جعل الإمام البنا الموت في سبيل الله هو خاتمة شعار جماعته وهتافها.
وقبله يجيء الجهاد في الشعار كما رتبه الإمام، وهو ترتيب منطقي، إذ يجيء الله عز وجل كغاية في أوله، وهكذا الغايات لا بد أن تجيء أولا، وإليها يكون الاتجاه ويكون السير، ثم يجيء النبي صلى الله عليه وسلم كزعيم وقدوة وهاد في طريق السير، ثم يجيء القرآن كدستور، يبلّغه الرسول للأمة بشرحه من أجل أن يكون النبراس في الطريق، ويجيء الجهاد من بعد ذلك كوسيلة لحماية الدستور من أعدائه وكارهيه وحاقديه، ثم تكون الخاتمة بالموت في سبيل الله في ساحة الجهاد حمايةً لدين الله الذي بلغه النبي من أجل الوصول لله وإرضائه.
واضح تماما من ظاهر كلام الإمام البنا أنه يقصد بالموت في سبيل الله القتلَ في سبيل الله في ساح المعركة أو على أيدي الكارهين الحاقدين.
لكن الذي يلفت الانتباه أن الموت في سبيل الله أعم وأشمل من القتل في سبيل الله. فالذي يعيش حياته في سبيل الله عبادة ودعوة وجهادا، ثم يأتيه الموت على فراشه، فقد مات_ في الحقيقة_ في سبيل الله.
الموت في سبيل الله أعم وأشمل من القتل في سبيل الله. فالذي يعيش حياته في سبيل الله عبادة ودعوة وجهادا، ثم يأتيه الموت على فراشه، فقد مات_ في الحقيقة_ في سبيل الله
إن عالماً مخلصاً عاش عمره حتى جاوز التسعين، ملأ الأرض بعلمه ونتاجه التأليفي العلمي والفكري والأدبي، وكان إماماً للوسطية والاعتدال ومراعاة الواقع والحال والمآل، هو رجلٌ عاش حياته كلها في سبيل الله، فإن مات مات في سبيل الله ولو مات على فراشه.
وإن داعية مخلصاً عاش عمره حتى أصبح شيخاً هرماً، وقد ملأ الأرض بدعوة الإسلام، وأسمع الناس كلمة الله بخطبه ومحاضراته، هو رجل عاش حياته كلها في سبيل الله، فإن مات مات في سبيل الله ولو مات على فراشه.
وإن مجاهداً، جاهد طواغيت العصر الظالمين الغادرين الفاجرين بالكلمة، وظل طول عمره منادياً بالعدل والمساواة والحرية، وبتطبيق منهج الله في الحكم والحياة، ودفع في سبيل ذلك أثماناً باهظة من حريته وماله، هو رجل عاش حياته كلها في سبيل الله، فإن مات مات في سبيل الله ولو مات على فراشه.
وإن مجاهداً جاهد الكافرين المعتدين الغاصبين في أرض الجهاد بالساعد والسلاح، وظل مرابطاً صابراً محتسباً، ثم لم يكتب الله له الشهادة في أرض المعركة، فهو إن مات مات في سبيل الله ولو مات على فراشه.
إن الحياة في سبيل الله أصعب من الموت في سبيل الله كما يقال، وإن الأصعب أن يعيش الإنسان حياته في سبيل الله حتى يأتيه الموت وهو في هذا السبيل، وحينها يكون موته في سبيل الله.
إن الحياة في سبيل الله أصعب من الموت في سبيل الله كما يقال، وإن الأصعب أن يعيش الإنسان حياته في سبيل الله حتى يأتيه الموت وهو في هذا السبيل، وحينها يكون موته في سبيل الله
إن الله عز وجل في قرآنه حينما رتب الأقربين إليه، المستحقين لنعيمه وجنته، بدأهم بالأنبياء ثم الصديقين قبل الشهداء.
قال تعالى: {وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا} [النساء:69].
فمن هم الصديقون الذين قدمهم الله على الشهداء في هذه الآية ومثيلاتها؟
إنهم كما قال السعدي: (هم الذين كملوا مراتب الإيمان والعمل الصالح، والعلم النافع، واليقين الصادق).
وكما قال ابن القيم (الصديقية هي كمال الانقياد للرسول صلى الله عليه وسلم، مع كمال الإخلاص للمرسل).
إذن، الصديقون مقدمون على الشهداء في المنزلة من الله، وهم بأبسط تعبير: أولئك الذين عاشوا في سبيل الله حتى جاءهم الموت، فكان موتهم في سبيل الله وإن ماتوا على فُرشهم، لأنه موت يجيئهم وهم في سبيل الله. لا نقصد بحديثنا هنا التقليل من شأن الموت في سبيل الله الذين يعني القتل في سبيل الله. ولكننا نقصد هنا أن نشير إلى المعنى الأعم للموت في سبيل الله، والذي يتجاوز مجرد القتل في سبيل الله، ويعني أن يأتي الموت للإنسان وهو في سبيل الله، أيا كان شكل الموت وأيا كانت صفته.
ولا يفوتنا هنا أن نؤكد على أنه من تمام الحياة في سبيل الله، الجهاد في سبيل الله في مواطن الجهاد وأزمنته .
وذلك يعني: أنه لو عاش إنسان في سبيل الله عابداً داعياً عالماً، ثم كُتب عليه الجهاد، دفاعاً عن دينه ووطنه، ولزم منه ذلك. ثم تراخى عن الجهاد، وبقى في حياته عابداً داعياً عالماً، فقد تخلف بذلك عن الواجب والمفروض، وليست حياته حينها في سبيل الله كما ينبغي، ولن تكون موتته بعد إذٍ موتة في سبيل الله إن مات هو على فراشه.
الحياة في سبيل الله التي تُختم بالموت في سبيل الله حتى وإن كان الموت على الفراش، لا تكون إلا بالعبادة والدعوة والعلم، والجهاد بالساعد والسلاح إن وجب الجهاد وجاء وقته
الحياة في سبيل الله التي تُختم بالموت في سبيل الله حتى وإن كان الموت على الفراش، لا تكون إلا بالعبادة والدعوة والعلم، والجهاد بالساعد والسلاح إن وجب الجهاد وجاء وقته.
فإن لم يوجب الجهاد فحياته حينها حياة في سبيل الله وموته بعد ذلك موت في سبيل الله وإن مات على فراشه.
وإن وجب الجهاد وتخلف عنه وهو قادر عليه، فحياته ليست في سبيل الله كما ينبغي، وموته على فراشه بعد ذلك مجرد موت على الفراش، وليس موتاً في سبيل الله.