كيف نقلّص الوقت الذي نهدره في اتخاذ القرارات وحل المشكلات؟

الرئيسية » بصائر تربوية » كيف نقلّص الوقت الذي نهدره في اتخاذ القرارات وحل المشكلات؟
Problem Solver حل المشكلات - اتخاذ القرارات Better Decisions قرار ذكي

لا يدرك قيمة تنظيم الوقت وادخاره لما هو ضروري من لم يدرك قيمة حياته ومعناها بعد، في أوروبا –مثلاً– يجتمع مجلس متكامل من تخصصات مختلفة: أصحاب رؤوس أموال، خبراء اقتصاديون وعلماء نفس واجتماع، وأشخاص عاديون، مستهلِكون وأطفال أيضاً؛ من أجل حفظ وقت الإنسان وتقنين هدر الطاقات والموارد البشرية والطبيعية والكونية بشكل عام.

في كتابهما (Nudge) خلُصَ المؤلفان (ريتشارد تايلور وكاس سونستين) إلى أن "التفاصيل الصغيرة التي قد لا تلفت انتباه أحد؛ بسبب ضآلة حجمها، يمكن أن تكون صاحبة التأثير الأكبر على الإطلاق على سلوكيات البشر واختياراتهم ".

ومن هنا حسب تجارب عديدة ودراسات موجهة أجراها باحثون، أصدروا توصيات بشأن الالتفات إلى التفاصيل الصغيرة التي تُكوّن المشهد كاملاً كأكثر تقنيات التحفيز فعالية، لدعم اتخاذ القرار الصائب الذي يقنن هدر الوقت.

الالتفات إلى التفاصيل الصغيرة التي تُكوّن المشهد كاملاً، هو أكثر تقنيات التحفيز فعالية، لدعم اتخاذ القرار الصائب الذي يقنن هدر الوقت

بالعودة إلى كتاب (Nudge) عرض المؤلفان ثلاث تقنيات لاتخاذ أصوب قرار في أقل وقت ممكن، هذه التقنيات هي:

وضع خيار افتراضي

وجود خيار افتراضي دوماً يختصر على الناس الكثير من وقت التفكير في القرار، ويختار الكثير من الناس الخيارات الافتراضية المطروحة، عندما يقترحها المنتِج.

في حياتك الشخصية كن محدداً دوماً، إذا لم تكن لديك خيارات محددة طالع الخيارات الافتراضية في أي أمر تريد اتخاذ قرار بشأنه، اطرح الخيارات التي اختارها الآخرون، واختر ما يناسبك .

1. مطالعة مراجعات الآخرين

الناس لا يتساهلون في أي أمر يدفعون فيه أموالهم، أو يقضون أوقاتهم، ولذلك يكونون صريحين جداً في الإدلاء بآرائهم عن أي شيء كان.

وقد ثبت أن أغلب الناس يستفيدون فعلا من مراجعات وآراء المستخدمين وشهاداتهم في حق أو ضد منتج أو خدمة.

لا تستعجل، ولا تماطل، خذ وقتك المعقول، استطلع الآراء، استشر الآخرين، ثم قرر بقوّة.

2. لاحق الوضوح والشفافية

كل شيء غامض -مهما جذب الانتباه– سوف يدعو إلى القلق، ولا يستطيع بناء علاقات طويلة الأمد.

خذ الأمر من عنوانه المباشر، الناس عموماً وإن اختاروا بدقة ثم برزت قبل التنفيذ ثغرة واحدة سيلغون القرار كله، أو إن تعثروا بخيار أفضل سيذهبون إليه!

لن تلهيك أو تشتتك الخيارات العديدة إذا كنت محدداً في قرارك وتعرف ما تريد، وإن لم تكن كذلك فاعتمد على مدى وضوح الطريق الذي أنت مقدم عليه .

