واستفزز… مرجلُ الغضب

الرئيسية » خواطر تربوية » واستفزز… مرجلُ الغضب
dreamstime_l_32373702

الممارسات اليومية والاحتكاكات المباشرة مع الأشخاص من حولك، يولد العديد من شحنات التنافر والتجاذب، وحالات الضيق والانزعاج، وليس الحديث هنا عن كيفية إدارة الخلافات، أو دروساً في الاتصال والتواصل، وإنما عن مرجل الغضب في صدر صاحبه، والذي يزيد المواقف حرارة ويستحثه للتفكير السلبي في ما وراء الفعل ومقاصده.

الاستفزاز خطوة من خطوات الشيطان وأداة من أدواته التي تسهم في بدء معركة داخلية تستجلب فيها الرجال وتشحذ فيها الأسلحة، وتستحضر فيها المواقف والأفعال ، يقول تعالى: {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُم بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ} [الإسراء: 64] إنه "صوتك" الذي يزعجك ويخرجك من مواقعك الحصينة الآمنة ويستدرجك للوقوع في فخ الخسارة موقِعاً بك جروحاً لا تندمل، هو الحث والتحريض الذي يؤدي إلى مزيد من الغضب، وأشكال عدة، منها الخارجي بفعل سلوك مباشر تجاه الآخرين لمحاولة إثارتهم واستجلاب غضبهم، ومنه داخليٌ -وهو مقصد حديثنا- يستولي على قلبك ومشاعرك ويشحنك سلبياً ضد المقابل فيزعجك ويعمل على زعزعة استقرارك ونزع طمأنينتك.

الاستفزاز هو "صوتك" الذي يزعجك ويخرجك من مواقعك الحصينة الآمنة ويستدرجك للوقوع في فخ الخسارة موقِعاً بك جروحاً لا تندمل

مرجل الغضب في صدرك كرة ثلج متدحرجة تكبر بشكل تراكمي؛ تصل إلى حد فقد السيطرة والتورط في العنف، وإذا ما علمت بأن هذا المرجل هو صوتك الداخلي، وحديث النفس للنفس، وتحليل المواقف والتصرفات، ذلك الحديث الذي يُزينُ لك على أنه نوع من التحليل والتريث وقراءة أفعال الآخرين، والذي يزعُم أنه معك ولمصلحتك ويقوم على إعادة ترتيب المشهد لك.

إن هذا الصوت ما هو إلا مزيج يصعب الفصل بين مكوناته من التصرفات والانطباعات، إنه ظلال الصورة النمطية وصيحات التجارب السابقة وصرخات المشاهد المتكررة، هو قصور الأداء وسلبية العطاء، وتراكم الانفعالات والتجاوزات الخاطئة لإرشادات الطريق .

يختلف الغاضبون في شكل ردود أفعالهم تجاه ما يتعرضون إليه من مواقف، يتفاوتون في درجات الاستفزاز الداخلي الذي يمرون به، ولكنهم يتشاركون في البحث عن آليات وطرق التعامل مع الغضب وامتصاصه، وعليه فإن من الحكمة أن نتغافل عن زلاّت المخطئين، خصوصاً إذا كُنّا نعرِف عنهم الاتزان والحكمة والرويّة، والابتعاد عن مجادلتهم، أو محاولة تصحيحهم.

من الحكمة أن نتغافل عن زلاّت المخطئين، خصوصاً إذا كُنّا نعرِف عنهم الاتزان والحكمة والرويّة، والابتعاد عن مجادلتهم، أو محاولة تصحيحهم

أما عن تلك الاستحضارات الذهنية التي تمر بك ما هي إلا صراع داخلي تقوده رسالة شيطانية تعلن الحرب على الاستقرار النفسي أولاً والمجتمعي ثانياً، تتطلب منك عدم الرضوخ إلى عصاه؛ وجزرته فما هي إلا (استفزازات) و(استخفافات)، أن تواجهه بتذكر إيجابيات المقابل ومحاسنه، أن تعرف بأن هذا الصوت هو عدو بصورة صديق، فلا تأمن له ولا تعط آذانك للاستماع إليه، وإياك والتسرع في إصدار أحكامك؛ كي لا تخسر أو تكون من النادمين، وكلما جال في خاطرك ذلك الصوت فابتسم له ابتسامة الساخر منه وتجاوزه ولا تُطل الحديث إليه كثيراً وإن بدا لك محقاً ، أما وقد تجاوز حصونك وراجمات دفاعك فتذكر هدي النبي - عليه الصلاة والسلام - في التعامل مع الغضب، وتوجيهه - عليه السلام - إلى ضرورة كظم الغيظ والاتصاف بالحلم والرويّة في ردود الأفعال، وتذكر حديث رسول صلى الله عليه وسلم: "الْمُؤْمِنُ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ، وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ، أفْضَلُ مِنَ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لا يُخَالِطُ النَّاسَ، وَلا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ" [رواه البخاري]، وعليك أن تتحلى بالصبر والحكمة في معالجة مختلف القضايا وفي مختلف المنعطفات، وإليك وصفة سريعة للتعامل مع الاستفزاز:

أولاً/ عليك بامتلاك عنصر الثقة بالنفس وإظهار الهدوء والحكمة.

ثانياً/ الابتعاد عن الشك بالآخرين والاكتفاء من التحليلات والتفكير النقدي المستمر.

ثالثاً/ وأخيراً... الاستمرار في الابتسامة، والشّعور بالسعادة، وعدم التأثر بالمواقف ولا بصوتك الداخلي أيضاً.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
مدون أردني مهتم بالشأن التربوي

شاهد أيضاً

مسؤولية التعلم ولو في غياب “شخص” معلم

ربما من أوائل ما يتبادر إلى الذهن عند الحديث عن العلاقة بين المعلم والمتعلم، قصيدة …