توطئة
"هذا الكتاب لا يتناول قضية الشرق الأوسط بعامة، وإنما الصراع الفلسطيني -الإسرائيلي بالخصوص، فمائة سؤال لا يمكن أن تحيط بجوانب الصراع كله، لذا آمل أن يحفز القراء على مواصلة القراءة وسبر غور هذه القضية".
بتلك الكلمات بدأ بيدرو بريجر دراسته الأكاديمية الميدانية، التي صاغها في كتابه عبر مائة سؤال، مشيراً إلى أن غياب الحياد، والافتقار للموضوعية، هو الأزمة الأساسية لمعارك الصراع العربي -الإسرائيلي، خصوصاً الإعلامية منها؛ لسيطرة دعاية الجانب الغربي على المشهد.
ويعدّ الكاتب نشأة الحركة الصهيونية، ودعم هجرة اليهود إلى الأراضي الفلسطينية -بنية الاحتلال- لم يكن إلا خاتماً في يد الإنجليز؛ لتمكينهم من الانغراس في المنطقة العربية، وأن الرَّبط المتعمد بين نقد الصهاينة ومعاداة السامية لم يكن إلا ابتزازاً فكرياً، لتشويه الحقائق، وتبرير التطهير العرقي ضد الشعب الفلسطيني.
ويؤكد أن الحركة الصهيونية لم تكن لتنجح لولا الدعم الغربي، مستدلا على ذلك بعدة نقاط، منها: عدم محاولاتها تأسيس دولة يهودية في روسيا أو بولندا -بالرغم من وجود الأغلبية اليهودية هناك- واختيارها فلسطين -التي يمثل اليهود فيها أقلية دينية- فضلاً عن كونها شاغرة بشعبها الفلسطيني.
مع الكتاب
ويقول الكاتب: "يمكن الاعتقاد أنه لو كانت هناك حركة وطنية قوية مناهضة للاستعمار مماثلة للحركات التي استخدمت العنف ضد المستعمرين، لما ظهرت الحركة الصهيونية، وكان يمكن تفادي ذلك لو أنهم تمردوا على الحكم العثماني ثم البريطاني، إلا أن أزمة الشعب الفلسطيني تجلت في مواجهة اثنين من الأعداء المتصاهرين".
وفي إطار الرؤية السابقة، يفرق بريجر بين الحركات الاستعمارية والصهيونية؛ نظراً لأن الأولى تهدف إلى استغلال الأيدي العاملة، والموارد في البلاد المحتلة لمصالحها الذاتية، بينما الصهاينة عمدوا إلى الاستيلاء على الأراضي وطرد أهلها منها، تحت شعار (الدولة اليهودية) لربط أبناء الديانة حول العالم بتلك الحركة.
كما يوضح أن تأخر الموقف العربي تجاه اليهود المهاجرين لفلسطين، يرجع إلى النظر إليهم كأقليات دينية هاربة من التضييق عليها، إلى أن بدأت النوايا في إنشاء دولة خاصة بهم، تتضح بحملات شراء الأراضي الفلسطينية من الإقطاعيين في ذلك الوقت.
وعما يشاع من تخلي الشعب الفلسطيني عن أرضه، يقول الكاتب: "لقد دُمر المجتمع الفلسطيني بأسره، كانت كارثة حقيقية تعرف بـ (النكبة)، لم يكن هناك فلسطيني واحد على استعداد للتخلي عن أرضه، كانت الأغلبية تأمل في العودة لكنهم لم يتمكنوا".
كما يشير الكاتب إلى أن الروايات الصهيونية هي المروجة فيما يخص حقائق تاريخ الصراع، مشيراً إلى أن القادة العرب لم يطلبوا من الشعب الفلسطيني مغادرة أرضه، ولم يتخلوا عنهم بمحض إرادتهم، وإنما رُوِّج لذلك عمداً لتحميل العرب مسؤولية أزمة اللاجئين.
ويُرجع دخول الولايات المتحدة الأمريكية على خريطة الصراع العربي -الإسرائيلي، عبر دعم الحركة الصهيونية، إلى مرحلة انسحاب فرنسا وبريطانيا من المنطقة، وتركز النفوذ العالمي في أمريكا كقوة دولية، بالإضافة إلى النفوذ الثقافي الإعلامي لليهود في أمريكا، ودعم الأخيرة لهم في فلسطين؛ لرابط الجنس الأبيض، والبعد الديني بين اليهود والمسيحيين المتصهينين.
