جمعيات حقوق الإنسان بين الحقيقة والافتراء

الرئيسية » خواطر تربوية » جمعيات حقوق الإنسان بين الحقيقة والافتراء
web17-jailhallway2-1160x768

بات وجه العالم اليوم أقبح ما يمكن؛ ليناسب هذا العصر الذي يُقال إنه بلغ من التطور والتقدم ما بلغ، فانغمس في ظلمات الجاهلية من أخمص قدميه لرأسه، إلى أن فاق الجاهلية الأولى في جاهليته، فقد سمعنا عمّن رفض في الجاهلية الأولى حصار القلة القليلة من المؤمنين الصابرين في شِعْب أبي طالب، وما سمعنا في جاهلية اليوم من ينتفض ليُحرّك ساكنا عما يجري على مرأى منه ومسمع لكثير من شعوب الأرض .

اليوم سيسجل التاريخ وصمة عار لكل الذين خرسوا عن قول كلمة حق في حق أولئك الذين يحاربون ويقتّلون لا لسبب وإنما لقناعتهم وثباتهم على مبدأ ارتضوه خُلقا وديناً، وأتساءل بدهشة وعجب: أين منظمات حقوق الإنسان؟ أين هي وما موقفها من كل الذي يحدث على مرأى العالم ومسمعه، من تكميم للأفواه وتقييد للحريات بل وإزهاق لأرواح بريئة ما كان لها ذنب غير الطهر في زمن يعربد فيه الظلم والجبروت.

أحداث متتالية في شتى بقاع الأرض، بل متسارعة ومتزايدة خلال الحقبة الزمنية القصيرة الماضية، من أقصى مشارق الأرض لأقصى مغاربها، كل يوم يتناهى إلى مسمعك ما يشيب له الولدان من تنكيل وتعذيب بل وإعدام يطال الأبرياء من العلماء والإعلاميين وأصحاب المبادئ، بل لكل الذين غردوا خارج السرب المصفق للظلم، فارتفعت هامتهم في زمن تقزمت به دول وأقوام، وقالوا: "لا"، في وجه من أَلِفَ أن تطأطئ له رؤوس وهامات.

أين جمعيات حقوق الإنسان والمرأة والتي لا تحمل من اسمها أي معنى على وجه الحقيقة، أين هي أمام كل المجريات الآن؟ والتي طالما تحركت وتدخلت لأدنى خلاف حدث بين رجل وزوجته، بل وتجدها تحشر أنفها بين الإنسان وسعيه نحو الفضيلة فتستنكر حدوداً شرّعها الله في حق من سولت نفسه للعبث في أمن المجتمع، أو الاعتداء على أعراضه وحرماته، فاستنكرت عقوبة قطع اليد للسارق أو حد الجلد للزاني... وغيرهما من حدود الله، بل وصنّفت قضية تعدد الزوجات قضية جائرة مجحفة بحق المرأة، واعتداءً على إنسانيتها، ويصل بها الأمر أن تهاجم حجاب فتاة اختارته عن رضى وطواعية، لتصنفها داعية للتخلف والرجعية.

فإن كان ما سبق يمس بكرامة الإنسان وحريته، أو كان مؤشراً على أنه رجعي في نظر الجمعيات الحقوقية، أين هي إذاً من عقوبات السجن الانفرادي لسنوات متتابعة يحرم خلالها السجين من أدنى حقوقه كإنسان كما يحدث الآن في أوطاننا وربوع بلادنا؟ وأين مواقفها الإنسانية أمام قضايا النساء اللاتي غُيبتهن السجون، وحيل بينهن وبين أُسرِهن! أو تراها أين هذه الجمعيات والأبناء يعدمون أمام عيون أمهاتهم ونسائهم، لا لجرم ارتكبوه وإنما إشباعا لغريزة بعض الذين اعتادوا على إراقة الدماء، أين هي أمام كل هذه القلوب المفجوعة التي تحاول رتق جراحها بنظرة وداع على جسد مسجى؟

أين جمعيات حقوق الإنسان من عقوبات السجن الانفرادي لسنوات متتابعة يحرم خلالها السجين من أدنى حقوقه كإنسان كما يحدث الآن في أوطاننا وربوع بلادنا

ولكن حضارة اليوم - التي تتصدر لها زعامات وصلت لسدة الحكم من خلال جماجمنا - تأبى أن تحقق لأهل الفقيد ما هو بديهي بين كل المخلوقات، كإلقاء نظرة وداع على جسده المغدور، بل وتصادر حقهم في الإشراف على مراسم الدفن والتكفين الذي يليق بكرامة أي إنسان على اختلاف مذهبه ودينه وجنسه.

