ما يفوق الوقاحة

الرئيسية » كتاب ومؤلف » ما يفوق الوقاحة
كتاب ما يفوق الوقاحة - غلاف أمامي..؛؛

من بين أهم الظواهر التي عرفتها الحركة الصهيونية، ظاهرة (المؤرخين الجُدد) والتي باتت من أهم مكونات الواقع الثقافي والسياسي في الكيان الصهيوني وعلى مستوى الحركة الصهيونية في العالم، منذ التسعينيات الماضية.

وكانت هذه الظاهرة من الخطورة بمكان، فقد تطلبت مناقشات وأبحاثاً مُعمَّقة داخل دوائر الأمن القومي الصهيونية، وعلى مستوى الصهيونية العالمية، بسبب تأثيراتها السلبية على المكوِّن المفاهيمي الذي سعت الحركة الصهيونية وحكومات قوى الاستعمار العالمية التي أرادت زرع الكيان الصهيوني بين ظهراني العالم العربي والإسلامي؛ لتكريسه، ولا سيما في المجال التاريخي الذي استند إليه المشروع الصهيوني لتبرير احتلال فلسطين.

وبين أيدينا كتاب شديد الأهمية في هذا المجال، بعنوان (ما يفوق الوقاحة: إساءة استخدام اللاسامية وتشويه التاريخ) وضعه أحد المؤرخين اليهود الأمريكيين المعروفين، وهو نورمان جاري فينكلستاين، فنَّد فيه الرواية التاريخية للصهيونية، ولمبررات وجودها في فلسطين، تاريخيًّا ودينيًّا، وكشف فيه في المقابل عن جرائم الكيان الصهيوني في حق الفلسطينيين.

مع الكتاب

قسَّم المؤلف كتابه إلى مقدمة وقسمَيْن أساسيَّيْن، وطغت على الكتاب صيغة الرصد ثم التحليل، مع الالتزام بمنهجية توثيق المصدر والمرجعية، ولكن ليس في الصورة التقليدية لتقسيم الكتب من هذا النوع - فصول وكذا؛ فقد وضعه في صورة مقالات وأوراق علمية في كل قسم من قسمَيْ الكتاب.

كان أهم ما أثبته المؤلف في مقدمته للكتاب (جاءت طويلة نسبيًّا، حوالي 75 صفحة) هو التعقيد الكبير للقضية الفلسطينية، وأن الدعايات الإعلامية الصهيونية ساهمت إلى حدٍّ كبير في تشويه الحقائق فيما يخص القضية، وبالتالي ضياع جانب كبير من الحقوق الفلسطينية، والتغطية على الجرائم التي يرتكبها الكيان الصهيوني.

إلا أنه أشار إلى أن هناك تبدل في موقف الإعلام الغربي في مسألة رصد الانتهاكات الصهيونية في حق الفلسطينيين منذ الثمانينيات، وأن ذلك التبدل ساهم في إعادة صياغة الرأي العام العالمي والصورة الذهنية المأخوذة عن القضية الفلسطينية.

كذلك تناول بعض الجوانب التاريخية المتعلقة بغرس اليهود في فلسطين، والدور البريطاني في ذلك، وما رافق ذلك من رؤى عنصرية تتعلق بغرس صورة ذهنية عن تفوق اليهود كجنس بشري عن الفلسطينيين، أصحاب الأرض الأصليين.

وقدم في هذا الإطار قراءة في أفكار وأقوال لعدد من الساسة والمؤرخين الغربيين والصهاينة التي توضح جوانب الصورة، مثل وينستون تشرشل، ونعوم تشومسكي، وبيني موريس، وغيرهم.

القسم الأول من الكتاب، غلب عليه الطابع التأريخي؛ فقد عمل المؤلف على تناول الجوانب التاريخية، وما يتصل بها من نواحٍ سياسية، بشأن مزاعم الحركة الصهيونية وداعميها الغربيين في مسألة (الحق التاريخي والديني) لليهود في فلسطين.

