أولادنا… الاستثمار الرابح

الرئيسية » بصائر تربوية » أولادنا… الاستثمار الرابح
father-son-india

لا شك أن جميعنا مدركون لحجم توغل الماديات والمفاسد في حياتنا، ومدركون كذلك لكمية الصعاب والمتاعب التي تواجهنا جميعاً، سواء في حيواتنا المعيشية أو المجتمعية؛ فالكل تحت أنين الحياة وكبدها يحيا ويشكو ويئن أحياناً من الغلاء أو سوء الأخلاق في هذا المجتمع الذي ينحدر نحو الهاوية، إما بسبب سخط وعقاب من الله، أو سوء إدارة وفساد.
ونحن اليوم ومع وجود هذا الخطر وذاك الوضع، سنكتب صرخات واجبة لكل أب وأم يحملان همّ الدين في المقام الأول، وفي القلب تربية أبنائهما، وحسن تقويم سلوكهم، والعمل على أن يكونوا رابحين في الدنيا والآخرة.

والسؤال الآن: كيف أستثمر في أولادي؟

قبل أن أجيب، أشدد على نقطة أنه لا ضير أن يستثمر الوالد لابنه عقاراً أو يترك له ميراثاً يستثمره بعد رحيله فهذا طبيعي في دنيا الناس.

لكن قديما قالوا: "ابنِ ابنك ولا تبنِ له، استثمر فيه ولا تستثمر له"، فالتركيز على بناء الإنسان ونموه وتأهيله وتوعيته، وتقديمه للدين كحافظ له، وللأعراف كحامٍ لها، وللتطوير كساعٍ فيه، أعظم من كل عقارات الدنيا وأموالها، مع التأكيد على أن الجمع بين الأمرين فيه صلاح وخير، فهو خير وفضل؛ فالكثير من رجالات الإسلام كانوا أتقياء أغنياء فتحوا الدنيا بخلقهم وتقواهم وبذلوا للدين أموالهم وغناهم.

التركيز على بناء الإنسان ونموه وتأهيله وتوعيته، وتقديمه للدين كحافظ له، وللأعراف كحامٍ لها، وللتطوير كساعٍ فيه، أعظم من كل عقارات الدنيا وأموالها

طرق الاستثمار في الأبناء

إن طرق الاستثمار في الأبناء كثيرة ومتعددة، ونحن سنذكر منها ما يخدم عليها واقعاً وتطبيقاً وبشيء من اليسر والسلاسة:

1. فهّمهم أنهم من أمة اقرأ

والمعنى واضح؛ لأننا أمة اقرأ، ولأن العلم والاطلاع يبنيان العقول قبل الأوطان، ويؤسسان لحياة سليمة الفكر والمنهاج قبل المال والعقارات ، وإلا ما قيمة العقارات مع جاهل جهول لا يدرك شيئاً من خبرات التجارة والخطط والموازنة، لا يجيد عمل اجتماع ليصحح مسار أخطائه، أو يضيف مساراً جديداً للأفكار الربحية، وعليه فالعلم ثم العلم ثم العلم هو طوق النجاة الحقيقي؛ فبه تستقيم الحياة دنيا وديناً، إضافة أن القراءة هي الترجمة الحقيقية لعقل متفتح واعٍ مبنيّ بشكل سليم، المهم أن يستقي من منبع سليم بلا إفراط أو تفريط.

2. نبههم لأهمية الأخلاق

إذا كان العلم ضرورياً لبناء المرء، فالأخلاق هي دعامته ولا يمكن الاستغناء عنها؛ فهي مكملة للعلم، فضلاً عن أهميتها في حياة الإنسان، ولا قيمة للمرء بدونها ولو أصبح عالماً، ورحم الله أمير الشعراء (أحمد شوقي) حين قال:
"وإذا أصيب القوم في أخلاقهم * فأقم عليهم مأتماً وعويلا"
ونحن نرى اليوم أشباه علماء زالت أخلاقهم فأصبحوا بلا أثر أو تأثير، وسيطويهم الزمن في طي النسيان؛ لأن المرء لا يخلد بعلمه فقط .

