشركات والتي تستهدف المتابعة والاشتراكات الأكثر من الأسر، وعليه فإن الأمر ليس صعب المنال بل العكس تماماً، لذلك فالجهاز الموجود في البيت في مكان ما من زواياه أصبح في اليد متنقلاً مع صاحبه فلم يعد هنالك مجهود شاق بل كل ما هنالك هو تشغيل البيانات أو وضع الرقم الخاص بشبكة الإنترنت ثم يبدأ التحليق في هذا الفضاء بمنتهى اليسر والسهولة.
2. المحتوى الإلكتروني الجذاب
إن الإنسان بطبيعته يميل لكل بريق وحركة ومادة منسقة ومنظمة، ونظام تكنولوجي قائم كهذا كفيل بعمل جذب شديد للطفل فضلاً عن أنه مشوقٌ في ذاته للطفل فيجد فيه سلواه وانبهاره ومتعته، فلا يهتم بكمية الساعات التي يقضيها أمام الحاسوب متنقلاً بين مواقعه وألعابه فرحاً بنظامه، سعيداً بما يحققه من تواصل أو مكاسب في الألعاب.
حتى عندما يخلد للنوم يفكر في استكمال ألعابه غداً عازماً على تحقيق أكثر وأكثر من الأرباح الإلكترونية في اللعبة التي يعشقها.
3. التقليد الأعمى
إن الابن يفعل ما يراه من أبيه تماماً، فهو ينظر إليه كل برهة ليجده مشغولاً بالجوال الذي في يده، ويسمع يومياً عشرات الرنات والإشعارات من مواقع التواصل والايميلات الخاصة بوالده، وكما تطلع ليكون مثله أو على الأقل يمتلك جهازاً في الوقت الذي يتحدث بداخله، ويتمنى أن يعطيه الأب بعضاً من وقته أو يهتم به كما يهتم بجهازه.
وهو واقع سنتناوله في مقالات لاحقة لذلك فالابن يقلد والابنة تقلد، فيتحول المحضن الصغير إلى علاقات جافة بفعل الانشغال بالتكنولوجيا لفترات كبيرة كان من السهل توسيطها أو تقليلها، ومنح كل ذي حق حقه؛ فالاعتدال في كل شيء من عوامل الراحة والبساطة وكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته.
4. التطبيقات الحديثة
إن التطبيقات المتجددة والحديثة على الأجهزة الذكية تتقدم بسرعة قوية وشديدة وبصراحة هي شيّقة وجذابة للجميع، ونظرة الابن لها نظرة انبهار، فيجد نفسه سريعاً يحمل التطبيق والألعاب ويبدأ رحلة الاستمتاع بها ويشعر بأنه في كوكب آخر من السعادة ولو كانت لحظية إلا أنّه يحقق بعض أمانيه.
ثانياً: مظاهر الإدمان الإلكتروني
إن مظاهر الإدمان متعددة وأمور بسيطة ربما لا يلتفت إليها الوالدان أو يظنان أنها أعراض الإدمان، ويكون الأمر عندهم شيئاً عادياً بلا خطر أو مشاكل، لكن الواقع عكس ذلك تماما وعليه فإن هذه المظاهر تتمثل بالآتي::
1. إصابة الطفل بالحزن في حال غياب الحاسوب والأجهزة المحمولة من البيت لعطل أو لحرمان أو لطوارئ الامتحانات، وتصحب ذلك رغبة في الانعزال وعدم التحدث مع أحد، طبعا مع الحزن والبكاء إن لزم الأمر.
2. الخروج الكثير من البيت بحثاً عن أماكن الإنترنت في الخارج سواء في المحلات الخاصة بذلك، أو التعلل بحتمية المذاكرة عند الأصحاب ممن يملكون الأجهزة المتاحة طوال الوقت.
3. عدم وجود شهية للطعام والاستمرار لساعات بدون أكل بل ينعدم مجرد التفكير في الجوع وذلك بسبب تشبعه الكامل بحاجته للنت وتفكيره في تطورات ألعابه أو انتظاره وترقبه لرسائله أو حزنه لعدم اكتمال مشاهدة ما كان يسعى إليه ويتمناه هو وأصحابه.
4. التعلل بأهمية وجود هذه الأجهزة بدعوى الخصوصية وأنه لديه ما يهتم به من الأمور الخاصة، وطبعاً يصاحب هذا الأمر خصوصاً داء الكذب؛ لأنه يدّعي أهمية الأمر، مثل أن المدرس أعطاهم اسطوانة مهمة يحتاج مشاهدتها، أو أن المدرسة سترسل لهم شيئاً عبر الإنترنت، وكل هذه الأمور بلا شك ترجمة لحالة الإصرار المصحوب بالعشق بينه وبين الأجهزة، وفي نفس الوقت مرارة شديدة إن لم يكن الآباء يدركون وضع أولادهم في المدرسة.
ختاماً، نحن نكتب محذرين الوالدين بأنه ليس كل تقدم في تعامل الأبناء مع الأجهزة هو تفوق وبراعة وشيء محل فخر لكن قد يكون هناك أمور ملغمة تعكر صفو حياة أبنائهم وتعزلهم في زحمة الحياة وربما يتطور الأمر فتحدث أمور نفسية أو علامات توحد فالحذر هنا مهم والأخذ بالأسباب والتوعية في التربية واجب لا مفر منه.
والسؤال الآن: ما هو العلاج وكيف نحمي الأبناء هذا ما سنناقشه في المقال القادم.