حق الأفراد على القادة قبل حق القادة على الأفراد

الرئيسية » بصائر الفكر » حق الأفراد على القادة قبل حق القادة على الأفراد
muslims brotherhood7

روى البخاري ومسلم عن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- قال: كنت ردف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على حمار، فقال: يا معاذ! أتدري ما حق الله على العباد وما حق العباد على الله؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: «فإن حق الله على العباد أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئاً، وحق العباد على الله - عز وجل - أن لا يعذب من لا يشرك به شيئاً» (رواه الشيخان).

لم يوجب الله -الخالق المنعم- حقاً له على عباده من غير أن يوجب لهم حقاً عليه غير ما هم فيه من نعمه وفضله في هذه الحياة الدنيا، ولو أوجب الله عليهم حقاً له نظير نعمه عليهم في الدنيا -ولا حق لهم بعدها- لما ظلم ولكان عادلاً؛ فنعم الله على الناس في الدنيا من الخلق والتدبير والعناية تستحق كل ما أوجبه الله عليهم من العبادة ثمناً لها.

لكن الله بمزيد فضله وكرمه، جعل لهم حقاً عليه نظير حقه عليهم، وحقهم عليه جنات ونَهَر، في مقعد صدق عند مليك مقتدر، وذلك حق ثان في الحقيقة، بعد الحق الأول الذي جعله الله لهم، من الخلق والحياة والرزق.

وفي صورة مشابهة، وعلاقة فيها حقوق لأطرافها مع حقوق عليهم، نجد الأثر المروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رجلاً جاء إليه بابنه فقال: إن ابني هذا يعقني، فقال عمر -رضي الله تعالى عنه- للابن: أما تخاف الله في عقوق والدك، فقال الابن: يا أمير المؤمنين، أما للابن على والده حق؟ قال: نعم، حقه عليه أن يستنجب أمه (يعني لا يتزوج امرأة دنيئة)؛ لكيلا يكون للابن تعيير بها، ويحسن اسمه ويعلمه الكتاب، فقال الابن: فوالله ما استنجب أمي، ولا حسّن اسمي، سماني جُعْلا، ولا علمني من كتاب الله آية واحدة، فالتفت عمر -رضي الله تعالى عنه- إلى الأب وقال: تقول ابني يعقني! فقد عققته قبل أن يعقك. (تنبيه الغافلين، السمرقندي).

هكذا الحقوق، وهكذا أطرافها، لكل طرف حقٌ له وحقٌ عليه، وإن كان الطرفان: الله -جل وعلا- طرفاً أولاً، والإنسان طرفاً ثانياً، أو كان الأب طرفاً والابن طرفاً.

بل إن اللافت أن حق الإنسان على الله من الخلق والتصوير والحياة والرزق مقدم على حق الله على الإنسان من الطاعة والعبادة.

وكذلك حق الولد على الوالد من حسن اختيار الأم وحسن التسمية وحسن التربية مقدم على حق الوالد على الولد من الطاعة والرفق والبر.

وكل العلاقات بعد ذلك كذلك، علاقات بين أطراف، لكل طرف منهم حق له وحق عليه، وحقوق مقدمة على حقوق.

حقوق الأفراد والقادة داخل الحركة الإسلامية

والحركة الإسلامية هي نوع من أنواع العلاقة بين أطراف، ارتضاها أطرافها بشروطها وحقوقها، والأطراف في داخل الحركة الإسلامية طرفان، القادة والأفراد، والعلاقة بينهما كما هي العلاقة بين غيرهم من الأطراف في أية علاقة سياسية أو اجتماعية أو وظيفية، حق لهؤلاء على أولئك وحق لأولئك على هؤلاء.

وحق الأفراد على القادة مقدم على حق القادة على الأفراد في الحركة الإسلامية؛ لأن الأفراد يختارون قادتهم من أجل أن يهدوهم إلى أفضل طرق السير وأحسنها، فإذا كان ذلك من القادة على وجهه الأحسن كان لهم حقهم من السمع والطاعة في غير معصية الله.

