كيف تتخلص من الانقياد الأعمى وتُعزّز ثِقتك بنفسك؟

الرئيسية » تحقيقات وحوارات خاصة » كيف تتخلص من الانقياد الأعمى وتُعزّز ثِقتك بنفسك؟
why-you-do-not-trust-yourself

كانت لي زميلتان في المدرسة، وكانت إحداهما متسلطة على الأخرى بشكلٍ كبير، فإنْ خاصمت إحدى الزميلات كان على الأخرى أن تخاصمها، وإن رضيت عنها لا بد للأخرى أن تتخذ الموقف ذاته، والغريب في الأمر أن صديقتنا كانت تنصاع دون اعتراض أو مناقشة لكل ما يُطلب منها.

والسؤال هنا: ما الفائدة من ستر شخصيتك والاكتفاء بمحاولات استرضاء الآخرين والانقياد الأعمى لهم؟ لا شيء أضرّ على الإنسان من عدم ثقته بنفسه، ولا شيء يهدم ثقة الإنسان بنفسه أكبر من جهله بها، وأعظم الجهل بالنفس احتقارها والنظر الدُّوْنيّ لها، ولا شيء يصنع النجاح مثل الثقة بالنفس.

لا داعي أن تقبل عملاً لا تريد القيام به أو لا تؤمن بنجاحه، إن الأمور التي ترفضها مهمة جداً، فهي تميزك عن الآخرين، إنّ بناء مثل هذه الحدود هو الطريقة التي تُفهِم بها الآخرين أين ينتهي عالمهم ويبدأ عالمك؛ أما إذا لم تبين لهم هذه الحدود فسوف يتعدون عليها.

فما هو الفرق بين الثقة بالنفس والانقياد الأعمى؟ وما هي ملامح كل منهما؟ وكيف يمكن التخلص من الانقياد الأعمى وزيادة الثقة بالنفس؟

ما هي الثقة؟

علي قطناني: الفرق بين الثقة والانقياد الأعمى هو إمّا أنْ تكون أنت هو أنت، أو أنْ تكون نسخة عن غيرك، تفعل ما يفعل وتُكرر كلامه وسلوكياته.

من جهته، قال المدرب التربوي علي قطناني لـبصائر: "إنّ الثقة بالنفس لُغةً تعني الشخص المتأكد من أقواله وأفعاله، المطمئن لها ولصحتها والمعتمد على قراراته"، موضحاً أنّ هذه الثقة تُحرر الإنسان من مخاوفه وتُبعده عن التردد وتمنحه الشجاعة والإقدام.

وأضاف: "الثقة هي تقدير الذات، وهي من مقومات بناء الشخصية في الانسان ووضعها في محلها وهي الطريق نحو النجاح، مشيراً إلى أنّ الثقة يُربّى عليها الصغير ويُعطى الفرصة الكاملة والمناسبة لاكتسابها".

أسباب فقدان الثقة بالنفس

ولفت قطناني إلى أنّ "أهم ما يُضيّع على الشخص فُرصة اكتساب الثقة بالنفس هو العنف بأشكاله، والمنع من التجربة، والإسكات بحُجة الصِغر أو العيب "، مشيراً إلى أن حياة أي إنسان أو طفل قائمة على التجربة والاختيار وفي هاتين الخصلتين احتمالية الخطأ واردة.

وذكر أنّ الحرص يعدّ أحد أنماط تربية الآباء "الخوّافة"، وهو أحد الأسباب التي تحرم الأبناء من بِناء ذواتهم واكتساب ثقتهم بأنفسهم، منوهاً إلى أنّ هذا النمط من الأنماط التي يعاني أفرادها على المدى البعيد؛ بسبب اعتماد الابن على والديه وتبعيته لهم بالكلية؛ فتجد الأب يحمل عن ابنه المسؤولية حتى وإنْ كبر وتخطى عمر الاعتماد على الوالدين.

وأوضح قطناني أنّه يجب على الوالدين منح أبنائهم الفرص لكي يعتمدوا على أنفسهم، ويكتسبوا ثقتهم بأنفسهم وذلك بالتدرج حسب أعمارهم وقدراتهم وبيئاتهم.

وتابع: "إذا استطاع الوالدان تجاوز الأنماط الحريصة المُفرِطة ومنحا أبناءهما فرصة التجربة، والاختيار، وتحمل مسؤولية ونتائج أعمالهم، وتركا ممارسة العنف ضدهم فإنّ هذه الخطوة ستحررهم من التبعية والانقياد لغيرهم، سواء كان هذا الانقياد جبناً وخوفاً من قوي، أو نتيجة هشاشة في الفكرة والتقدير، أو ضياع في الشخصية".

وشدد قطناني على أهمية التركيز على مرحلة البدايات والتنشئة عند الأبناء؛ لأنها مرحلة البِناء، أمّا ما بعدها فيكون أسهل، مستدركاً: "لكن إذا أخفقنا وفشلنا في مرحلة البناء فسيكون ما بعدها أصعب".

