الكتاب الذي بين أيدينا اليوم بعنوان: (كتاب الأخلاق والسير أو رسالة في مداواة النفوس وتهذيب الأخلاق) هو مجموعة من المقالات حول خواطر فلسفية ومنهجيات أخلاقية متنوعة من تأليف العالم الشهير ابن حزم الأندلسي.
مع الكتاب:
يقول ابن حزم في مقدمة رسالة مداواة النفوس إنه جمع في هذا الكتاب ما قد تعلمه بمرور الأيام في حياة مليئة بالتحصيل والتأمل: "إني جمعتُ في كتابي هذا معاني كثيرة أفادنيها واهب التمييز –تعالى- بمرور الأيام وتعاقب الأحوال، بما منحني عز وجل من التهمّم بتصاريف الزمان، والإشراف على أحواله؛ لينفع الله تعالى به من شاء من عباده، ممن يصل إليه، ما أتعبت فيه نفسي، وأجهدتها فيه وأطلت فيه فكري، فيأخذه عفواً".
ويذكر المحقق أن ابن حزم ينطلق من خلفية ثقافية ومعرفية واسعة بالإضافة لقاعدة علمية مستندة لاتباع نصوص الكتاب والسنة. ويتبع منهج البحث النظري والتجريبي، فيورد القاعدة الأخلاقية ثم يدلل عليها بتجربة شخصية أو بالقياس المنطقي والتشبيه التصويري، ويخلص من ذلك كله لتفسير حركة الحياة والناس.
لذلك فالكتاب على صغر حجمه مقارنة بمؤلفاته الأخرى نفيس غاية النفاسة، إذ حوى المعنى الكثير بالكلام القليل، وقد يبدو للوهلة الأولى مثل كتب المُلَح واللطائف المنتشرة اليوم، لكن المتقدمين يختلفون عن المتأخرين في أن حكمهم ليست متعة ذهنية أو رقائق ذوقية فحسب، بل هي وصايا عميقة الغور ونصائح مسددة الوجهة، لمن دخل عليها مدخل المتعلم طالب التزكية، لا مدخل المطلع طالب القراءة العابرة.
عرض تفصيلي:
بعد خطبة المؤلف، تنقسم الرسالة إلى فصول، كل منها يجمع خواطر حول موضوع ما، على الترتيب التالي:
• فصل في مداواة النفوس وإصلاح الأخلاق: ويرسي فيه أهم نظرية سيتلقفها علماء الاجتماع الإسلاميون من بعد، وهي أن حركة أي إنسان دافعها الأساسي طرد الهم، فهذا المطلوب الذي "يستوي الناس كلهم في استحسانه وفي طلبه، على اختلاف أهوائهم ومطالبهم وتبايُن هممهم وإراداتهم، لا يتحركون حركة أصلاً إلا فيما يعانون به إزاحته عن أنفسهم". ويشترك ابن حزم مع غيره من المفكرين المسلمين في أن السبيل الوحيد لإزالة الهم حقا هو: "التوجه إلى الله عز وجل بالعمل للآخرة".
• فصل في العلم: ويدور في الأساس حول فضل طلب العلم الديني والاشتغال به: "لَو لم يكن من فضل الْعلم إِلَّا أَن الْجُهَّال يهابونك ويجلونك، وَأَن الْعلمَاء يحبونك ويكرمونك، لَكَانَ ذَلِك سَببا إِلَى وجوب طلبه".
• فصل في الأخلاق والسير: نصائح لما يجب أو ينبغي أن يتحلى به المرء في نفسه، وتنبيه على دقائق في معاملة الناس.
ومن حكمه:
"العقل والراحة وهو اطّراح المبالاة بكلام الناس، واستعمال المبالاة بكلام الخالق - عز وجل- بل هذا باب العقل والراحة كلها" وأيضاً: "وطّن نفسك على ما تكره، يقل همك إذا أتاك ويعظم سرورك ويتضاعف إذا أتاك ما تحب مما لم تكن قدرته".
• فصل في الإخوان والنصيحة: عن كيفية معاملة الإخوان وإسداء النصيحة الصادقة. ومن نفائسه فيه: "اكْتم سرّ كل من وثق بك، وَأن لَا تُفشِيَ إِلَى أحد من إخوانك - وَلَا من غَيرهم - من سرك مَا يمكنك طيه بِوَجْه من الْوُجُوه، وَإِن كَانَ أخص النَّاس بك، وَأَن تفي لجَمِيع من ائتمنك، وَلَا تأمن أحداً على شَيْء من أَمرك تشفق عَلَيْهِ إِلَّا لضَرُورَة لَا بُد مِنْهَا، فَارْتَد حِينَئِذٍ واجتهد، وعَلى الله تَعَالَى الْكِفَايَة، وابذل فضل مَالك وجاهك لمن سَأَلَك أَو لم يَسْأَلك، وَلكُل من احْتَاجَ إِلَيْك وأمكنك نَفعه، وَإِن لم يعتمدك بالرغبة وَلَا تشعر نَفسك انْتِظَار مقارضة على ذَلِك من غير رَبك عز وَجل".