كيف توظف تقنيات اتخاذ القرار الذكي في حياتك؟

حسب وجهة نظر مؤلفي كتاب (Nudge) فإن تنشيط الانتباه –أو حضور البديهة– يتيح اتخاذ قرارات أكثر ذكاءً والتصرف بشكل أفضل تلقائياً، وبدون الحاجة للتفكير، عبر تشكيل البيئة أولاً بالشكل الذي يجعلها تساهم في تشكيل قرارات سليمة، وبهذا فإن صناعة حياتك وبيئتك أولاً هي مسؤوليتك؛ لتستطيع الشعور بسلام تجاه قراراتك لاحقا.

تنشيط الانتباه – أو حضور البديهة – يتيح اتخاذ قرارات أكثر ذكاءً والتصرف بشكل أفضل تلقائياً، وبدون الحاجة للتفكير

• إذا كنت ترغب في تعلم الأشغال اليدوية، نظّم لأدواتها مكاناً تراه كثيراً في وقت فراغك، قرب غرفة المعيشة مثلا.

• إذا أردت إنقاص وزنك، استبدل أطباقك الكبيرة بأخرى صغيرة، واستبدل المأكولات العشوائية بأخرى صحية تكون دوماً في مرمى نظرك وتناولك.

• هل ترغب في زيادة قراءاتك؟ بسيطة وزع الكتب التي تحبها في كل مكان ترتاح فيه وتقضي وقتاً.

هل تريد أن تزيد من إنتاجيتك، ولكن تركيزك يتشتت في مواقع التواصل الاجتماعي؟ استخدم تطبيقاً يحظر عليك استخدامها في أوقات محددة .

نحن نميل غالباً إلى افتراض أن القرارات الذكية تتطلب جهداً ووعياً كبيرين جداً وأن السلوكيات الجيدة تتطلب تقنيات معقدة وقوة إرادة وتصميما متعبين، ونكتشف متأخرين أن كل ما كنا نحتاج إليه هو دفع بسيط أو وكزة (Nudge) والبقية ستأتي تلقائيا.

ألق نظرة على بيئتك حالاً واسأل نفسك: "كيف يمكنني أن أجعل الخيارات الجيدة أسهل، والخيارات السيئة أصعب؟"

سوف تواجهك مشكلات بالتأكيد، لا تقلق، ففي الحقيقة: إن الحياة الخالية من المشكلات، خالية من الحياة أصلا.

كيف تتفوق في حل المشكلات؟

تورط أحد الرهبان الإنجليز في القرن الرابع عشر في العديد من الخلافات السياسية والفكرية، وقد كان واحداً من أهم أصحاب الشخصيات البارزة في العصور الوسطى.

اشتهر عن هذا الراهب والذي يدعى باسم (وليام أوكهام) مبدأ قطع تعقيدات أية مشكلة، ذلك المبدأ الذي ألهم المفكرين من بعده ليطلقوا عليه موس أوكهام (Occam’s razor).

وينص مبدأ أوكهام ببساطة على أن "الحل الأبسط ربما يكون صحيحاً" وما بين الافتراضات الكثيرة لحل مشكلة ما توجد دائماً فرضية أقل مخاطرة وأبسط، تلك التي يهمل الغالبية وجودها، وباستخدام (موس أوكام) سوف يتمكن صاحب المشكلة من قطع كل افتراضات الحل المفرطة في التعقيد؛ ليستطيع التركيز على ما يمكنه أن ينجح به منها!

بين الافتراضات الكثيرة لحل مشكلة ما توجد دائماً فرضية أقل مخاطرة وأبسط، تلك التي يهمل الغالبية وجودها

وقد استخدم (موس أوكام) فعلياً في عدة مجالات:

1. العلم

استخدم كبار العلماء هذا المبدأ في إثبات نظريات ندرسها منذ مئات السنوات.

مثلاً، ألبرت أينشتاين كان يرى أنه "يجب أن يكون كل شيء بسيطا، ولكن ليس أكثر بساطة"

وتطبيق ذلك ظهر في معادلته الشهيرة (E = MC2) حين خفّضها إلى الحد الأدنى بدل اعتماد معادلة طويلة ومعقدة.

2. التطبيب والمداواة

غالباً ما يُدرَّب الأطباء على مبدأ تفسير التشخيص والأعراض بوضوح قبل اللجوء إلى تشخيصات غير محتملة؛ لتجنب التسبب بتفاعلات خطيرة بين العلاجات.