إنّ الأيام دول وصولات وجولات فإن كانت جولات اليوم وصولاته تجثو على صدورنا وتحصد من أعمارنا وأرواحنا ما تحصد، إلا أن يقيننا أنّ الساعة الحاسمة لا محال آتية وحينها سيقف التاريخ ليعلن شهادته، عندما يدرك الإنسان حقيقة إنسانيته وأنه يستمدها من الذي خلقه ابتداء، فيسعى لأن يتحرك بها في مشارق الأرض ومغاربها وفق معالم الشخصية التي أراد الله لها أن تكون، لا وفق أبجديات ومواصفات تلك الجمعية وذاك الطاغية، عندها سيبسط العدل ذراعيه فلا تكميم للأفواه ولا مصادرة للأقلام والحناجر والحريات وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.

على المسلم اليوم ألا يقف محبطا أمام الخطوب التي تمر بساحته بل وتمر بساحة كل مناصر للحق أيّاً كانت جنسيته ولغته وبيئته

لا شك أن دروب المجد والعز محفوفة بالمكاره والعثرات والدماء والأشلاء، وعلى المسلم اليوم ألا يقف محبطا أمام الخطوب التي تمر بساحته بل وتمر بساحة كل مناصر للحق - أيّاً كانت جنسيته ولغته وبيئته، وعلينا يقينا أن ندرك أن ثمة يد خفية توجه هذه الجمعيات الحقوقية للإنسان حيث الوجهة التي تريد، فتنطق في وقت إثارة البلبلة والفتن في المجتمعات وتصمت عندما يتطلب الأمر منها وقفة حقيقية نصرة للإنسان المسلوبة كرامته المنزوعة عنه إنسانيته، فلا ننتظر أن تنصفنا هذه الجمعيات؛ لأنها ما وجدت لإنصافنا وإنما لدفننا أحياء.

وعلينا أن ندرك أن الحق لا ينتصر بشخصيات متذبذبة ذات وجهين، تقف مع من كانت الصولة والجولة له، أو بشخصيات تحسن إذا أحسن الناس وتسيء إذا أساء الناس، بل ينتصر الحق بثبات أهله وصمودهم ورسوخهم كما الجبال الراسيات ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "كانَ الرَّجُلُ فِيمَن قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ له في الأرْضِ، فيُجْعَلُ فِيهِ، فيُجَاءُ بالمِنْشَارِ فيُوضَعُ علَى رَأْسِهِ فيُشَقُّ باثْنَتَيْنِ، وما يَصُدُّهُ ذلكَ عن دِينِهِ، ويُمْشَطُ بأَمْشَاطِ الحَدِيدِ ما دُونَ لَحْمِهِ مِن عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ، وما يَصُدُّهُ ذلكَ عن دِينِهِ، واللَّهِ لَيُتِمَّنَّ هذا الأمْرَ، حتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِن صَنْعَاءَ إلى حَضْرَمَوْتَ، لا يَخَافُ إلَّا اللَّهَ، أَوِ الذِّئْبَ علَى غَنَمِهِ، ولَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ" [صحيح البخاري].

وعلينا أن ندرك مسؤولياتنا بالسعي والعمل، كلٌّ وفق ما يملك من طاقات وإمكانات، بدون أن نطالب بالأثر، أو نسأل عن النتائج، وإنما نسأل: ماذا قدمنا، وفي ماذا قضينا أعمارنا، أعمالنا وأموالنا؟

فليّعد كل منا الجواب لمسألته لنلقي أمام الله معذرتنا، ولنوقن أنّ موتنا أفراداً وجماعات في سبيل الرسالة التي نحمل لا يؤثر على سير القافلة؛ فالموت حقّ، وكل منا لا بد متجرعه، وشتان بين موت العزة والإباء وموت الجبن والذلة والهوان، فما كان ثباتنا على الحق يوما بمعجل لنا الموت، وما كان جبن الخانعين الأذلاء ليمدهم بسنين بل بدقائق من حياة، فقد حق قوله تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ۖ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف: 34]

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتبة حاصلة على الدكتوراة في العقيدة والفلسفة الإسلامية من جامعة العلوم الإسلامية العالمية في الأردن. و محاضرة في جامعة القدس المفتوحة في فلسطين. كتبت عدة مقالات في مجلة دواوين الإلكترونية، وفلسطين نت، وشاركت في المؤتمر الدولي السادس في جامعة النجاح الوطنية حول تعاطي المخدرات. مهتمة بالقضايا التربوية والفكرية، وتكتب في مجال الروحانيات والخواطر والقصة القصيرة.

شاهد أيضاً

مسؤولية التعلم ولو في غياب “شخص” معلم

ربما من أوائل ما يتبادر إلى الذهن عند الحديث عن العلاقة بين المعلم والمتعلم، قصيدة …