كيف تتجنب المبالغة في الثقة بالنفس

الرئيسية » بصائر تربوية » كيف تتجنب المبالغة في الثقة بالنفس
overconfidence - الثقة العمياء بالنفس - كيف تتجنب المبالغة في الثقة بالنفس - فرط القثة بالنفس - الثقة المفرطة بالنفس

تلقى مجموعة من الأطبّاء كميات كبيرة من الأدوية الممتازة، كهدايا قدمتها إليهم شركة أدوية، وبعد فترة من الزمن سئل جميع هؤلاء الأطباء إن كانت هذه الهدية ستؤثر على قراراتهم بشأن جدوى الأدوية وإن كانوا سيصفون الدواء الخاص بهذه الشركة للمرضى دوناً عن غيره؛ كتعبير عن الامتنان للشركة التي أكرمتهم بالهدايا وأجاب الأغلبية: "ربما يفعل الجميع ذلك، بينما لن أفعل ذلك بالطبع".

العالمة (إيرين ماكورميك) الباحثة في علم السلوك النفسي، كانت قد أجرت هذه الدراسة بالفعل على عينة تتكون من 661 طبيباً، وقد كانت الإجابة المذكورة أعلاه إجابة 99.8% من بينهم، ولم يتحمل المسؤولية ويعترف بأنه قد يفعل ذلك سوى 2 منهم!

إن ما يلفت الانتباه حقاً هو الانتشار الكبير لتلك الظاهرة وليس مجرد وجودها؛ فهي سلوك إنساني طبيعي إذا كانت محدودة! ولكي نكون منصفين، يدخل ذلك السلوك في القرارات التي تخص جميع المجالات وليس الطبّ وحسب.

إليك هذا المثال:

لو نجح أحد المتقدمين إلى اختبار السياقة، واعتقد أنه كان ماهراً فعلاً في الاختبار وعزا النجاح إلى قيادته الممتازة فقط، فإنه إذا فشل هذا الشخص سيتهم المدرّب بالتقصير والفشل، أو يعزو السبب إلى ظروف الطقس، سوء الطريق، أعطال السيارة المستخدمة، أو تعنّت الفاحص، ولن يعترف إطلاقاً بأن أداءه كان سيئاً!

وبعد حصوله على الرخصة، إذا مرّت أمامه سيارة مسرعة جداً وهو يقود في أحد الطرق السريعة سيصف السائق الآخر بأنه متهور، بينما لو كان هو الذي يقود بالسرعة القصوى والخطأ واضح ستجده يلقي باللوم على الظروف، حالات الطوارئ، الوقت... أو أي شيء آخر غير أن يعترف بمسؤوليته، فهو ليس مهووساً أو متهوراً - من وجهة نظره!

وفي الدراسات السلوكية الذاتية الكثيرة التي أجريت في المجالات المختلفة، وجد الباحثون ما يلي:

- في المدرسة: التقدير الجيد يُعزَى لذكاء واجتهاد شخصي، أما الرسوب والتقدير الضعيف فسببه إما معلم ضعيف أو اختبار غير عادل!

- في العمل: التعيين في وظيفة يُعزَى لإبهار المتقدم ومؤهلاته العالية، أما الرفض فسببه أن موظف الـ HR لم يعجب بالمتقدم؛ لأنه صلف ومتكبر!

- في الرياضة: الفوز في مباراة يُعزَى لمهارة الفريق وممارسته، أما الخسارة فسببها أن الحكم ظالم!

برأيك ما الذي يمكن أن يجعل أحدنا ينسب أي نجاح شخصي لنفسه، بينما ينسب الفشل إلى الظروف المحيطة وإلى الآخرين من حوله غير ثقته العمياء بنفسه؟  ما الذي يجعل شخصاً طبيعياً يلوم الآخرين إذا ارتكبوا أخطاءً، أما إذا ارتكبها هو فيلوم الظروف والمحيط؟

أسباب ودوافع الثقة العمياء بالنفس

ثقة عمياء طبعاً؛ لأنها تُري الإنسان إخفاقات الآخرين وعيوبهم ولا تريه عيوبه وإخفاقاته، تبعا لحالته النفسية ولأجل تحقيق رضى نفسيّ وقيمة ذاتية وحسب.