الفرق بين الثقة والانقياد الأعمى

وحول الفرق بين الثقة والانقياد الأعمى، قال قطناني: "إنّ الفرق بينهما هو إمّا أنْ تكون أنت هو أنت، أو أنْ تكون نسخة عن غيرك، تفعل ما يفعل وتُكرر كلامه وسلوكياته"، مبيناً أن الثقة مآلها هدوء النفس، أما الانقياد الأعمى فيقود إلى الانفجار والتعدي؛ نتيجة فقدان الذات وضَيَاع الأهداف والآمال.  

وأردف قائلاً: "إنّ الثقة طريق للنجاح والاعتزاز؛ لأنها تقوم على المراجعات والتقديرات، أما الانقياد فليس فيه لذّة، لذلك نجد فيه تكراراً للأخطاء بدون تفكير ومراجعة"، {بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ} [الزخرف:22]

ملامح الثقة والانقياد الأعمى

ولفت قطناني إلى أنّ الهدوء والسلام الداخلي، وقوة المنطق والحجة، وسلامة الوقفة وصلابة العود واستقامة الظهر وعلو الرأس، ومواجهة من يحدثه بعينيه لا محاولة التهرب بالنظر يميناً أو يساراً أو إلى أسفل هروباً، والتقبّل لنقد الآخرين بصدرٍ رحب، والاعتراف بالخطأ، والسعي إلى تغييره والحرص على الحكمة فهي ضالة المؤمن، وتجاوز الشخصنة (الأشخاص)، وتجاوز التُرّهات، والنظر في القيم والأخلاق أولاً وتقديمها، كُلّها من المميزات التي يتحلى بها الواثق بنفسه، على حد وصفه.

واسترسل: "أما من اعتاد الانقياد الأعمى فنجده يفقد الكثير من هذه المقومات، ويجنح إلى حالة الدفاع عن النفس غالباً لسوء فهمه، وظنه أنّ الكل يهاجمه، ويتهمه بالخطأ، ليلجأ بعد ذلك إلى طلب الشفقة والدعم من خلال لومه وسبه لنفسه، فنجده دائماً يردد: (أنا الحق علي - أنا الغلطان - أنا اللي ما بفهم - ثم يبكي ويجلس وحيداً).

وختم قطناني حديثه بالقول: "إنّ كل شخص بإمكانه استعادة ثقته بنفسه بالتعلم والتدريب والاعتماد على النفس، والتحدث مع النفس بإيجابية، واللجوء إلى الله بالدعاء، والمواجهة الحكيمة لذاتك أولاً، ثم تقبل تقلبات الأحداث من حولك واعتبارها من الأمور السائدة في كل المجتمعات ومحاولة تجاوزها بِرَويّة وهدوء".

الثقة واحترام الذات

هاني فارس: الشخصية الانقيادية قد تكون في جو متدين أو تكون في جو منحرف، ولكنها تتميز بأنها تحرص على التزلف إلى من حولها واسترضائهم، وأن تتبنى أطروحاتهم دون بصيرة

من جهته، قال هاني فارس مدرب التنمية البشرية والإدارية لـ بصائر: "إن الثقة بالنفس عبارة عن شعور داخلي يجعل الإنسان يشعر بقيمة نفسه بين الآخرين، وبأنه شخص نافع ومهم ويستحق الاحترام من الآخرين، فيتصرف بشكل طبيعي"، مضيفاً أن الثقة بالنفس تكون مكتسبة من البيئة المحيطة، ولها أهمية كبيرة في اتخاذ القرارات، وتقوية العلاقات، وتكوين الصداقات، وقيادة الحياة بنجاح".

وأوضح أن الثقة بالنفس ما هي إلا احترام للذات، أي أنه كلما زاد الفرد من احترامه لنفسه كانت ثقته بنفسه أكبر.

الانقياد الأعمى يُعارض الفطرة البشرية

وتابع: "أما الانقياد بمفهومه العام هو أن تُجبر على تنفيذ طلبات أو أوامر شخصٍ ما، أو على الأقل ألاّ تُعارضه بالمطلق، إمّا جهلاً أو خوفاً أو تكاسلاً، وهنا تغيب كل متطلبات الفطرة البشرية فيكون الشخص مُنقاداً لآخرين دون توفر أبسط حقوق التفكير المرجوة".

ونوه فارس إلى أنّ الانقياد الأعمى يجعل الإنسان يحب إرضاء المقربين منه، أو يجعله يتزلف لدى من هم أكبر منه أو لدى من لهم منصب أو مكانة بمتابعتهم وموافقتهم ، وإن قالوا شيئاً قاله، وإن عارضوا عارضه.

