لا يخفى على أحد أن المنطقة العربية بأسرها -وفي القلب منها مصر- تعج بالحروب والمؤامرات والدسائس منذ عقد من الزمان، والمراقب للأحداث يجدها مواجهات تنظر إليها كل أطرافها على أنها مواجهات "صفرية" أو مواجهات "تكسير العظام" فصاحب الحق يأبى أن تنتهي المواجهات دون أن يقطع دابر صاحب الباطل ولا تقوم له قائمة ، وأهل الباطل يتعاملون مع هذه المواجهات بنفس المفهوم.
إن رحا هذه المواجهات "الصفرية" ينتج عنها من القتل والتشريد والأسر والإبادة ما يدع الحليم حيراناً وما يترتب على ذلك من أسئلة عديدة أهمها، حتى متى؟ وكيف الخلاص؟
وقبل الرد على هذا الاستفسار هناك مجموعة نقاط يجب أن نتفق عليها:-
1- إن ثورات الربيع العربي التي بدأت منذ عقد من الزمان لم تنتهي بعد في أي مكان من أماكن اندلاعها وأن كل ما نعيشه الآن ما هو إلا موجات وجولات وردود أفعال لثورة الربيع العربي والدليل على ذلك أن الصراع لم يُحسم بعد في أي مكان من أماكن اندلاعها.
2- مواجهات أصحاب الشرعية في دول الربيع العربي بل والوطن العربي كله لا تتخذ طابعاً محدداً، فما يناسب دولة قد لا يناسب أخرى فهناك من الدول من اختارت المواجهة المسلحة مثل ليبيا وسوريا واليمن وهناك من اختارت الصراع السياسي والدستوري أو ما يسمى "السلمية" وكما يُقال "أهل مكة أدرى بشعابها".
- هل في ظل ما فعله بشار في سوريا كانت تجدي السلمية؟ وهل لو تخلى أصحاب الشرعية في مصر هل سيجدي ذلك نفعاً في مواجهة جيش نظامي ومجتمع تم شيطنته وتأهيله للفتك بأصحاب الشرعية؟
3- إن البعض ينجرفون وراء مقولة أن ثورات الربيع العربي هي التي جرَّت الويلات على المنطقة بأسرها ولولاها لكان الوضع أفضل بكثير بل وينجرفون وراء من يترحمون على أيام ما قبل هذه الثورات وهذا بالفعل فهم خاطيء ومردود عليه ولا يردده سوى الكسالى الانبطاحين الذين يرومون أي معيشة حتى ولو كانوا فيها عبيداً، وحتى لو انتهكت المقدسات وضاعت القيم وتم وأد الدعوات!
- إن ما فعلته ثورات الربيع العربي أنها عجَّلت بخروج الأفاعي من جحورها والدبابير من أعشاشها، أما الخروج وكل ما ترتب عليه كان سيحدث لا محالة.
4- إن أصحاب الشرعية في مصر تحديداً في مواجهة مع خصم لا يعترف بالقواعد السياسية المتعارف عليها دولياً ولا محلياً ولا يحترم القانون ولا الدستور بل ولا يعترف بشرف الخصومة.
5- إن هذا الخصم قام بشيطنة أصحاب الشرعية بل وبشيطنة كل خصومه ومعارضيه وهيأ المجتمع نفسياً ليصفق ويهلل بل ويرقص ويشمت إذا رأى أي فتك بهؤلاء معتمداً في ذلك كله على جهل الجاهلين وأصحاب المصالح وأعداء الدين كما اعتمد على إرهاب المجتمع بأسره وما كانت المذابح والمجازر التي تمت إلا لهذا الغرض.
6- إن الخصم قد تترس خلف الجهال وأصحاب المصالح والمرجفين وأعداء الدين وسد كل الأبواب منذ أول لحظة بما ارتكبه ولا يخفى شيء مما ارتكبه على كل ذي عقل وبصر وبصيرة.
7- إن الخصم يعتبر من تحت يديه من المعتقلين رهائن لا ليساوم بهم لكسب مادي أو شعبي أو غيره ولكن ليجعل منهم عبرة لغيرهم من أصحاب الشرعية ومن عموم الشعب وإلا فلماذا يعتقل الدكتور أبو الفتوح والشيخ حازم أبو إسماعيل وغيرهم ممن يسمونهم ليبراليين.
8- لو أن المجتمع الدولي لا يرضى عن كل ذلك لتحرك ولكن المجتمع الدولي اتفق على إعادة تشكيل الخريطة الجغرافية للمنطقة ويعلم أنه في ظل وجود أصحاب الشرعية ستبوء كل خططهم بالفشل لذلك هم لا يفكرون في أي حل من الحلول ولكنهم يريدون تبييض وجوههم بأنهم عرضوا التفاوض والمصالحة ومن رفض هم أصحاب فبذلك يستحقون ما يحدث لهم.
9- إننا لو كنا نتعامل من خصم خارجي مثل الوضع بين غزة وإسرائيل لكان الوضع أسهل بكثير فغزة تطهر نفسها من العملاء أولا بأول والجهود كلها موجهة صوب خصم واحد أما هنا فالفرد من أصحاب الشرعية يخشى من جاره ومن زميله بل ومن قريبه.
10- إن النظام ينتظر مواقف محددة من أشخاص محددين وهم قيادات الشرعية وهؤلاء لن يرضوا بالدنية حتى لو عُلقوا على أعواد المشانق، لا لشيء سوى لأنهم يربؤون بأنفسهم أن يسُنوا سُنة سيئة ترثها الأجيال من بعدهم وهي أن إذا اشتد الخطب وتناثرت الأشلاء وكثرت الدماء تراجعوا للخلف وقدموا لعدو الله وعدوكم فرائض الولاء والطاعة، وكيف يفعل هؤلاء ذلك وهم الذين ربوا من خلفهم على قول الشهيد سيد قطب رحمه الله "إن إصبع السبابة الذي يشهد لله بالوحدانية في الصلاة ليرفض أن يكتب حرفاً واحداً يقر به حكم طاغية"!
تلك عشرة كاملة بها وبغيرها تتضح الصورة وتتضح الرؤية أمام كل مخلص محتسب ينوي أن يكون حلقة متينة في سلسلة الأخيار الأطهار الأبرار وينوي ألا يؤتى الإسلام من قِبله.