جميعنا نحتاج إلى تقدير الذات واحترامها وحمايتها من الاضطرابات التي تسببها الإخفاقات المختلفة.

قد تصفها أنت بالغرور، العُجب، الزهو، إلا أن تعريفها هو: المبالغة في الثقة بالنفس، ومفتاحها: "إذا نجحتُ فالفضل لي، وإن أخفقت فاللوم على الآخرين".

وأسباب الثقة المفرطة بالنفس عموماً لا تتعدى كونها طبيعة بشرية تخضع لـ: خصائص نفسية، ومؤثرات خارجية، ويصفها علماء النفس بأنها إسقاط خاطئ لما نفعله على المحيط.

أسباب الثقة المفرطة بالنفس لا تتعدى كونها طبيعة بشرية تخضع لـ: خصائص نفسية، ومؤثرات خارجية، ويصفها علماء النفس بأنها إسقاط خاطئ لما نفعله على المحيط

وقد أفرزت الأبحاث النفسية مصطلح (التفوق الوهمي) يصف من يعُدُّون أنفسهم أفضل وأكثر إيجابية من الأغلبية ذات المستوى المتوسط في العمل، الظروف الاجتماعية والمواقف الحياتية  ، وعزت أسبابه إلى:

1. يصعب على الإنسان تحديد عيوبه الشخصية، وعيوب التفكير لديه، بينما يسهل – وبشدة – رصد عيوب التفكير لدى الآخرين، وهذا ما يُصعّب الأمر ويجعله أشبه بالثقة العمياء أو التفكير الأعمى.

2. التفكير بهذه الطريقة يحفظ ماء الوجه؛ لأنه يخلص الإنسان من "عار" الفشل – إذا صح التعبير – ومن الخجل بشأن مستواه مقارنة بالآخرين، بالرغم من أنه سوف يحرمه من التمتع بالنهوض والتطور الشخصي والنمو الذاتي والمعرفي.

3. الميل إلى حماية المشاعر وتحقيق الثقة بالنفس واحترام الذات؛ فكما أسلفنا فرط الثقة بالنفس يشعر الإنسان بالرضى والارتياح ويرفع منسوب تقدير الذات  .

4. يتسرب هذا التفكير إلى اللاوعي مع التكرار والإصرار وإهمال المواجهة وجلسات التقييم الذاتية، فيترسخ شعور تلقائي لدى الإنسان بأنه يستحيل أن يخطئ!

هذه هي أهم الأسباب التي تدفع إنسانا ليفترض بأن الآخرين هم سبب إخفاقاته دوماً، وأنه غير مُلام إطلاقاً.

يتسرب تفكير (التفوق الوهمي) إلى اللاوعي مع التكرار والإصرار وإهمال المواجهة وجلسات التقييم الذاتية، فيترسخ شعور تلقائي لدى الإنسان بأنه يستحيل أن يخطئ!

ويقول الباحثون إن هذا السلوك يظل ضمن المستوى الطبيعي ولا حرج فيه إلا إن تجاوز 50% من سلوكياتك؛ لأنك بذلك تنحدر سلوكيا ناحية الثقة المفرطة بالنفس، ويعود ذلك لسببين اثنين:

1. أن الدماغ يرتبط ارتباطا قويا بفكرة احتياج الإنسان لهذه الثقة؛ كي يتعاطى مع العالم ويتعامل معه.

2. أن إنكار الإنسان الدائم لتلك الحالة وتأثيرها، يجعل الإنسان عالقاً للأبد في طريقة تفكيره القديمة.

كيف تتجنب المبالغة في الثقة بالنفس

إليك أولاً هذه القاعدة: " إذا ألقيت اللوم على الظروف دوماً، فإنه لن يكون بإمكانك فعل أي شيء أبداً، بينما إذا تقبّلت تحمل المسؤولية فإنك ستجد حلاً تفعله حيال ذلك في المرة القادمة وتتحسن  ".

كيف إذاً تواجه هذا التحدي وتتغير للأفضل؟ فلا تتحيز لنفسك وإن كنت على خطأ!