ويشير المؤلف في هذا القسم إلى حقيقة مهمة، وهي أن أكثر المتضررين أو تعرُّضًا للخطر من المشروع الصهيوني هم اليهود أنفسهم؛ لأن تكريس أوضاع الكيان الصهيوني في فلسطين عن طريق الإرهاب والقتل والاستيلاء على الأراضي، سيقود بكل تأكيد إلى الكثير من صور التهديد لليهود عبر العالم، في ظل كون المشروع الصهيوني يطرح نفسه كممثل ليهود العالم بأكملهم.

يرى المؤلف أن أكثر المتضررين أو تعرُّضًا للخطر من المشروع الصهيوني هم اليهود أنفسهم؛ لأن تكريس أوضاع الكيان الصهيوني في فلسطين عن طريق الإرهاب والقتل والاستيلاء على الأراضي، سيقود بكل تأكيد إلى الكثير من صور التهديد لليهود عبر العالم، في ظل كون المشروع الصهيوني يطرح نفسه كممثل ليهود العالم بأكملهم

في هذا الإطار، يركز المؤلف على قضية (اللاسامية) التي يستعملها اليهود لابتزاز العالم، ولا سيما في مرحلة ما بعد (الهولوكوست) النازي ضد اليهود في الحرب العالمية الثانية.
فيشير إلى بعض المعارك التي خاضتها الحركة الصهيونية ضد الكثير من الأعمال الفنية والأنشطة الثقافية والسياسية.

ولعله في هذا الإطار يحاول أن يعكس تجربته هو في الأزمة التي واجهته في جامعة (دي بول) مع آلان ديرشوفيتز.

فيتناول الأزمة التي واجهها الممثل الأمريكي المعروف ميل جيبسون، بطل فيلم (عاطفة المسيح) من جانب الدوائر الإعلامية والسياسية الصهيونية بسبب تحميل الفيلمِ اليهودَ مسؤولية دم السيد المسيح -عليه السلام- والتآمر عليه.

وتصدَّى المؤلف في هذا القسم كذلك إلى بعض الأدبيات التي ظهرت في السنوات الأخيرة، وتستغل مصطلح اللاسامية لابتزاز العالم والضمير الإنساني، ويفند محتواها، مثل كتاب (اللاسامية الجديدة) الذي ألفه أرنولد فورستر، وبنجامين آر. إبستين.

وهذا القسم بشكل عام، يعكس حجم الجدل الذي تشهده الأوساط الأكاديمية الأمريكية في مسألة (اللاسامية) بين مؤيدي المشروع الصهيوني ومعارضيه، من خلال تجربته هو الذاتية.

القسم الثاني، تناول فيه المؤلف قضية الجرائم الصهيونية في حق الفلسطينيين، لجهة كشفها، ولجهة تفنيد ما تسعى إليه الحركة الصهيونية في صدد التضليل عليها.

وأشار هنا إلى الجهد المحموم الذي تبذله دوائر الصهيونية العالمية في تسويق ودعم الكتب والأعمال الفنية التي تبرر أو تسعى إلى التغطية على الجرائم التي يمارسها الكيان الصهيوني في حق الفلسطينيين، وركَّز في هذا الإطار على كتب أستاذ القانون في جامعة هارفارد الأمريكي، البروفيسور آلان ديرشوفيتز (قد تُكتَب: ديرشويتس) الذي خاض معه فينكلستاين معركة فكرية وقانونية كبرى كما تقدم، مثل كتابَيْ (مرافعة لإسرائيل) و (رسائل إلى محامي يافع).

وفي إطار تفنيده لما أورده ديرشوفيتز في كتبه دفاعًا عن الكيان الصهيوني وممارساته، استعرض فينكلستاين سجل الكيان الصهيوني الحقوقي، والمعارك القانونية والسياسية التي تدور حوله في أروقة المؤسسات الدولية، وخصوصًا الأمم المتحدة.