حق الأفراد على القادة مقدم على حق القادة على الأفراد في الحركة الإسلامية؛ لأن الأفراد يختارون قادتهم من أجل أن يهدوهم إلى أفضل طرق السير وأحسنها، فإذا كان ذلك من القادة على وجهه الأحسن كان لهم حقهم من السمع والطاعة في غير معصية الله

التعاقد الذي يربط بين الأفراد والقادة داخل الحركة الإسلامية يشبه ذلك التعاقد الذي يربط بين الأفراد وولاة أمورهم في الدول.

فهذا وذاك تعاقد على السمع والطاعة للأمير، على أن يسير بمن وراءه أحسن السير وآمنه، فإن لم يكن، فلا طاعة له ولا بيعة، ويجب أن يسعى الأفراد حينها إلى خلعه بما يستطيعون من وسائل، على أن تكون الوسائل ناجعة، غير مهلكة ولا مدمرة.

الطاعة من الأفراد للقادة في الحركة الإسلامية هي طاعة واجبة، لن تصلح الجماعة إلا بها، وهي طاعة منطقية، فلا يتخيل أحد أن تسير جماعة واحدة سيراً مستقيماً إلا أن يكون لقادتها الأمر والنهي، وأن يكون على أفرادها السمع والطاعة ، وذلك يشبه -إلى حد كبير- ما يعرف في الأحزاب السياسية بالالتزام الحزبي.

لكن طاعة الأفراد للقادة طاعة مشروطة بأكثر من شرط:

أول شرط: أن تكون القيادة قيادة منتخبة مختارة بطريقة نزيهة شفافة، وأن تُعرض القيادة كل حين على مجالس الشورى؛ لينظروا في بقائها أو تغييرها، فلا مكان لقيادة أبدية، إلا باختيار الأفراد، وتجديد الاختيار حيناً بعد حين .

ثاني شرط: أن تُعمل القيادة الشورى في كل قراراتها، وأن لا ينفرد واحد أو مجموعة من القادة بالرأي دون بقية مجموعة القيادة كلها.

ثالث شرط: أن تكون القيادة في توجهاتها وقراراتها قيادة حكيمة مؤتمنة حكيمة تراعي الثوابت والأسس والمنطلقات، وتعمل حساباتها للمتغيرات والظروف، لتسير بأفرادها نحو الهدف سيراً حثيثاً آمناً.

الحالة المصرية اليوم

في الحالة المصرية -كصورة صارخة موجودة اليوم لأزمة الحركة الإسلامية- نجد شرخاً كبيراً في علاقة الأفراد بالقادة.

وأول هذا الشرخ: الانقسام الذي حدث بين القادة حتى أدى إلى وجود قيادتين للجماعة، وكل قيادة تدّعي أنها هي القيادة الشرعية، وقد استتب الأمر أخيراً لأحد الطرفين، بعد انقسام كبير طال جسد الجماعة كله.

غير أن القيادة الأخرى ما تزال على موقفها الرافض لقيادة الفريق الآخر، وبالتالي فهم -في الحقيقة- أصبحوا خارج الجماعة تنظيمياً.

والقيادة المتحكمة الآن، لا يزال الشرخ يتسع بينها وبين أفراد الجماعة؛ فالأفراد باتوا يرون أنهم في معركة قد انتهت، وما يزال قادتهم يعيشون في وهم المعركة المستمرة.

لقد استتب الأمر للمنقلبين على الرئيس مرسي تماماً، وقُتل الرئيس مرسي -في محبسه- ولم تعد هنالك شرعية، كان البعض ينادي بها حتى آخر لحظة في حياته رحمه الله.

ولم يعد هناك أي حراك رافض، بل لم يعد هناك تنظيم حقيقي للجماعة على الأرض، فالضربات الأمنية قد فتتت الجماعة، وأصبح أفرادها بين قتيل وسجين ومهاجر ومطارد.

المعركة انتهت، ولم يعد في يد الحركة الإسلامية أي سبب لتقدمه؛ فقد قدمت كل ما استطاعته، ولم يغن عنها شيئاً، فالمعركة كانت كبيرة، والخصوم كانوا أشداء، والتآمر كان عالمياً.

