تتسلل إلى أيامنا خير الأوقات وأفضلها .. إنها "عشر ذي الحجة" والتي تتزامن مع الصيف والإجازات واقتراب عيد الأضحى وما ينشغل به الناس من تحضيرات، وكثيراً ما يغفل الناس عن فضائل هذه الأيام وما يستحب فيها من أعمال.
ومن فضل الله عز وجل على عبده أن يستغل مواسم الخير فيما يرضي الله، وأن يكوناً عونا للآخرين وقدوة حسنة خلقاً وديناً، وما أجمل أن يجدد المرء عهده بالله في مثل هذه الأيام التي يضاعف فيها العمل ويبارك.
مكانة خاصة..
الداعية الدكتور أحمد الملاد أشار في حديثه لـ"بصائر" إلى أن الفضائل الأيام العشر تكمن في أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل العمل الصالح فيها لا يوازيه عمل سائر العام، يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: "ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام" وسبب تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم وتعظيم الله قبل ذلك لهذه الأيام أمور منها:
1- أن فيها أعمال الحج، وهذه الأعمال لا تقع في غيرها.
2- يجتمع فيها من أمهات العبادة ما لا يجتمع في غيرها فتجتمع فيها الصلاة والصيام والصدقة وأعمال الحج وهذا لا يكون في غيرها.

3- فيها أعظم الأيام عند الله عز وجل "يوم النحر" وفيها يوم الحج الأكبر وهو على رأي كثير من المفسرين أنه يوم النحر وقال البعض أنه يوم عرفة.
4- فيها يوم عرفة، وفي هذا اليوم قال النبي صلى الله عليه وسلم يكفر السنة الماضية والسنة الباقية، وهذا الأجر لا يوجد في يوم آخر غير هذا اليوم، فيوم عاشوراء يكفر سنة واحدة.
5- أن هذه الأيام تأتي في غفلة من الناس، فلا تجد من يعينك على الطاعة كما في رمضان بل قد تأتي عشر ذي الحجة وتذهب ولا يقدم فيها شيئاً لنفسه عند ربه، والعبادة في أوقات الغفلة أعظم من العبادة في سائر الأيام.
ولهذه الفضائل وغيرها استحب النبي صلى الله عليه وسلم وحث عموم المسلمين على أن يتنبهوا لهذه الأيام وأن يقدموا لأنفسهم فيها خيرا.
وأضاف الملاد بأن مما ينبغي على الإنسان فعله في هذه الأيام صيام يوم عرفة، وقال أنه يكفر من الذنوب سنتين، سنة ماضية وسنة باقية، ومما ينبغي على الإنسان الحرص عليه أن يتعالى ويترفع عن الضغائن والأخطاء والأحقاد بينه وبين الناس لا سيما إذا علم أن قبول عمله الذي يقدمه عند الله موقوف على صفائه مع أخيه المسلم .
أفضل الأعمال
ويشير الملاد إلى أن أفضل الأعمال التي ينصح بها لغير الحاج مستفاد من قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام" فعموم العمل الصالح في هذه الأيام مطلوب، وأعظم ما يتقرب به العبد إلى الله أداء الفرائض كما جاء في الحديث القدسي: "وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته علي".. فأول ما يبدأ به الإنسان أن يتفقد نفسه في الفرائض ويحرص عليها، ثانياً: أن يشغل نفسه في كل ما يستطيعه من أنواع العبادة، من صيام وصدقة وبذل للمعروف ونهي عن المنكر، والإحسان الى الناس وصلة الرحم.
وقال الملاد: أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإكثار في هذه الأيام من التحميد والتهليل والتكبير، وهذه بحسب ما ذكر بعض العلماء أنها من أفضل ما يفعل في هذه الأيام، وبعض العلماء قال إن في هذا إشارة إلى استغلال كل لحظة ودقيقة في هذه الأيام، فأنت مطالب -في الأوقات التي لا تستطيع فيها الصلاة والصيام والتصدق وغير ذلك- بأن تشغل الدقيقة واللحظة بذكر الله عز وجل .
وأكد الملاد أن من أفضل الأعمال "أعمال اللسان" قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من قال أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه ثلاث مرات غفرت ذنوبه وإن فر من الزحف". وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "من أكل أو شرب فقال الحمد لله الذي أطعمنيه من غير حول مني ولا قوة غفر له، ومن كسي ثوباً فقال الحمد لله الذي كساني هذا ورزقنيه غفر له" وهذه الأعمال لا تكلف الناس شيئاً.