أمّا أبرز ملامح الانقياد الأعمى فقد ذكر منها: الفتور، غياب الرغبة في العمل، عدم ثقة الشخص بتفكيره وآرائه وقرارته، وكونه بحاجة دائمة للانقياد للآخرين ليتهرب من المسؤولية.

وأشار فارس إلى أن الشخصية الانقيادية قد تكون في جو متدين أو تكون في جو منحرف، ولكنها تتميز بأنها تحرص على التزلف إلى من حولها واسترضائهم، وأن تتبنى أطروحاتهم بدون بصيرة.

هل يمكن استعادة الثقة بالنفس؟

وفيما يخص مدى إمكانية استعادة الثقة بالنفس لمن فقدها، أكّد فارس أنه يمكن ذلك لكن تختلف المدة التي يحتاجها الشخص بحسب طبيعته وقوة الموقف الذي تعرض له، وإرادة الفرد.

ونوه إلى أن أسباب انعدام الثقة بالنفس قد تكون نتيجة تسرع الشخص في التفكير مما يولد نتائج خاطئة لديه تُعرضه للزجر أو الاهانة، أو نتيجة البيئة المحيطة المحبطة، أو نتيجة غياب التشجيع وعزل الطفل عن المشاركة منذ الصغر مما يولد شخصاً فاقداً لثقته في الكبر.

وحول تأثير كلٍ من الثقة والانقياد الأعمى على شخصية الفرد قال فارس: "إنّ المواقف والقرارات الصحيحة مع التشجيع والتحفيز تولّد لدى الفرد ثقة عالية جداً بنفسه، وتزيد مع كل موقف سليم وهذا يجعل الفرد أكثر هدوءاً وأنضج تفكيراً ومحل ثقة للآخرين".

وأردف قائلاً: "وعلى العكس من ذلك فإنّ الانقياد الأعمى نتيجة المواقف السلبية يجعل صاحب هذه الشخصية يسعى للتهرب من المواقف الكبيرة، ولا يجيد تحمل المسئولية ولو في بيته ".

ولفت إلى أن الثقة بالنفس من الممكن أن تتحول إلى شكلٍ من التكبر والغرور لو كان ممتلكها يعاني من بعض النقص، مضيفاً أنه من الممكن أن تجعل ممتلكها يستسهل الإهمال والكسل في التفكير في بعض القرارات الحساسة.

كيف يمكن التخلص من الانقياد الأعمى وزيادة الثقة بالنفس

وللتخلص من الانقياد الأعمى وجّه فارس عدة نصائح وهي:

1. زيادة ثقتنا في أنفسنا وقدراتنا وزيادة إيماننا بأنّ الله خلقنا لنكون خلائفه على هذه الأرض؛ لأن الإيمان بالذات يحفز الشخص على قهر مخاوفه.

2. مواجهة المخاوف قبل التّعاظم؛ لأن المخاوف تعد هي العدو الأكبر الذي يقف أمام الانقياد الأعمى، كما أن لها دوراً مهماً في شعور الشخص بقلّة الحيلة أو الضعف أو العجز.

3. يجب أن نبحث على بعض المواقف الصغيرة التي من الممكن أن نتخذ بها قرارات بسيطة، لكن من شأنها أن تزيد ثقتنا بأنفسنا مع تراكمها.

4. إجبار الذات على تحمل المسئولية ومجاهدة النفس المباحة عن التواري والهروب.

5. اكتشاف القوى الكامنة: ففي داخل كل منا قوى خفية وطاقات مهولة لا يعلم سرها إلا الخالق سبحانه وتعالى، والإيحاءات الإيجابية التي يبثها الفرد في نفسه تعد وسيلة فعالة لتقوية ثقته بنفسه وتغيير شخصيته إلى الأفضل.

6. معرفة الأهداف المستقبلية وتحديدها بأولوياتها الشخصية والاجتماعية والوظيفية، ووضع الخطط التنفيذية للوصول إلى الأهداف في الوقت المناسب والطريقة المناسبة.

7. الالتزام مع أناس قادة حقيقيين بغرض التعلم منهم سيجعلك تتجرأ على اتخاذ القرارات بنفسك والتي من شأنها أن تزيد ثقتك كفرد بذاتك.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
صحفية فلسطينية مقيمة في قطاع غزة، حاصلة على درجة البكالوريوس في الصحافة والاعلام من الجامعة الاسلامية بغزة عام 2011م، وكاتبة في موقع "بصائر" الإلكتروني، وصحيفة "الشباب" الصادرة شهرياً عن الكتلة الاسلامية في قطاع غزة. وعملت في العديد من الصحف والمواقع الإلكترونية أبرزها صحيفة فلسطين، وصحيفة نور الاقتصادية، وصحيفة العربي الجديد.

شاهد أيضاً

طفلي بلغ السابعة.. كيف أبدأ بتعويده على أداء “الصلاة” ؟

مما ينعش قلب الأبوين أن يقف إلى جوارهما طفلهما الصغير في سنوات عمره الأولى وهو …