وكان من أبرز ما رد عليه في مؤلفات ديرشوفيتز، مزاعمه عن الحريات الدينية التي تقول السلطات الصهيونية إنها تكفلها في المناطق التي تحتلها من فلسطين.
كما ركَّز على الجرائم التي قام بها الجيش الصهيوني خلال (انتفاضة الأقصى) الثانية التي اندلعت في العام 2000م، والتي كانت لا تزال مندلعة وفي أجوائها، عندما وضع المؤلف كتابه هذا.

وفي نهاية كتابه، وضع ثلاثة ملاحق أساسية:

- الأول/ قانوني ورصدي: عن الجرائم الصهيونية في فلسطين.
- الثاني/ تاريخي: صحح فيه الكثير من الأمور عن تاريخ الصراع على أرض فلسطين.
- الثالث/ وثائقي: عمَّا يُعرَف بعملية السلام بين الفلسطينيين والعرب وبين الكيان الصهيوني.

مع المؤلف

نورمان فينكلستاين – ويُكتَب اسمه أحيانًا (فينكلشتاين) – هو أستاذ جامعي أمريكي، من مواليد 8 ديسمبر 1953م، متخصص في مجال العلوم السياسية، وكاتب وناشط سياسي، معروف عنه مساندته للقضية الفلسطينية، مع انتقاداته الدائمة لاستخدام اليهود للمحرقة النازية لهم في الحرب العالمية الثانية (الهولوكوست) لجلب التعاطف العالمي للكيان الصهيوني؛ من أجل التغطية على جرائمه في حق الفلسطينيين.

تخرَّج فينكلستاين من جامعة (بينج هامتون) وحصل على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة (برنستون) ثم شغل عدة مناصب أكاديمية، التدريس والبحث في كليَّتَيْ (بروكلين) و (هانتر) وجامعتَيْ (روتجرز) و (نيويورك) قبل أن يستقر في جامعة (دي بول) التي تعرض فيها عام 2007م، لمشاكل عدة بسبب مواقفه المعارضة للسياسات الصهيونية، وبعد خلافات مع خصم أكاديمي يهودي بارز متعصب للصهيونية، وهو آلان ديرشوفيتز.

من بين أشهر مؤلفاته، (صناعة الهولوكوست: تأملات في استغلال المعاناة اليهودية) و (إسرائيل، فلسطين، لبنان: رحلة أمريكي يهودي بحثًا عن الحقيقة والعدالة) و (صعود وأفول فلسطين: رواية شخصية لسنوات الانتفاضة) و (الحقيقة والنتائج لغزو غزة).

بيانات الكتاب:

اسم المؤلف: نورمان جي. فينكلستاين
عنوان الكتاب: ما يفوق الوقاحة: إساءة استخدام اللاسامية وتشويه التاريخ
ترجمة: أيمن ح. حدَّاد/ أحمد ف. عوض
مكان النشر: الرياض
الناشر: مكتبة العبيكان
تاريخ النشر: 2008م
الطبعة: الطبعة الأولى
عدد الصفحات: 485 صفحة.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
"باحث مصري في شئون التنمية السياسية والاجتماعية، حاصل على بكالوريوس في العلوم السياسية والإدارة العامة من جامعة القاهرة عام 1997م، كاتب في موقع "بصائر"، عمل سكرتيرًا لتحرير مجلة "القدس" الشهرية، التي كانت تصدر عن "مركز الإعلام العربي" بالقاهرة، وعضو هيئة تحرير دورية "حصاد الفكر" المُحَكَّمة، له العديد من الإصدارات، من بينها كتب: "أمتنا بين مرحلتين"، و"دولة على المنحدر"، و"الدولة في العمران في الإسلام"، وإيران وصراع الأصوليات في الشرق الأوسط"، وأخيرًا صدر له كتاب "أسس الحضارة والعمران في القرآن الكريم"، وله تحت الطبع كتاب بعنوان "الدولة في العالم العربي.. أزمات الداخل وعواصف الخارج".

شاهد أيضاً

تراث القدس.. سلوة النفس

يعد هذا الكتاب القيّم تراثًا مقدسيًّا فلسطينيًّا مبسّطًا - إلى حد ما - ومجمّعًا بطريقة …