وبالرغم من أنه يعدّ التعامل مع ممارسات الاحتلال ضد الفلسطينيين لا يمكن وصفها بـ (النازية)؛ لأنهم لم يستهدفوا إبادة الشعب الفلسطيني، بل أرادوا إبعاده، إلا أنه يؤكد أنه (أبارتيد)؛ إذ يمارس الصهاينة تمييزاً قائماً على الاثنية القومية (يهودي-عربي)، بالإضافة إلى التطهير العرقي وعزل المدن الفلسطينية.
وفيما يخص السلام والادعاء بأن العمليات الاستشهادية تقف عائقاً في سبيل تحقيقه، يوضح الكاتب أنها لم تظهر إلا بعد ثلاثين عاماً من الاحتلال لذلك لا يمكن تحميلها مسؤولية فشل التوافق بين الجانبين.
ويرجع الكاتب تعمد الدعاية الصهيونية إظهار الجانب الفلسطيني بشكل من يتحامى في الأطفال والمدنيين، لسببين:
الأول/ إظهار الفلسطينيين بشكل همجي عنيف رافض للسلام.
والثاني/ هو تصوير المقاومة وكأنها نتاج بعض المتعصبين المتمردين بالسلاح ضد الاحتلال، ولا تمثل الموقف الشعبي المستعد لقبول احتلاله من قوة لا تريد إلحاق الضرر به.
ويؤكد في هذه النقطة تعمد قوات الاحتلال استهداف المدنيين، واغتيال الزعماء وملاحقتهم، لافتاً إلى أن الادعاء بأن المقاومين يستغلون نساءهم وأطفالهم كدروع بشرية لا يمكن تصديقه في ظل وجود المنشآت والمعدات العسكرية الإسرائيلية بين السكان الفلسطينيين.
ويرى الكاتب أن الصهاينة لم يهاجموا حركة حماس في البداية ظناً في أنها قد تكون عوناً لهم في القضاء على منظمة التحرير، إلا أن استمرار موقفها تجاه الاحتلال أدى إلى الاستمرار في محاولة تدميرها والتي كانت أكثرها دموية في 2008م.
ويشير إلى أن الاستمرار في جولات الهجوم على غزة يستهدف القضاء على حماس بدرجة ما، إلا أنه في المقام الأول يسعى إلى دفع الفلسطينيين نحو تحميلها مسؤولية قتلهم وحصارهم في القطاع بشكل يدفعهم للحنق عليها.
أما الموقف العربي من الصراع فيعدّه الكاتب قد أفل بموت قادة القومية العربية، وتحول العديد من دول المنطقة إلى حلفاء لأمريكا، بإبرام معاهدات السلام مع إسرائيل، وغياب أي صوت عربي يطرح فكرة تدمير الصهاينة أو مقاومتهم، تزامناً مع القلق إزاء تنامي النفوذ الإيراني في المنطقة.
وبالرغم من صعوبة استعراض كافة أفكار الكتاب في هذه السطور القليلة، إلا أنه يمثل مرجعاً مهماً في إطار معركة المعرفة بالصراع العربي-الإسرائيلي، لا سيما وأن كاتبه غربي وقد تحلى بالموضوعية والحيادية، وصاغ نتائجه بناء على دراسة استمرت 36 عاماً.
مع المؤلف:
بيدرو برييجر: صحفي وأستاذ جامعي في جامعة بوينس أيريس، متخصص في علم الاجتماع، وصحفي باحث في مجال السياسة الدولية.
عاش في فلسطين 11 عاماً، كما تواصل مع عدد من زعماء السياسة في الجانبين، وحرص على جمع المعلومات ميدانياً عبر زيارة مخيمات اللاجئين في فلسطين والأردن ولبنان.
له عديد من المؤلفات، منها: (نيكاراغوا إلى أين؟)، و(الشرق الأوسط وحرب الخليج)، و(آخر أيام الاتحاد السوفياتي 1991)، و(حرب مقدسة أم كفاح سياسي؟)، و(مقابلات وحوارات حول الإسلام)، و(ما هي منظمة القاعدة؟)
بطاقة تعريف الكتاب
العنوان: الصراع العربي - الإسرائيلي مائة سؤال وجواب
المؤلف: بيدرو بريجر
ترجمة: إبراهيم صالح
دار النشر: مركز دراسات الوحدة العربية
سنة النشر: 2012م
الحجم: 158 صفحة