• فصل في أنواع المحبة: وفيه شذرات من فلسفته التي يبسطها في كتاب طوق الحمامة، وجوهرها أن: "الْمحبَّة كلهَا جنس وَاحِد، ورسمها أَنَّهَا الرَّغْبَة فِي المحبوب وَكَرَاهَة منافرته، وَالرَّغْبَة فِي المقارضة مِنْهُ بالمحبة، وَإِنَّمَا قدر النَّاس أَنَّهَا تخْتَلف من أجل اخْتِلَاف الْأَغْرَاض فِيهَا، وَإِنَّمَا اخْتلفت الْأَغْرَاض من أجل اخْتِلَاف الأطماع وتزايدها وضعفها أَو انحسامها".
ثم يدلل بالأمثلة كيف أنه على قدر الطمع فِيمَا ينَال من المحبوب تختلف وُجُوه الْمحبَّة، ويختم الفصل بأقوال في المحبة منها: "من امتحن بِقرب من يكره، كمن امتحن ببعد من يحب، وَلَا فرق".
• فصل في أنواع صباحة الصّور: أي جماليات الهيئة، فيعرّف كلا من الحلاوة والقِوام والروعة والحسن، واختلاف أذواق الناس فيما يستحسنونه أو يقبلونه في المحبوب.
• فصل فيما يتعامل به الناس في الأخلاق: "التلون المذموم هُوَ التنقل من زِيّ متكلف لَا معنى لَهُ إِلَى زِيّ آخر مثله فِي التَّكَلُّف، وَفِي أَنه لَا معنى لَهُ وَمن حَال لَا معنى لَهَا إِلَى حَال لَا معنى لَهَا بِلَا سَبَب يُوجب ذَلِك، وَأما من اسْتعْمل من الزي مَا أمكنه مِمَّا بِهِ إِلَيْهِ حَاجَة وَترك التزيد مِمَّا لَا يحْتَاج إِلَيْهِ فَهَذَا عين من عُيُون الْعقل وَالْحكمَة كَبِير"، ويشرح كيفية تطبيق هذا من سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم.
• فصل مداواة أدواء الأخلاق الفاسدة: يفصّل فيه كيفية مداواة العُجب خاصة، بمختلف أنواعه: العجب بالرأي، بالعمل، بالعلم، بالمال، بالصحة، بالنسب، ومن أقواله فيه: "وَاعْلَم أَن رياضة الْأَنْفس أصعب من رياضة الْأُسد؛ لِأَن الْأُسد إِذا سجنت فِي الْبيُوت الَّتِي تتَّخذ لَهَا الْمُلُوك أَمن شَرها وَالنَّفس وَإِن سجنت لم يُؤمن شَرها".
• فصل غرائب أخلاق النفس: فيتكلم عن ذوي الطباع الخبيثة الذين مهما أحسنت إليهم ازدادوا لك بغضاً، أو من يستحسنون الشر وأراذل الأخلاق.
ومن أقواله فيه: "ينبغي للعاقل أن لا يحكم بما يبدو له من استرحام الباكي المتظلم وتشكيه وشدة تلويه وتقلبه وبكائه، فقد وقفت من بعض من يفعل هذا على يقين أنه الظالم المعتدي المفرط الظلم، ورأيت بعض المظلومين ساكن الكلام معدوم التشكي مظهراً لقلة المبالاة".
• فصل حضور مجالس العلم: "إذا حضرت مجلس علم فلا يكن حضورك إلا حضور مستزيد علماً وأجراً، لا حضور مستغن بما عندك طالبا عثرة تشيعها أو غريبة تشنعها".
مع المؤلف
هو أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي القرطبي (994م – 1064م) جده يَزِيدُ مولى يزيد بن أبي سفيان بن حرب - أَخو معاوية بن سفيان.
كان ولاؤه وهواه السياسي مع بني أمية، على اختلاف في أصوله أهي عربية خالصة أم يخالطها الفارسي والأسباني، فقد احتلت عائلة ابن حزم مكانها كواحدة من كرائم العائلات في الأندلس في عهد الحاكم المستنصر، وامتلكت قرية بأسرها هي منت ليشم.
وصفه الحافظ الذهبي في كتابه (سير أعلام النبلاء) بـ: "الإمام الأوحد، البحر، ذو الفنون والمعارف الفقيه الحافظ، المتكلم، الأديب، الوزير الظاهري، صاحب التصانيف..."
بطاقة الكتاب
عنوان الكتاب: كتاب الأخلاق والسير أو رسالة في مداواة النفوس وتهذيب الأخلاق
المؤلف: ابن حزم الأندلسي
عدد الصفحات: 197 صفحة