خمسة عوامل تجلب النجاح للداعية

الرئيسية » بصائر تربوية » خمسة عوامل تجلب النجاح للداعية
speech-microphone

لا شك أن الدعوة إلى الله فخر وشرف واصطفاء رباني امتدحه الخالق من فوق سبع سماوات، فقال في محكم التنزيل: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فُصِّلت: 33]، ومن المعلوم سلفاً أن الله يفتح قلوب العباد وعقولهم لمن أحبه من خلقه؛ فكما ورد في الحديث القدسي: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ، فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّ فُلانًا فَأَحِبَّهُ، قَالَ: فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنَادِي فِي أَهْلِ السَّمَاءِ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُحِبُّ فُلانًا فَأَحِبُّوهُ، قَالَ: فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الأَرْضِ" [صحيح مسلم].

والداعية - برسالته وفهمه وعقله وما يبلغه عن ربه - أشد العباد حاجةً لهذا الحب؛ لأنه وبوضوح شديد نقطة رئيسة في حب الناس والتفافهم حوله يستقون من علمه ومنبع فهمه للدين وسلاسة خطابه.

وقد هالنا ما نرى ونسمع من أخبار دعاة -مع الأسف- لديهم من رصيد التنفير ما يكفي لوضع حواجز نفسية وعقلية للتواصل مع البشر، فضلاً عن حب البشر لهم من الأساس، لذلك ومن منطلق النصح والحرص نكتب خارطة -أو إن شئت فسمها وصفة نجاح- لكل من يتصدر العمل الدعوي، وفي القلب منهم الدعاة أصحاب الرسالة وحملة لواء النبي -صلى الله عليه وسلم- من بعده، وعليه فإن أهم هذه العوامل المسببة للنجاح والتألق الدعوي:

1. القدوة الحسنة

إن أزمة الأمة كانت ولا تزال في القدوة المختارة، ولما حادت عن طريق القدوة والأسوة المحمدية ذلت وهانت وتحولت إلى غثاء سيل وكالأيتام على مائدة اللئام، والكل يطعن فيها وينال من كرامتها، بل ويمحى جزء من تاريخها بأيدي بعض أبنائها، وعليه فالدور الخطير للداعية أن يكون قدوة للآخرين، وليس مقبولاً أن يأمر بالمعروف ثم لا يأتيه، أو ينهى عن المنكر ثم يأتيه، فهذا باب خطر شديد يعجل بزوال وانفضاض الناس من حوله.

إن القدوة رسالة صامتة لا تحتاج إلى الضجيج أو تسليط الضوء عليها؛ فهي في الخلق الذي يراه الناس ، وكما قالت أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها – لمّا سئلَتْ عن خُلُق النبي الأكرم: "كان خلقه القرآن"، "كان قرآناً يمشي على الأرض" وهذا خلق كافٍ لاستيعاب كل تائه وحيران ولديه القدرة على ترشيد العقول والقلوب بالفعل الصالح والقول البسيط.

إن أزمة الأمة كانت ولا تزال في القدوة المختارة، ولما حادت عن طريق القدوة والأسوة المحمدية ذلت وهانت وتحولت إلى غثاء سيل وكالأيتام على مائدة اللئام، والكل يطعن فيها وينال من كرامتها

2. موسوعية المعرفة

إن إهمال القراءة والاطلاع والتبحر في كتب التراث اليوم من أهم العلل التي طرأت على العاملين في الحقل الدعوي  إلا من رحم الله - وهم قلة بلا شك - وعليه فإن الداعية صاحب الرسالة الذي يسعى في تقريب الناس لرب العالمين عليه أن يكون مدرسة متنقلة، وموسوعة حضارية وفكرية قوية شديدة التأثير في كل من يلقاه أو يعرفه أو يوجهه.

وميزة هذه المسألة ليست في العلم النظري، بقدر ما هي في الإلمام الكامل بعلوم الفقه وأصوله، وما يعود على الأمة بالنفع، فنحن في حاجة ماسة لعلماء ربانيين عاملين مدركين لدورهم في صد هجمات الإلحاد والطعن، وليس مقبولاً أن يجلس الداعية في صومعته الفكرية ظناً منه أنه نجا بذاته في حين ينتشر الإلحاد ويُخدم بشكل مريب.

نستنفر كل صاحب رسالة وعلم وقلم أن يصطفوا في وجه أولئك، ويلقون أطواق النجاة للشباب التائه الذي تسعى قوى الإجرام في تحطيمه وتحويله إلى مسخ.