1. ضع في اعتبارك أن احترامك لذاتك لن يتحقق بهذه الطريقة الملتوية، بل بتحمل المسؤولية وليس بإلقائها على المحيط والظروف  .

2. عندما تواجه مشكلة قاوم رغبتك في إلقاء اللوم على الآخرين، واعترف بأخطائك، تمالك نفسك، وقيّم الموقف بموضوعية قدر الإمكان.

3. لا تسأل: من فعل ذلك؟ أو: من هو سبب ذلك؟ بل اسأل: ماذا يمكنني أن أفعل وماذا تعلمت من ذلك؟

عندما تواجه مشكلة قاوم رغبتك في إلقاء اللوم على الآخرين، واعترف بأخطائك، تمالك نفسك، وقيّم الموقف بموضوعية قدر الإمكان

بهذه الطريقة سوف تتمكن من إدارة تفكيرك وتصحيح المسار؛ لاتخاذ قرارات أكثر حنكة والحصول على أفضل نتائج وتعيش حياة متميزة.

و كلما تعلم أحدنا شيئاً عن الشخصية الإنسانية، سيبدأ بملاحظة وجودها وقياس درجاتها، ولذلك قيل إن المعرفة هي كل شيء  ، ولكن الفائدة الحقيقية لن تتلخص في معرفة الأخطاء والعيوب والقصور العقلي في التفكير، بل في تطبيقها على الذات، فلن يستطيع أحد إصلاح عيوب تفكيره إلا إذا تعرف عليها، فالذكي يتعلم من أخطائه، والأذكى يتعلم من أخطاء الآخرين.

وبعد التعرف على العيوب ستكون أهم خطوة للتحسن هي مواجهة الحقيقة بأن كل إنسان لديه ما يسمى بـ (نقطة العمى – Blind Spot)

وحل المشكلة يبدأ بمعرفة مصدر هذه الطريقة في التفكير، وقد أشارت الباحثة السلوكية (ماكورميك) إلى أن شعور المبالغة في الثقة بالنفس يأتي من العقل مباشرة، ولذلك فإن مواجهته ستبدأ من هناك  ، إليك النصائح التالية لتغيير طريقة تفكيرك والتخلص من المبالغة في الثقة بالنفس:

- امنح عقلك الفرصة للتفكير بموضوعية.

- تخلّ عن الحدس والتخمين وتحصّن بالتفكير العميق المبني على المعرفة حال أخطأت.

- تقبّل فكرة أنك في الحقيقة عرضة للأخطاء – مثل أي بشري  .

أخيراً،

قد يبدو هذا الأمر غريباً وغير مباشر، لكنه – بدون شك - سيفتح آفاقاً ومجالات لاتخاذ قرارات أكثر وضوحا وأكثر ذكاءً، وبالتالي سيعطي نتائج أفضل.

معلومات الموضوع

مراجع ومصادر

  • http://patrikedblad.com/cognitive-biases/self-serving-bias/
  • http://patrikedblad.com/cognitive-biases/bias-blind-spot/
اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتبة فلسطينية من قطاع غزة، تحمل شهادة البكالوريوس في علوم المكتبات والمعلومات، وعدة شهادات معتمدة في اللغات والإعلام والتكنولوجيا. عملت مع عدة قنوات فضائية: الأقصى، القدس، الأونروا، الكتاب. وتعمل حالياً في مقابلة وتحرير المخطوطات، كتابة القصص والسيناريو، و التدريب على فنون الكتابة الإبداعية. كاتبة بشكل دائم لمجلة الشباب - قُطاع غزة، وموقع بصائر الإلكتروني. وعضو هيئة تحرير المجلة الرسمية لوزارة الثقافة بغزة - مجلة مدارات، وعضو المجلس الشوري الشبابي في الوزارة. صدر لها كتابان أدبيان: (وطن تدفأ بالقصيد - شعر) و (في ثنية ضفيرة - حكائيات ورسائل).

شاهد أيضاً

“بروباجندا” الشذوذ الجنسي في أفلام الأطفال، إلى أين؟!

كثيرًا ما نسمع مصطلح "بروباجاندا" بدون أن نمعن التفكير في معناه، أو كيف نتعرض له …