ومن الأعمال التي تكفر الذنوب ما يتعلق بالبقاء في موطن الصلاة بعد الفراغ منها، قال النبي صلى الله عليه وسلم : "وإن الملائكة لتستغفر لأحدكم ما دام في مجلسه الذي صلى فيه تقول: اللهم اغفر له اللهم ارحمه اللهم تب عليه ما لم يحدث" أي ينتقض وضوؤه. فطالما أن الإنسان رجلاً كان أو امرأة صلى الفريضة وبقي في المكان الذي صلى فيه يذكر الله ويستغفر ويعمل أي عبادة أو أنه جالس فقط دون أن يفعل شيئاً فهناك ملائكة تدعوا له ودعوة الملك مستجابة وإذا دعا الملك للعبد يوشك أن يستجيب الله عز وجل.
وقال الملاد: وينبغي على الإنسان أن يحمد ربه أن بلّغه هذه الأيام، فالموت لا يعرف صغيراً ولا كبيراً، وبلوغ هذه الأيام لوحدها تحتاج إلى شكر في وقت حرم فيه كثير من الناس أن يصلوا إلى هذه الأيام بسبب انتهاء أعمارهم وآجالهم ، وعلى الإنسان أن يترجم فرحه بالعمل وليس بالكلام، وإذا علم الإنسان أن كل لحظة من عمره إنما تأكل شيئا منه فإنه يكون حريصا على التقرب إلى الله عز وجل ، وعلينا أن نتذكر أن الله عز وجل غفور رحيم تواب وقد فتح لنا باب التوبة فقال: {وتوبوا إلى الله جميعاً} وقال: {وهو الذي يقبل التوبة عن عباده} وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم، قال الله عز وجل: "أنا عند حسن ظن عبدي بي فليظن عبدي بي ما شاء" فعلى الإنسان أن يحرص على التوبة من المعاصي مهما بلغت في هذه الأيام والله غفور رحيم. ومما ينبغي أن يحرص عليه الإنسان "الأضحية" فالله يغفر للعبد بأول قطرة دم تهرق من أضحيته.
كيف نوجه الأطفال لأهمية عشر ذي الحجة؟

الأستاذة أفنان الحلو المهتمة التربوية قالت في حديث لـ"بصائر " إن هناك حالة من الوعي انتشرت بين الكتاب والقاصين لتوجيه الأطفال وتبسيط المفاهيم الدينية لهم ومنها ما يتعل بالحج، ولذلك فإن على العائلة أن تهتم في غرس مفاهيم صحيحة وواضحة للأطفال من خلال اقتناء القصص الحوارية والمؤلفات الخاصة بهم، في كل من جوانب العبادات والشعائر والسيرة النبوية والصحابة، مشيرة إلى دوسية الحج وبيت المقدس" التي تلخص قصة الحج بطريقة مبسطة للأطفال.
وتضيف الحلو: كلما تقدم الطفل بالعمر زادت رغبته في المعرفة لذلك فإن على الآباء توجيههم للاطلاع والقراءة في هذه المواسم والبحث عن معلومات ومناقشتها مع الآباء ، فمسؤولية المعرفة لا تقع فقط على الآباء، ومهمتهم هنا وضع أهداف للإنجاز خلال الأيام الفضيلة وخلال الأيام بشكل عام وبما يتناسب مع الأعمار الموجودة داخل الأسرة.
وتقول الحلو: من المهم داخل الأسرة في هذه الأيام تشجيع الأطفال على الإنجاز والعبادة واستغلال الأوقات والمواسم الفضيلة مع حفظ حقهم في اللعب وقضاء الوقت في التسلية.. والتشجيع يكون بالحوار والغرس الطيب والمكافآت المعنوية أو المادية.
وتقترح الحلو استغلال حاجات الأولاد في توجيههم إلى الله سبحانه وتعالى في هذه الأيام الفضيلة، وإرشادهم إلى خير الأعمال التي يرجى من خلالها استجابة الدعاء قائلة: عندما نغرس في نفس الطفل أن الله يحب كذا وكذا من الأعمال ويكره كذا وكذا فالطفل سيتحرى ما يحبه الله سبحانه وتعالى حتى يحصل على القرب من الله والأنس فيه والمكافأة منه وطبعا على الأم أن تكون ذكية وتستغل المواقف في زرع هذا الوازع وهذا الحب.. لتحصل الفائدة من هذه الأيام بدون أوامر مباشرة ومتابعة مستمرة بل بدافع ذاتي من الطفل.
وأضافت الحلو بأن تعويد الطفل على استغلال أيام المواسم مهم لأنه سيعلمه أهمية الوقت والإنجاز ، وأهم صفة بالإنسان الناجح في الحياة أنه يستغل وقته استغلالاً جيداً فاعلاً، وهذا يأتي بالتدريب ومرة على مرة وعادة صغيرة مع عادة صغيرة تحقق إنجازاً كبيراً.