على الداعية صاحب الرسالة الذي يسعى في تقريب الناس لرب العالمين أن يكون مدرسة متنقلة، وموسوعة حضارية وفكرية قوية شديدة التأثير في كل من يلقاه أو يعرفه أو يوجهه

3. الحلم والصبر

إن طريق الداعية ليس مفروشاً بالورد، وبلا شك... سيتعرض لكثير من مطبات الطريق سواء كانت محناً أو تطفل المتطفلين والسعي لإظهاره بالعاجز والجاهل، وهذا طبيعي في سنة أصحاب الدعوات، وعليه فلا يجب أن يتعجل الداعية قطف الثمرة مبكراً قبل نضوجها وإلا ستكون بمذاق الحنظل .

والداعية النافع الواعي يصبر على بلاء الدنيا ويدعو الله أن يكون في ميزانه يوم يتبرأ الذين اتَّبَعوا من الذين اتُّبِعوا؛ فهذا يوم قادم لا محالة، ستبيض فيه وجوه الدعاة المصلحين المخلصين وتسوَدُّ وجوه المجرمين، المهم ألا ييأس الداعية ويغضب ويترك قومه ظاناً أن ليس فيهم خيراً؛ فالخير في أمتنا إلى يوم القيامة.

4. فن الوصول

"إن رضا الناس غاية لا تُدْرَك، ورضا الله غاية لا تُتْرَك " وعليه فإن الداعية مطالب بأن يراعي عقول الناس ويخاطبهم على قدر عقولهم وفهمهم وتصرفاتهم، فلا يغلُوَ في الخطاب أو يتطرف في التبسيط، لكن يوضح ويبين ويخاطب كل إنسان وفق فهمه وعقله بدون سخرية أو تقليلٍ، أيضاً بدون مثالية أو تنظير وتعالٍ.

فبساطة الخطاب الدعوي من عوامل الوصول إلى العقول والقلوب، ومن علامات حسن فهم الداعية أيضاً.

والخطاب كلما كان بارعاً بسيطاً شارحاً ذاته كان له مفعول السحر في النفوس، وله صدى واسعٌ يفتح مزيداً من الأبواب للنقاش والتعلم؛ فالناس في استقبال الوعظ والرسالة أقسامٌ، وليسوا سواءً، فمنهم المُرَحِّب، ومنهم المُعرِض، ومنهم المتحفِّظُ، والمُنفَعل، وكل له طريقة للتعامل، وعليه فإن البراعة في العمل على كسب كل هؤلاء وفق المتاح، وتوظيف طاقة اللسان بإقناع الناس من عظمة الفهم مع التأكيد على أهمية الدعاء المتواصل لهم بأن يفتح الله قلوبهم له.

الداعية مطالب بأن يراعي عقول الناس ويخاطبهم على قدر عقولهم وفهمهم وتصرفاتهم، فلا يغلُوَ في الخطاب أو يتطرف في التبسيط، لكن يوضح ويبين ويخاطب كل إنسان وفق فهمه وعقله

5. لا تكن جلاداً

إن الداعية إنسان يصيب ويخطئ، له وعليه، وليس ملاكاً يتعالى على البشر بعلمه وباعتلاء المنابر أو مواطن الوعظ والإرشاد، وعليه فإنه من غير المقبول أن يصدر الداعية الأحكام على الناس، أو يطلق سيلاً من التهم لمن يخالفه، فيتحول من واعظ يدل الناس على طريق الله إلى جلاد منفر يتحاشاه الناس؛ لكثرة إطلاقه الأحكام عليهم، ولمّا لم يكن الرفق في شيء إلا ويزينه فإن النبي الأكرم وصّى وشدد عليه وخصوصاً لأصحاب الرسالة والدعاة إلى الله.

وصاحب الرسالة ليس شخصاً عادياً؛ فهو من صفوة الصفوة، الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحداً إلا الله، وكل هذه تبعات ثقيلة تدفع بالداعية حتماً لأن يكون هاشاً باشاً قريباً من الناس.

ختاما...
نحن ننشد للداعية صاحب الرسالة النجاح والتوفيق في حياته الدعوية، لكن بخطوات ثابتة وما كتبناه هو غيض من فيض؛ فالأمر كبير يحتاج لمؤلفات وسلاسل، لكننا نركز على النقاط المهمة، سواءً في تواصله مع الناس أو تميزه في علاقته بربه، فتلك معادلة النجاح والراحة في الدنيا والآخرة.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتب وباحث مصري الجنسية، مؤلف عدة كتب فى التربية والتنمية "خرابيش - تربويات غائبة- تنمويات". مهتم بقضية الوعي ونهضة الأمة من خلال التربية.

شاهد أيضاً

“بروباجندا” الشذوذ الجنسي في أفلام الأطفال، إلى أين؟!

كثيرًا ما نسمع مصطلح "بروباجاندا" بدون أن نمعن التفكير في معناه، أو كيف نتعرض له …