3. خطط لهم

إن التخطيط في الحياة عموماً من حسن الفهم؛ فالدنيا لا تسير بعشوائية، وإلا فإن المآل يكون كارثياً –غالباً- والمجد كل المجد لكل من يخطط في حياته، ويحسب لخطواته، ويقيّم حساباته، ويزن الأمور بميزان الفهم السليم.

والتخطيط للأبناء ليس تفكيراً عنهم بقدر ما هو حرص على حاضرهم ومستقبلهم، وأخذ بأسباب الدنيا التي لا ترحم كل ارتجالي، فالارتجالية ليست دوماً صواباً.

والتخطيط السليم للأبناء يعني الأخذ بأيديهم إلى الله شمولاً، بداية من الطاعة، مروراً بالتعليم والتعلم، ووصولاً إلى توظيف الطاقة، فذلك هو التخطيط النافع اليافع الباقي.

فتحببهم في الطاعات، وتؤسس معهم جدولاً للعبادات، وتأخذ بأيديهم للصدقات، وتهيئ لهم أسباب الراحة في العلوم والتعليم، وتحفزهم على استمرار السعي، ومواصلة التعلم، واكتساب المهارات والخبرات، ثم تخطط معهم كيف يوظفون طاقاتهم وملكاتهم، كل هذه الأمور تدل على فهم حسن لوالد حريص على مستقبل ذريته وحاضرهم وفق مراد الله والفهم السليم للدنيا.

التخطيط السليم للأبناء يعني الأخذ بأيديهم إلى الله شمولاً، بداية من الطاعة، مروراً بالتعليم والتعلم، ووصولاً إلى توظيف الطاقة، فذلك هو التخطيط النافع اليافع الباقي

4. أكسِبهم مهارات

إن الحياة اليوم لا تقبل الشخص العادي في حياته، العادي في مهاراته، العادي في خبراته، بل تنحني لذلك المتميز المحترف المكتسب خبرات وخبرات، ولديه من المهارات مثنى وثلاث ورباع، وأكبر من ذلك.

وذاك هو عين الفهم؛ فالأب هو المربي الذي يفترض أن يكون مدركاً لمداخل أبنائه، ونقاط تميزهم، والجوانب المضيئة في حيواتهم، ثم يضع بصمته، فيوجه هذا إلى الاستزادة في مجال ما، والآخر إلى تقويم نفسه في مجال آخر، والثالث إلى القراءة في اتجاه ثالث، وهو في كل الأحوال ينشد لهم الخير، ويرعاهم فيرى حسن توجيهه ونصائحه واقعاً تسرّ به نفسه في الحياة، ويفخر بذريته ويفخرون هم به.

5. ادع لهم

الأب هو رمانة ميزان البيت، وبعقله ورجاحته يسري البنيان بلا هزات أو اهتزازات، ولما كان صلاح الآباء عاملاً مهماً في صلاح البيوت وصلاح الذرية أيضاً، كان الدعاء للأبناء من عوامل الاستقرار النفسي والحياتي لهم؛ فالدعاء يزيل الهموم ويؤخر القدر.

وقمة الفهم للأب أن يدعو لذريته بصلاح الحال في حياته وبعد مماته، ففي الحياة يدعو لهم بالصلاح فتستقيم أمورهم على مراد الله فيصلحهم الله فيدعون له بعد رحيله، وتصبح دعواتهم له من عوامل النعيم في الحياة البرزخية، وهكذا تمسي الحياة بين دعاء في الحياة من الأب، ودعاء له من أبنائه بعد موته وفي كل خير.

ختاماً

الحديث عن الاستثمار في هذا المسار كثير وكبير، ولا تكفيه مقالة واحدة، لكننا نكتب ما نراه متاحاً وواقعاً بعيداً عن التنظير والإفراط في الأحلام.

وفي المجمل: كلٌ يعملُ على شاكلته.

 

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتب وباحث مصري الجنسية، مؤلف عدة كتب فى التربية والتنمية "خرابيش - تربويات غائبة- تنمويات". مهتم بقضية الوعي ونهضة الأمة من خلال التربية.

شاهد أيضاً

“بروباجندا” الشذوذ الجنسي في أفلام الأطفال، إلى أين؟!

كثيرًا ما نسمع مصطلح "بروباجاندا" بدون أن نمعن التفكير في معناه، أو كيف نتعرض له …