ولن نتحدث اليوم عمّا كان يجب على قيادة الحركة الإسلامية -قبل بدء المعركة- من الاستشراف والتوقع وأخذ الحذر، ولن نتكلم كذلك عن ما كان يجب عليها -أثناء المعركة- من النظر في ماهية المعركة وماهية الخصوم وحجم التآمر.

لكننا سنتحدث عمَّا يجب على قيادة الحركة أن تفعله اليوم:

كيف لا يدرك قادة الحركة الإسلامية في مصر الآن أن المعركة انتهت، وأن واجب الوقت الآن أن يلملموا شتاتهم ويضمدوا جراحهم، لا أن يظلوا في وقوفهم أمام الطوفان بدون أية وسيلة لدفع الأمواج أو أدنى قوة على البقاء وقوفا !

من حق أفراد الحركة الإسلامية في مصر أن يبحثوا الآن عن نجاتهم بعد نهاية المعركة.

من حقهم أن يئنّوا في سجونهم، وأن يتململوا في مهجرهم، وأن يصرخوا في وجوه القادة: وماذا بعد؟

كل ثمن مدفوع، يُدفع عن طيب نفس، ما دام يُدفع لغاية تُدرك، أما إذا كان الثمن يُدفع بدون غاية ولا هدف، فهذا هو الخبل بعينه.

كل ثمن مدفوع، يُدفع عن طيب نفس، ما دام يُدفع لغاية تُدرك، أما إذا كان الثمن يُدفع بدون غاية ولا هدف، فهذا هو الخبل بعينه

على الحركة الإسلامية أن تسعى لوساطة بينها وبين النظام الحاكم، من أجل أن يفرج عن المعتقلين ويعود المهاجرون وتنتهي هذه الحالة التاريخية من الظلم والاضطهاد، وإن كان ثمن ذلك هو اعتزال العمل السياسي لعشر سنين أو عشرين، على أن تعود الجماعة جماعة تربوية دعوية، فإن أبى النظام الحاكم أن تعود الجماعة دعوية، فلتعد جماعة تربوية فقط، تنغلق على نفسها، تلملم شتاتها وتضمد جراحها وتربي أفرادها، والأيام دُول، والحياة متقلّبة، ولا يدري أحد ماذا سيحدث غداً، المهم اليوم أن تنقذ أبناءك وتنقذ جماعتك.

والعذر الوحيد للقيادات الحالية في هذا الأمر، أن تكون قد سعت لمثل ذلك، وأن يكون النظام الحاكم هو الذي رفض، وهذا احتمال كبير، فهو نظام يبدو أنه قد جاء ليجتث الجماعة من جذورها.

ومما يقال: إن النظام الحاكم يشترط على قيادات الحركة أن يعلنوا حلّ التنظيم من أجل إخراج المعتقلين وإعادة المهاجرين، وهذا ما لا يستطيع أحد أن يقبله، لا من القادة، ولا من الأفراد المخلصين الأوفياء.

فكيف يقبل أحد منهم إنهاء ميراث تسعين عاماً من التربية والدعوة والجهاد والتضحية، وكيف يقبل أحد منهم أن ينتهي ذلك الحلم الجميل الذي تأسست لأجله الحركة الإسلامية، حلم إقامة الدولة الإسلامية الجامعة، التي تسود العالم وتُعزّ دين الله.

ختاماً.. إن كان قادة الحركة الإسلامية لا يفكرون في حلول من أجل معاناة أبنائهم في السجون والمَهَاجر بعد نهاية المعركة مع رموز الانقلاب، فهم قادة غير مؤتمنين على القيادة ، لا تجب الطاعة لهم، فحقهم على الأفراد بالطاعة يأتي بعد حق الأفراد عليهم بحسن القيادة والحكمة والبصيرة.

 

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتب وشاعر وروائي مصري، مهتم بالفكر الإسلامي والحركة الإسلامية

شاهد أيضاً

إلى أي مدى خُلق الإنسان حرًّا؟

الحرية بين الإطلاق والمحدودية هل ثَمة وجود لحرية مطلقة بين البشر أصلًا؟ إنّ الحر حرية …