شاع في تدريب الأطباء مبدأ مشابه لمبدأ أوكام، ينص على: "عندما تسمع وقع الحوافر فكّر في الخيول، وليس في الحمر الوحشية" .

3. الجريمة

في تحقيقات جرائم القتل المختلفة يستخدم مبدأ يشبه موس أوكام كثيراً.

إذا وجدت امرأة مقتولة في منزلها، فإن المحققين غالباً يرجحون كون الشريك الذكر هو المتهم الأول أكثر من غيره، وذلك باستخدام مزيج من خبراتهم ومعرفتهم بالإحصاءات.
ومن خلال ذلك تبحث الشرطة غالباً عن شريك ذكر من بين الجناة المحتملين؛ لأجل حل الجريمة بكفاءة.

كيف ستستفيد أنت من هذا المبدأ؟

يوفر مبدأ أوكام نموذجاً عقلياً معقولاً لصنع استنتاجات أولية بمعلومات محدودة تقضي على كل الخيارات غير المقبولة والتي تشتتك فيما لا يفيد.

تخيل أن تعود يوماً إلى منزلك وتجد نافذة غرفة المعيشة مفتوحة، ستفاجأ؛ لأنك معتاد على إغلاقه وتركز في هذا الأمر كثيراً، وفي هذه الحالة سوف تفسر الأمر بإحدى طريقتين:

• كان عقلك مشغولاً بأمور كثيرة ونسيت أن تغلقه.
• اقتحم شخص ما منزلك بينما أنت خارجه.

التفسير الأول يتطلب قليلاً من التركيز لتتذكر ما فعلته قبل خروجك فعلياً.

أما التفسير الثاني سيعني أن شخصاً فتح نافذتك من الخارج، واستطاع أن يتخفى عن عيون الجيران وأسماعهم، ودخل إلى بيتك، ثم نظّف المكان خلفه ورتبه وغادر بهدوء كما جاء.

في حالة عدم وجود أي دليل على هذا كله للأسف، فإن التفسير الأول هو الأبسط والأصوب!

هذا جانب واحد يمكنك القياس عليه، ولا أقول إن مبدأ (موس أوكام) هو الأوحد والأكثر مثالية، لكنه مفيد في حالة التدرب على اتخاذ القرارات الأصوب بشأن حياتك.

ولا بد من التنويه إلى أن لكل قاعدة استثناءات ولا يمكن أن نتبعها على نحو أعمى، إلا أن البساطة تفوز دوماً، وسوف تحسّن حكمك على الأشياء وتساعدك في حل المشكلات واتخاذ قرارات أذكى بسرعة وكفاءة.

معلومات الموضوع

مراجع ومصادر

  • http://patrikedblad.com/mental-models/nudging/
  • http://patrikedblad.com/mental-models/occams-razor/
اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتبة فلسطينية من قطاع غزة، تحمل شهادة البكالوريوس في علوم المكتبات والمعلومات، وعدة شهادات معتمدة في اللغات والإعلام والتكنولوجيا. عملت مع عدة قنوات فضائية: الأقصى، القدس، الأونروا، الكتاب. وتعمل حالياً في مقابلة وتحرير المخطوطات، كتابة القصص والسيناريو، و التدريب على فنون الكتابة الإبداعية. كاتبة بشكل دائم لمجلة الشباب - قُطاع غزة، وموقع بصائر الإلكتروني. وعضو هيئة تحرير المجلة الرسمية لوزارة الثقافة بغزة - مجلة مدارات، وعضو المجلس الشوري الشبابي في الوزارة. صدر لها كتابان أدبيان: (وطن تدفأ بالقصيد - شعر) و (في ثنية ضفيرة - حكائيات ورسائل).

شاهد أيضاً

“بروباجندا” الشذوذ الجنسي في أفلام الأطفال، إلى أين؟!

كثيرًا ما نسمع مصطلح "بروباجاندا" بدون أن نمعن التفكير في معناه، أو كيف نتعرض له …